27-أكتوبر-2021

حاج أحمد يحيى زكريا (فيسبوك/الترا جزائر)

حين ولد الفنّان المتخصّص في الرّقص المعاصر حاج أحمد يحيى زكريّا عام 1990، في ولاية عين الدّفلى، 100 كيلومتر إلى الغرب من الجزائر العاصمة، كان الشّارع الجزائريّ منخرطًا في مسعى قيام ما سمّي بالدّولة الإسلاميّة؛ ثمّ انخرط في دوّامة من العنف والإرهاب، فكان الواحد يخاف من الكلام ناهيك عن الرّقص، "لقد كانت كلّ الظّروف تجعل التّفكير في ممارسة الفنون، خاصّة المتمرّدة منها مثل التّعبير الجسدي، مظهرًا من مظاهر الجنون والانتحار. ولولا أسرتي المسكونة تاريخيًّا بالفنون لكانت قدرتي على التّمسك بخياري الفنّيّ هشّةً ".

أتقن زكريّا حركات "التاي تشي" ومنها تعلّم البريك دنس متأثّرًا بالرّاقص الفرنسيّ من أصول مغربيّة وجزائريّة صلاح إنترتاينر

مع ذلك؛ يقول حاج أحمد يحي زكريّا، كنت أمنح وجداني وكياني لمايكل جاكسون. كنت أشمئزّ من أخبار ومظاهر الموت، فكان لا بدّ، كي أتفاداها وأتغلّب عليها، أن أتّخذ لي رمزًا يُحيل على الفرح والحياة. فوضعني ذلك أمام جملة من التّحدّيات، ليس ضدّ البيئة المحافظة التّي طلعتُ منها فقط، بل ضدّ نفسي أيضًا، إذ علّمني ذلك مبكّرًا قيمَ المقاومة والمواجهة والإيمان بخيارات الذّات.

اقرأ/ي أيضًا: شوقي بوزيد يُمَسْرِحُ "ليليات رمادة" لواسيني الأعرج

لم يستوعب زكريّا انتهاك الجسد بالقتل، فشُغِفَ بالفنون والرّياضات التّي تقوّيه وتحميه وتمنحه معنّى مضادًّا؛ فشرع في أخذ تدريبات في الكونغ فو، ثمّ ساهم في تأسيس فرقة kbs المتخصّصة في فنون الهيب هوب؛ رفقة نخبة من الشّباب الذّين أدركوا أن محاربة خطاب الموت لن نكون بالسّلاح فقط؛ بل أيضًا بممارسة الفنون ونشر خطاب الحياة انسجامًا مع اللّحظة الوطنيّة التّي بدأت تتقبّل خيار المصالحة، وتجاوز خيار الاقتتال.

أتقن زكريّا حركات "التاي تشي" ومنها تعلّم البريك دنس متأثّرًا بالرّاقص الفرنسيّ من أصول مغربيّة وجزائريّة صلاح إنترتاينر. وكان أوّل عرض محترف له عام 2010، ضمن المهرجان الدّوليّ للرّقص المعاصر في الجزائر العاصمة. وفي الدّورة الموالية من المهرجان حصل العرض الذّي شارك فيه على جائزة لجنة التّحكيم؛ "كنت محتاجًا إلى تلك التّجربة وإلى ذلك التّتويج ليستوي إيماني بنفسي؛ وأفكّر في خوض تجارب جديدة ومبتكرة؛ إذ لم أكن منزعجًا من التّأثّر والتّقليد بصفته عتبةً للانطلاق، بل بصفته أفقًا للاستمرار".

توالت، في السّنوات الثّلاث الموالية، مشاركات محدّث "الترا جزائر"، في المهرجانات والاستعراضات الوطنيّة والدّوليّة. ثمّ أعلن عن نفسه مصمّمًا من خلال عرض أسماه "الوقت"، فافتكّ به المرتبة الأولى في المهرجان الدّوليّ للتّعبير الجسمانيّ بتونس، وجائزة لجنة التّحكيم في دورة 2013 من المهرجان الدّوليّ للرّقص المعاصر في الجزائر العاصمة؛ يقول: "بدأت أتذوّق حلاوة التّتويج والاعتراف، ليس من الزّاوية الماليّة، فقد كنت قادرًا على تحصيل المال من خلال الرّياضة أو التّجارة، بل من زاوية أنّ مراهنتي على شغفي الفنّيّ شرعتْ في إثبات صوابها. أجملُ ما يحصل لفنّان شغوف بفنّه هو أن يقف أمام الجمهور وقفةً مبدعةً، فيحمله على التّصفيق له إعجابًا واستمتاعًا".

يعترف حاج أحمد يحيى زكريّا بأن تعامله مع الفنّان سليمان حابس شكلّ نقلةً مهمّةً في مساره الفنّي؛ "فالمعلّمون الكبار والحقيقيّون يضيفون لنا ولا يبتلعوننا، ويجعلوننا نشعر لاحقًا بقدرتنا على التّحليق مستقلّين بكلّ ثقة". حدث ذلك التّعامل بين واحد من عرّابي التّعبير الجسمانيّ في الجزائر وشابّ يطمح إلى أن يكون من عرّابيه في العرض المسرحيّ الكوريغرافيّ "الهايشة" للمخرج محمّد شرشال. وفي عروض "صوفونيسبا"، و"هذا هو بيتي"، و"رحلة حب".

عمل مصمّم عروض "جاذبيتي" و"الصرخة" و"ماذا لو؟"؛ مع نخبة من المصمّمين الجزائريّين، مثل رياض بروال وخديجة قميري وفوزي بن إبراهيم، وآخرين من ألمانيا وإيطاليا والولايات المتّحدة الأميركيّة وروسيا وفرنسا وسويسرا وكرواتيا وكينيا وكوديفوار؛ فأتقن الرّقص الأكاديميّ الكلاسيكيّ والتّعبير الجسديّ المعاصر معًا، "فكان لكلّ تجربة مذاقها وسياقها الخاصّ. نحن نتطوّر بالاحتكاك المعجون بالطّموح الشّخصيّ".

حاج أحمد يحيى زكريا: إذا كنّا نمارس الرّقص في السّابق لنحيا؛ فنحن مطالبون بممارسته اليوم لنحيا بشكل أسمى وأرقى وأقربَ إلى روح الخلق

يطمح حاج أحمد يحيى زكريّا إلى ابتكار أسلوب جديد في الرّقص يُسمّيه "الكتابة الفلسفيّة الجسديّة"؛ حيث تمتزج الحركة بالمعرفة؛ محاولةً منه لتأويل العالم من خلال الجسد الذي بات معرّضًا أكثر للانتهاك والابتذال؛ ليس من خلال القتل فقط، بل أيضًا من خلال المتاجرة به. يقول:"إذا كنّا نمارس الرّقص في السّابق لنحيا؛ فنحن مطالبون بممارسته اليوم لنحيا بشكل أسمى وأرقى وأقربَ إلى روح الخلق".

 

اقرأ/ي أيضًا:

دون مبررات.. الجزائر تسحب فيلم "هيليوبوليس" من الأوسكار

فيلم "هيليوبوليس" للمخرج جعفر قاسم في قاعات العرض هذا الشهر