04-يناير-2020

الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون (تصوير: بلال بن سالم/Getty)

لان رئاسة الجمهورية الجزائرية، عن التشكيلة الحكومية الجديدة، حمل الكثير من المفاجآت، إذ ضمّت القائمة، وجوهًا لم يسبق لها تقلّد مناصب مسؤولية في الدولة، وأخرى محسوبة على المعارضة، وعرفت أيضًا عودة وزراء سابقين، سبق لهم أن شغلوا مناصب حكومية في عهدة الرئيس السابق.

 أبقى الرئيس تبّون، على أعضاء الوزارات السيادية كما كان متوقعًا، ويتعلّق الأمر بكلّ من وزير الداخلية والجماعات المحليّة كمال بلجود، الذي كان وزيرًا للسكن في الحكومة الأخيرة، ووزير الشؤون الخارجية صبري بوقادوم، ووزير العدل وحافظ الأختام بلقاسم زغماتي، ضمن طاقم مؤلّف من 39 وزيرًا من بينهم خمسة نساء.

اقرأ/ي أيضًا: سقوط آخر الباءات.. الوزير الأوّل نور الدين بدوي يستقيل

لأوّل مرّة، يعلن الوزير المستشار النّاطق الرسمي باسم رئاسة الجمهورية، قائمة الفريق الوزاري الذي سيبدأ العمل فعليًا الأحد المقبل. إذ يتشكّل من 28 وزيرًا، وسبعة وزراء منتدبين، وأربعة كتّاب دولة، بينما يحتفظ رئيس الجمهورية بناءً على النصّ الدستوري بحقيبة الدفاع، بصفته القائد الأعلى للقوّات المسلّحة وزيرًا للدفاع.

بعيدًا عن الكوطة السياسية

في قراءة أوّلية للحكومة الجديدة المعلنة من قبل الرئاسة الجزائرية، فإنها ابتعدت كثيرًا عن صيغة الحكومات السابقة التي كانت تعتمد على "المحاصصة" أو نظام "الكوطة الحزبي"، بالنظر إلى طبيعة النظام السياسي الجزائري، الذي بات يحفظ للأحزاب الممثّلة بالأغلبية في البرلمان، بحصّتها في الطّاقم الحكومي، فجاءت توليفة الحكومة بقيادة البروفيسور جراد، على شاكلة فريق من كفاءات متعدّدة المشارب والخلفيات.

وتعدّ حكومة جراد، أولى الحكومات التي لم تضم وزيرًا ينتمي للحزب الحاكم (حزب جبهة التحرير الوطني ذو الأغلبية البرلمانية)، بحسب القراءة الأوّلية، رغم أن عدد من الوزراء احتفظوا بمناصبهم، مثل وزير المجاهدين الطيب زيتوني، والذي ينتمي إلى حزب التجّمع الوطني الديمقراطي (ثاني قوّة سياسية في البرلمان الحالي)، ووزير الشؤون الدينية يوسف بلمهدي، ووزير الزراعة شرفي عوماري ووزير الطاقة محمد رقاب.

 يلاحظ أيضًا، أن عددًا من وزراء بوتفليقة السابقين استعادوا مناصبهم، منهم وزير المالية عبد الرحمن راوية، ووزير السياحة في الحكومة ما قبل الأخيرة، حسن مرموري الذي عين في المنصب نفسه، كما عاد بشير مصيطفى إلى منصبه السابق كوزير مكلف بالإحصائيات والاستشراف، بعدما ألغى الرئيس السابق بوتفليقة هذه الوزارة، وكان مصيطفى مغضوبًا عليه من طرف محيط الرئيس المستقيل. واستعاد وزير الصيد البحري الأسبق سيد احمد فروخي منصبه السابق أيضًا، مع الذكر أن فروخي استقال من حزب جبهة التحرير الوطني ودعّم وقتها الحراك الشعبي.ةىلارئشضصرزح

أسماء معارضة

ما يلاحظ أيضًا من خلال هذه التعيينات، أن الطاقم الوزاري الجديد، ضمّ أسماءً محسوبة على المعارضة، خصوصًا إبّان الأزمة السياسية التي تعرفها الجزائر، ويتعلّق الأمر بمنصب وزارة التجارة، التي أوكلت إلى الأستاذ الجامعي في كلية الاقتصاد بجامعة البليدة كمال رزيق، فضلًا عن حقيبة الصناعة والمناجم، التي أوكلت للخبير الاقتصادي فرحات آيت علي براهم، وهو المعارض للرئيس بوتفليقة.

 وتقلّد أستاذ القانون الدولي، الصحافي المعارض عمار بلحيمر منصب وزير الاتصال، المتحدّث باسم الحكومة، بينما تمّ تعيين الناشطة الحقوقية كوثر كريكو في وزارة التضامن، والتي عيّنت سابقًا في السلطة العليا المستقلّة للانتخابات، وهي إحدى الشخصيات البارزة خلال الحراك الشعبي.

وغلب على الحكومة الجديدة، الأكاديميون وأصحاب الشهادات العليا، إذ عُيّن المهندس كمال ناصري وزيرًا للسكن والعمران، والأستاذ بالمدرسة الوطنية المتعدّدة التقنيات بالعاصمة، شمس الدين شيتور وزيرًا للتعليم العالي والبحث العلمي، وأستاذ الرياضيات محمد أوجاوت وزيرًا للتربية، وأستاذ الطبّ عبد الرحمن بن بوزيد وزيرًا للصحّة والسكّان وإصلاح المستشفيات، والوزير السابق والمهندس المعماري فاروق شيالي وزيرًا للأشغال العمومية والنقل، والمهندس برقي رزقي الذي كان يشغل منصب مديرًا للوكالة الحكومية للسدود، وزيرا للموارد المائية.

من جهتها، حصلت أستاذة الفلسفة مليكة بن دودة، بن على حقيبة الثقافة وإبراهيم أونزار على وزارة البريد وتكنولوجيات الاتصال، وسيد علي خالدي على حقيبة الشباب والرياضة، وحصلت نصيرة بن حراث على وزارة البيئة، والنائبة في البرلمان عن "جبهة المستقبل" بسمة أزوار على حقيبة العلاقات مع البرلمان.

استحداث وزارات

كما عرفت الحكومة الجديدة، استحداث مناصب حكومية كوزارات منتدبة، إذ كُلّف ياسين جريدان، المستشار السابق في وزارة التكنولوجيات، بوزارة المؤسّسات الصغيرة والمؤسسات الناشئة واقتصاد المعرفة، وعيسى بكاي بالتجارة الخارجية، ورشيد بلادهان كاتبًا للدولة مكلفًا بالجالية في الخارج، وحمزة سيدي الشيخ مكلفًا بالبيئة الصحراوية، وعبد الرحمن لطفي مكلفًا بالصناعة الصيدلانية، وفؤاد شحات مكلفًا بالفلاحة الصحراوية، ونسيم ضياف مكلفًا بالحاضنات، والفنان يوسف سحيري كاتبًا للدولة مكلفًا بالصناعة السينماتوغرافية، علاوة على تكليف الدكتور سليم دادة بكتابة الدولة، مكلفًا بالإنتاج الثقافي، والبطل العالمي نور الدين مرسلي بكتابة الدولة، المكلف برياضة النخبة، كما عين وليد ياسين (26) وزيرًا منتدبًا مكلفًا بالمؤسّسات الناشئة، إذ يُعتبر الأخير أصغر وزير في الحكومة.

اللافت أن المنصب الذي غاب عن الحكومة المعلنة يوم الخمس، عدم تعيين نائبٍ لوزير الدفاع، وهو المنصب الذي استحدثه الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة سنة 2013، وشغله قائد أركان الجيش الراحل قايد صالح، وهو مؤشّر على أن تبون يريد استبعاد الجيش من الحكومة.

 حكومة انتقالية؟

ظاهريًا، يتضّح من الحكومة الجديدة والوِزارات المستحدثة، أنها حكومة اقتصادية بامتياز، بالنظر إلى تحدّيات الأزمة الاقتصادية والمالية التي ستواجهها الجزائر، بسبب تآكل احتياطي الصرف، وضرورة إعطاء أولوية للإنتاج والتنمية، كما قال أستاذ العلوم السياسية عبد الله مقراني من جامعة الشلف في تصريح لـ"الترا جزائر"، موضّحًا أنّ القائمة الإسمية للطاقم الوزاري الجديد، طغت عليها الكفاءات، مع حضور ضعيف للمنتمين للأحزاب السياسية، موضحًا أن الرئيس تبّون تعمّد هذه التوليفة الوزارية، بالتركيز فيها على المناصب الاقتصادية، كما قال، وأبعد في المقابل الحكومة عن التجاذبات السياسية والحزبية.

يظهر جليًا أيضًا، أنّ الرئيس تبون أعفى الحكومة الجديدة، من القضايا السياسية التي كانت الشغل الشاغل في الإطار العام للجزائريين، إذ يتّضح أنه احتفظ بالتعاطي مع الجوانب السياسية ومتعلقاتها، نحو مسألة الحوار مع مكوّنات الحراك الشعبي ومراجعة الدستور، ضمن صلاحياته رئيسًا للجمهورية، في المقابل فإن تعيين وجوه من المعارضة في الفريق الحكومي هو معطىً جديدًا، يحسبه متتبّعون أنه امتحان للمعارضين في الحكم، ولو بأقلّ الصلاحيات مقارنة مع صلاحيات القاضي الأوّل في البلاد.

من خلال هذه المعطيات الأولية، يبدو أن حكومة تبون الجديدة، هي الأقرب إلى حكومة "تصريف الأعمال"، بحسب النّاشط الحقوقي المحامي بدر الدين زياني، موضحًا أنها "حملت طابع التّسوية في هذا الظّرف الصعب الذي تمرّ به الجزائر"، إلى غاية مباشرة تفكيك التحدّيات السياسية الكبرى في الثلاثي الأوّل من السنة، كتعديل الدستور والانتخابات التشريعية المسبقة، على حدّ قوله.

ميدانيًا، من المنتظر أن تعقد الحكومة أوّل اجتماع لها برئاسة رئيس الجمهورية، باعتباره رئيسًا للجهاز التنفيذي الأحد المقبل، بهدف بدء صياغة مخطط الحكومة، الذي سيتمّ عرضه لاحقًا على البرلمان بغرفتيه (المجلس الوطني الشعبي ومجلس الأمة)، للبدء في العمل الفعلي الميداني للطاقم الوزاري.

اقرأ/ي أيضًا: 

حكومة تكنوقراط.. أبطال في الرياضة والسينما ووزراء من عهد بوتفليقة؟

الحكومة الجزائرية تحت رحمة الـ VAR