منذ مطلع سنة 2022، برزت إلى الواجهة خطابات ووعود تقول في مجمهلها إن هذه السنة ستكون "اقصادية بامتياز"، تلتها قرارات حكومية وإجراءات إدارية وتنظيمات تشريعية، غير أن تنفيذها على أرض الواقع، وأثرها على حياة المواطنين وقدرتهم الشرائية، يبقى مجالًا قابلًا للقراءة على أكثر من صعيد من طرف مختصين وخبراء اقتصاديين.
يرى متابعون أن تأخر تعرض الدول البترولية بالأزمة الاقتصادية بعد جائحة كورونا يرجع أساسًا لضعف نشاطها الاقتصادي والصناعي على عكس الدول المصنعة التي تتأثر بسرعة بسبب توقف أنشطتها الصناعية بشكل شبه تام
في هذا السياق، تُطرح عدّة أسئلة حول حصيلة سنة 2022 على الصعيد الاقتصادي، وأهم القرارات الاجتماعية والاقتصادية لهذه السنة، ومؤشّرات وأرقام النمو السنوي، وهل حققت الحكومة خطة التحول الاقتصادي وخلق مناصب الشغل، بعد أزمة "كوفيد-19" وأزمة دولية شاملة؟ إلى هنا، ترصد "التر جزائر" أهم المحاور الاقتصادية لسنة 2022، وحصيلة العمل الحكومي الذي توقع أن يكون عام 2022 سنة الإقلاع الاقتصادي والتنمية.
شهدت سنة 2022 صدور قانون الاستثمار الجديد، بعد إعادة دراسة ومراجعة وتأجيل لمرات عديدة، وجاء القانون الجديد بنصوص تشريعية وتنظيمية من شأنها تعزيز وتثمين مناخ الأعمال واستقراره، حسب الحكومة، إذ سيستمر العمل بالنص الجديد للقانون لمدّة 10 سنوات دون أن يطرأ عليه أي تغيير، بما يحمي ويخدم الاستثمار والمستثمرين.
منح قانون الاستثمار الجديد ضمانات لتحويل الأرباح والأموال المستثمرة إلى البلاد، ويهدف التشريع تحفيز وجلب الاستثمارات الخارجية ورؤوس الأموال الدولية، وعلى الصعيد التنظيمي تم تقليص السلطة التقديرية للإدارة في منح الامتيازات من أجل القضاء على الطابع البيروقراطي في المجال الاقتصادي.
وينص القانون الجديد، على تحويل الوكالة الوطنية لدعم الاستثمار إلى الوكالة الجزائرية لترقية الاستثمار، ومنحها دور المروج والمرافق للاستثمارات، كما تقرر استحداث شباك وحيد له اختصاص وطني، موجه للمشاريع الكبرى والاستثمارات الأجنبية.
بعيدًا عن أرقام الحكومة، يعيش المواطن واقعًا مخالفًا للإيرادت التي يجنيها الاقتصادي الجزائري، فقد لاحظ خبراء تناميًا متزايدًا للتضخم في الجزائر انعكس بشكل كبير على أسعار المواد الغذائية خاصة الأساسية، حيث شهد مطلع هذه السنة ندرة في هذه المواد، إذ وصلت هذه الزياردات إلى أكثر من 30 %.
هنا، يقول الكاتب الحاج الحاج في منشور له، "إن الإقتصاد الجزائري تحسن على المدى القريب بشكل ملحوظ، مدفوعًا بارتفاع أسعار النفط والغاز الطبيعي، في وقت سجل فيه التضخم أعلى معدل له منذ 25 عامًا، واستدرك قائلًا: "إن استمرار الاعتماد الكبير على إيرادات المحروقات والزيادة الكبيرة في الإنفاق العام المتوقع لعام 2023، يؤديان إلى مخاطر ملحوظة على المالية العامة، وسط تقلب أسعار المواد الأولية".
ويختم المتحدث مقالته أن اقتصادنا يعاني تبعية مفرطة لإيرادات المحروقات، إذ تمثل نحو 90% من مداخيل البلاد من النقد وهنا الخطر الأكبر، على حد تعبيره.
مجابهة الاقتصاد الموازي
في إطار العمل على امتصاص الأموال المتداولة في الأطر غير الرسمية والبنكية، سعت الحكومة إلى مباشرة العمل بالصيرفة الإسلامية وتعميمها عبر ستة بنوك عمومية، وإطلاق عروض وخدمات وامتيازات وفق التشريع الإسلامي، إذ قال رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون، في تصريح سابق، إن تقديرات الأموال في السوق الموازية تقدر بـ 10 آلاف مليار دينار أي ما يعادل 75 مليار دولار، أم مسؤولي القطاع المصرفي في الجزائر فيقرّون بادخار أزيد من خمسة آلاف مليار سنتيم.
في السياق نفسه، تراهن الحكومة على رفع الصادرات خارج المحروقات، وتسعى إلى بعث الإنتاج الوطني وإرساء القاعدة الصناعية والإنتاجية المحلية، وفي سبيل تحقيق ذلك، عمدت الحكومة على تشديد وضبط التجارة الخارجية وقررت إجراءات حمائية، وترتب على ذلك فائضًا تجاريًا قارب 17 مليار دولار، حسب الأرقام التي قدمتها.
وتصل توقعات الحكومة بلوغ الصادرات خارج المحروقات إلى سبعة ملايير دولار لأول مرة في الجزائر، وتشمل الصادرات الجزائرية منتجات كالحديد والصلب والمواد الكيمائية والإسمنت والمنتجات الغذائية والفلاحية على غرار التمور.
ولكن على عكس توقعات الحكومة، يرى بعض المحللين أن الأزمة الإقتصادية التي تغنى كثيرون بتفاديها لها مع بداية وباء "كوفيد- 19" مطلع سنة 2020 ، تلقي بظلالها و بقوة على الواقع الجزائري اليوم، أي أن الجزائر تدفع ثمنها بأثر رجعي بعد انقضائها في باقي دول العالم.
هنا، يقول الدكتور ساعد حسام غانم، إن "معظم الدول تأثرت بسرعة و هذا لتوقف النشاط الاقتصادي بشكل شبه كلي لفترة ليست بالبسيطة، و الدول الصناعية الكبرى كانت الأكثر تضررًا، وبات من الواضح أن تأخر تعرض الدول البترولية عامة و الجزائر خصوصًا لهذه الأزمة يرجع أساسًا لضعف النشاط الإقتصادي و الصناعي، خاصة التصدير".
الدبلوماسية الاقتصادية
تمثل الدبلوماسية الاقتصادية أولوية رئيسية في رؤية السلطات الجزائرية من أجل تفعيل الدور الدبلوماسي في استقطاب رؤوس الأموال الخارجية، ودعم تواجد المنتوج الوطني على مستوى الأسواق الخارجية والدفاع على المصالح الاقتصادية الوطنية.
وبناء على ذلك، تم الانضمام إلى منظمة التجارة الحرة القارية الأفريقية التي تضم أكثر من 54 دولة، علاوة على تأكيد على تفعيل دور التعاون الاقتصاد العربي وتنشيط منطقة التجارة الحرة العربية.
كما تسعى الجزائر إلى الانضمام إلى منتدى "بريكس"، والتي تتوفر على فرص متبادلة بين الدول الأعضاء لإبرام صفقات تجارية وصناعية وخدماتية تعزز من حضور الجزائر في محيط التجارة الخارجية.
ملف صناعة واستيراد السيارات
شهد ملف صناعة واستيراد السيارات خطوة في طريق إيجاد مخرج بعدما ظل الملف مجمدًا ومعلقًا تجاوز ثلاثة سنوات، وقد أفرجت الحكومة عن دفتر شروط استيراد وتصنيع السيارات وتم تحديد آليات تصنيع وتركيب السيارات، وقال وزير الصناعة الجزائري إن سنة 2023 ستكون سنة تركيب وصناعة السيارات الجديدة، وسيكون من حق المواطنين استيراد سيارة مستعملة أقل من ثلاث سنوات من الخارج.
بدورها، أبرمت وزارة الصناعة بتاريخ 31 أكتوبر/ تشرين الثاني الماضي عقدًا مع فرع مجمع "ستيلونتيس" بهدف إقامة مصنع مقره ولاية وهران (غرب الجزائر) من أجل المباشرة في تصنيع العلامة التجارية الإيطالية "فيات"، فضلًا عن ذلك شهدت نهاية السنة عودة مصنع "رونو" بوهران إلى النشاط والإنتاج بعد تحويل حصة شركة السيارات الصناعية إلى مجمع "مدار".
ويقدر السوق العمل في مجال تصنيع واستيراد السيارات أكثر من 100 ألف منصب عمل، وباستطاعة سوق السيارات تقديم قيمة مضافة إلى قطاع التأمينات بأكثر من 50 في المائة، بحسب خبراء.
احتياطي الصرف
من جانبه، استفادت الحكومة من طفرة مالية نتيجة ارتفاع أسواق الغاز والبترول في السوق الدولية، والتسيير الحذر للاحتياطي النقدي، ويلامس احتياط النقد الأجنبي 55 مليار دولار نهاية السنة، كما تم تعزيز قيمة صندوق ضبط الإيرادات، وهو الفارق بين السعر المرجعي في قانون المالية وسعر السوق العالمي.
وأمام ارتفاع نسبة التضخم التي انعكست عن تراجع القدرة الشرائية خصوصًا بعدما شهدت أسعار المواد الاستهلاكية "ارتفاعًا فاحشًا" سعت الحكومة إلى سن قوانين من أجل الحد من ارتفاع الأسعار وتخفيف من الأعباء المالية للأسر والعائلات، إذ تم تخفيض الضريبة على الدخل الإجمالي للأجور لبعض الفئات العمالية، ورفع النقطة الاستدلالية لموظفي القطاع العمومي، كما تم استحداث منحة البطالة ورفع معاشات التقاعد، وتم تأجيل تفعيل جهاز مراجعة أموال الدعم الاجتماعي وتحديد الفئات المستفادة من أموال الدعم نتيجة الأريحية المالية لسنة 2022/2023.
تراهن الحكومة على بلوغ نسبة نمو مقدارها 4 %، بفضل الحركية الاقتصادية وضبط وتشديد التجارة الخارجية والتسيير الحذر للصرف الاحتياطي
في الختام، تراهن الحكومة على بلوغ نسبة نمو مقدارها 4 %، بفضل الحركية الاقتصادية وضبط وتشديد التجارة الخارجية والتسيير الحذر للصرف الاحتياطي، وإعادة تفعيل النسيج الصناعي الوطني.