30-يونيو-2023
مقتل مراهق جزائري في باريس (الصورة: ميترو)

مقتل مراهق جزائري في باريس (الصورة: ميترو)

لقيت حادثة مقتل الشاب نائل ذي الأصول الجزائرية على يد شرطي فرنسي في العاصمة باريس تفاعلًا واسعًا من قبل الجزائريين، وأعادت طرح طريقة تعامل إدارة الرئيس إيمانويل ماكرون مع المهاجرين الجزائريين من جديد، وبالخصوص الذين يقطنون بالضواحي.

الشاب الفرانكو -جزائري يعمل موزّع سلع بسيارته المرسيدس النفعية أوقفته الشرطة لارتكابه مخالفة مرورية

واشتعلت مواقع التواصل الاجتماعي، بتعليقات متعاطفة مع الشاب نائل (17 سنة)، حيث أثار الجزائريون قضايا العنصرية في فرنسا والإسلاموفوبيا والمعاملة التمييزية بين الفرنسيين ومزدوجي الجنسية من الجزائريين، واعتبروا أن ما حدّث ردّ فعل عفوي من جماهير غاضبة شعروا أنهم مستهدفون من الإدارة الفرنسية.

واستنكرت ردود أفعال الجزائريين على مواقع التواصل الاجتماعي قتل الشرطة الفرنسية بدم بارد الشاب القاصر نائل، ما أظهر، حسبهم، "سلوكات موجهة" ينتهجها البوليس الفرنسي ضد المهاجرين ومزدوجي الجنسية والجزائريين بشكل خاص.

غضب ضد العنصرية

صنف أغلب المعلقين ما أقدم عليه الشرطي الفرنسي بقتل الشاب نائل ( 17 عامًا) بالفعل العصري، كون الجريمة ارتكبت من مسافة قريبة خلال عملية تدقيق مروري، لذلك وجهت للجاني تهمة القتل العمد.

في هذا السياق،قال الإعلامي حفيظ دراجي في منشور إن "ما يحدث في فرنسا تجاوز مجرد رد فعل للجالية الجزائرية على اغتيال الشاب الفرنكو-جزائري ( نائل )، بل هو ناتج عن تراكمات غضب شعبي عام تجاه سلوكيات النظام و أجهزة الأمن الفرنسية، و منظومة مجتمع عنصري حاقد".

وقالت صفحة "أوك بريس" إن "الشرطة الفرنسية تتصرف بعنصرية..في نانتير شمال غرب باريس أو قفوا ناهل(17سنة) المراهق من أصول جزائرية  بحجة مخالفة سياقة، وقال له أحدهم سأضع رصاصة في رأسك..ثم قتله بدم بارد".

وأضافت أن "الشاب الفرانكو -جزائري يعمل موزّع سلع بسيارته المرسيدس النفعية أوقفته الشرطة لارتكابه مخالفة مرورية، وعندما أراد أن ينطلق بسيارته قتلوه بدم بارد"، مشيرة إلى أنه "بعد محاولتهم التغطية عن الجريمة، قالوا إن نائل حاول مهاجمتهم بسيارته، لكن كاميرا مراقبة الطرقات كشفت الحقيقة وأن السيارة كانت متوقفة عند إطلاق النار".

وجاء في المنشور نفسه إنها "الجريمة رقم 12 ضد الأفارقة والمغاربة".

ويتطابق هذا الوصف مع ما عبرت به والدة الفتى نائل التي نقلت عنها وسائل إعلام مختلفة أنها تعتقد أن "الحادثة لها دوافع عنصرية."

وما يمكن الإشارة إلية أيضًا، أنه في حادثة مقتل الشاب نائل تجنبت وسائل إعلام فرنسية كثيرة الحديث عن أصول الضحية، ولكن في حادثة أخرى تتعلق باغتصاب فتاة أمرسكية داخل حمام من طرف شخص مخمور، ذكرت منشورات إعلامية إلى أصول الفاعل بعبارة (ولد في الجزائر)، والأمر ذاته كان يطبق من الدعاية الفرنسية لما تتعلق القضية بعملية إرهابية، حيث تسارع وسائل الإعلام  في باريس إلى ربطه بالمنطقة المغاربية أو الإسلام.

استنكار رسمي وحزبي

وفي أول رد رسمي على حادثة مقتل نائل، قالت وزارة الخارجية إن الحكومة الجزائرية لا زالت تتابع بـ "اهتمام بالغ" تطورات قضية وفاة الشاب نائل "بشكل وحشي و مأساوي" بفرنسا.

و أوضحت الوزارة في بيان لها أنها "علمت بصدمة واستياء بوفاة الشاب نائل بشكل وحشي و مأساوي والظروف المثيرة للقلق بشكل لافت التي أحاطت بحادثة الوفاة" معربة عن خالص تعازيها لأسرة الفقيد التي "تؤكد لها أن الجميع في بلدنا يشاطرها حزنها وألمها".

و جاء في البيان أن "الحكومة الجزائرية لا زالت تتابع باهتمام بالغ تطورات هذه القضية المأساوية، مع الحرص الدائم على الوقوف إلى جانب أفراد جاليتها الوطنية في أوقات الشدائد والمحن".

وقالت حركة البناء الوطني "نعبر لجاليتنا بفرنسا عن تضامننا الكامل معها في هذه الفاجعة الجديدة التي تضاف إلى المآسي والمعاناة التي تتعرض لها"، مضيفة بالقول " نعبر عن قلقنا الكبير لتداعيات هذه الحوادث مستقبلا ، ونحمّل السلطات الفرنسية المسؤولية الكاملة في إجراء تحقيق كامل و ونزيه لتسليط الضوء على ملابسات هذا الاعتداء وضمان تحقيق العدالة الكاملة فيه".

دفاع عن نائل

وتصدى الجزائريون لمن يحاول تشويه سمعة نائل وتبرير جريمة الشرطي الفرنسي، فقد علق أحمد داوود على أحد المغردين الذي حاول توشيه صورة الضحية بالقول " نائل لم يكن مطلوبًا للعدالة ولم يكن تاجر مخدرات، بل كان لاعب رغبي محبوبًا في حيه، كان عامل توصيل طلبات طموحًا يأمل في تغيير حياته ومستقبله".

وجاء تعليق أحمد داوود ردًا على تعليق خلف أحمد الحبتور الذي قال في منشوره الاستفزازي " التجنيس مشكلة وآفة مضرة بمجتمعاتنا، فكم من أحداث واضطرابات وتخريب وفوضى تسببت بها زمر تحمل هوية تلك الدول ولكن لا انتماء وطني لديها، فالاضطرابات التي تشهدها الدول الأوروبية وخصوصا فرنسا وألمانيا وبلجيكا، هي من فعل مجموعات مشاغبة مجنسة فاقدة لأي حس وطني. إن خطر التجنيس  هو خطر كياني يهدد أيّة دولة ويدمرها".

وأضاف أحمد داوود "رأيت رد فعل المجنسين ولم تر عنف الشرطة وقتلها لشاب بريء أعزل!"، مضيفًا إنها "مشكلة عندما يكون الإنسان يرى بعينٍ واحدة والمشكلة الأكبر أن يكون هو نفسه ليس من أصول الدولة التي يحمل جنسيتها ثم يتحدث عن التجنيس في الدول الأخرى!".

سجل حافل بالانتهاكات

غالبًا ما تكون الجالية الجزائرية في فرنسا، على ارتباط وثيق بكل الأحداث المتعلقة بموطنهم الأصلي، ويكون الانخراط في الاحتجاجات الغاضبة بشكل جماعي دون سابق إنذار، ناجمًا عن خلفية تاريخية وهوياتية، وعن ممارسات خارجة عن حقوق الإنسان تنتهجها الشرطة الفرنسية ضد كل ما هو جزائرية، وبالخصوص مع تصاعد الفكر اليميني المتطرف في فرنسا وأوروبا في السنوات الأخيرة.

لا يرتبط خروج الجزائريين إلى الشوارع الفرنسية، تفاعلًا مع أحداث تتعلق ببلدهم، بالاحتجاجات فقط، ولكنها ترتبط أيضًا باحتفالاتهم بمنتخبهم الوطني أيضًا، ودون اتفاق مسبق يخرج الجزائريون رافعين علم بلادهم للاحتفال بانتمائهم وتاريخيهم وهويتهم في سردية تُحيلنا إلى العناصر الديماغوجية المشكّلة لوعيهم السياسي والفكري.

في حادثة سابقة، خرج أنصار "الخضر" من الجالية الجزائرية في باريس ليحتفلوا بمنتخب بلادهم المتوّج بكأس العرب، وعوض أن يجدوا تسهيلات أمنية لتأطير هذه الاحتفالات كما يحدث حين يتعلق الأمر باحتفال الجالية أيضًا بالمنتخب الفرنسي، قامت الشرطة بتحذيرهم من الخروج للاحتفال وبقمعهم لاحقًا، وهو ما تسبب في أحداث شغب دامية أدت إلى مقتل شخصين من الجالية.

 ورافقت تلك الأحداث خطابات عنصرية من اليمين المتطرف تنتقد احتفالات الجزائريين، وتدعو بعضها إلى ترحيلهم إلى الجزائر، ونزع الجنسية الفرنسية عن الجزائريين الذين اكتسبوها بداعي المولد  في باريس، متناسين في ذلك القوانين التي تنظم هذه الإجراءات والأوضاع، وفي مقدمتها اتفاقية 1968 التي تنظم تنقل الأشخاص والهجرة بين الجزائر وفرنسا.

ولا تشكل معاملة الشرطة الفرنسية للمهاجرين الجزائريين بطريقة غير قانونية أمرًا جديدًا، بالنظر إلى تاريخها إلى أحداث ارتكبت في الـ 17 أكتوبر 1961، عندما أمر محافظ الشرطة موريس بابو برمي أكثر من 400 جزائري في نهر السين بباريس.

غير أن الأمر المختلف اليوم، هو أن إطلاق الرصاص على العزل من قبل الشرطة الفرنسية أصبح مشرعًا جراء القانون الصادر في فبراير 2017 الذي غير الظروف التي بموجبها يحق لضباط الشرطة الفرنسية إطلاق النار، وهو ما جعل البلاد تشهد عام 2022 مقتل 13 شخصًا على أيدي عناصر الشرطة الفرنسية بعد محاولتهم الفرار من نقطة تفتيش.

وفي آذار/ مارس الماضي، قُتل سائق سيارة في سيفران، قبل أن يلقى شخصان المصير نفسه في نيسان/ أبريل بباريس، وفي حزيران/ جوان من السنة نفسها، قُتل شخص بعد مطاردة الشرطة له في العاصمة الفرنسية، إضافة لمهاجر مصري على الحدود مع إيطاليا.

كما لقي رجلان مصرعهما في فينسيو وآخر في نيوفيل أون فيرين شمالي البلاد، في آب/ أغسطس، قبل تسجيل حالتي وفاة إضافية في رين ونيس سنة 2022.

أفرجت السلطات الفرنسية عن عناصر الشرطة المسؤولين عن هذه الحوادث دون محاكمة

وأفرجت السلطات الفرنسية عن عناصر الشرطة المسؤولين عن هذه الحوادث دون محاكمة، ما أدى إلى رفع عدد من القضايا في المحاكم تنتظر البتّ بها، الأمر الذي جعل الجميع  يتخوف من أن يكون مصير قاتل نائل الإفراج أيضًا، بما أن إدارة ماكرون لا ترى حاجة لتعديل هذا القانون في الوقت الحالي.