23-أكتوبر-2020

غالبًا ما تلجأ السلطة إلى التخويف من المؤامرات في المواعيد الانتخابية (تصوير: بشير رمزي/الأناضول)

يشهد الخطاب السياسي في الحملة الانتخابية للاستفتاء الشعبي للدستور المقرّر في الأول تشرين الثاني/نوفمبر المقبل نزوعًا كبيرًا نحو "خطاب المؤامرة"، حيث تزدحِم فيه مفردات تُحيل إلى وجود أطراف وقِوى تتربّص بالبلاد وتسعى لنشر الفوضى، إذ يجمع كلّ قادة الأحزاب السياسية والمتدخِّلين في الحملة الانتخابية، بما فيهم قادة الجيش والوزراء على استخدام هذا الخطاب الذي يستند إلى مفردات التدخّل الأجنبي وضرب الاستقرار.

يعتقد محلّلون أن لجوء السياسيين إلى هذا الخطاب هو تعبير عن إفلاس وعجز واضح عن تقديم أفكار مقنِعة

أحزاب النظام السابق

يبدو أن حملة الاستفتاء الدستوري لم تشذ عن القاعدة السياسية لكل الأحزاب والوجوه السياسية البارزة في كل منافسة انتخابية، إذ تتمسّك هذه الوجوه بالخطاب نفسه الذي استعملته المنظومة القديمة، لتمرير مشاريعها السياسية على مدار عقدين من الزمن وأكثر،  حيث قال الأمين العام لحزب التجمع الوطني الديمقراطي الطيب زيتوني في تجمع انتخابي بمنطقة قالمة شرقي البلاد، إن الاستفتاء على الدستور سيمكّن الجزائريين للرد على من وصفها بـ"الأطراف التي تريد زرع الشكوك والدخول عبر النوافذ عن طريق الدين تارة، وعن طريق اللغة أو الوحدة الوطنية تارة أخرى".

اقرأ/ي أيضًا: 4 جهاتٍ فقط لتنشيط الحملة الانتخابية لاستفتاء الدستور

وفي هذا المنحى، لم يبتعد الحزب العتيد "الأفلان" عن زميله في قبة البرلمان، إذ باتت عودتهما للواجهة بعد الزوبعة السياسية المرتبطة بالحراك الشعبي وبقضايا الفساد حتمية لـ "ركوب موجة السياسة من جديد" وعبر المشروع الدستوري، إذ كان الأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني، أبو الفضل بعجي، يتنهز الفرصة في أي تجمع انتخابي للحديث عن مخاطر متأتية من الداخل والخارج تتهدّد الجزائر، حيث قال بعجي في أحد التجمعات بمدينة ميلة شرقي الجزائر، إن نجاح وثيقة تعديل الدستور المطروح للاستفتاء الشعبي يعني نجاحًا للجبهة الداخلية والرد على الجبهات الخارجية تعزيز للجبهة الداخلية في ظل ما وصفه بـ "المساعي الخارجية التي تحاول زعزعة استقرار البلاد"، وذلك بالنظر إلى الأوضاع الأمنية الخطيرة السائدة ببعض دول الجوار".

بدوره قال رئيس حزب جبهة النضال الوطني عبد الله حداد في لقاء سياسي مع كوادر حزبه، أن المشاركة في الاستفتاء على التعديل الدستوري في بداية الشهر القادم "تعد وقفة في وجه كل من يسعى لكسر الشعب الجزائري وهويته ومبادئه، وسدًا منيعا أمام كل هذه المحاولات الرامية للمس بالوطن".

من جهته، حرص قائد أركان الجيش الجزائري السعيد شنقريحة، على حثّ قادة وضباط الجيش للسهر على تأمين الموعد الانتخابي، وودعا الشباب "لأن يكونوا إلى جانب إخوانهم في الجيش، متحدين ومتآزرين، يقفون سدًا منيعًا في وجه المتآمرين الذين لن يفلحوا أبدا في تدنيس هذه الأرض المسقية بدماء الشهداء الأمجاد".

الملفت للنظر أن اعتماد خطاب المؤامرة لم يقتصر على قادة الأحزاب السياسية، بل حتى كوادر القوى المدنية اكتفت بالخطاب نفسه وبدت مفلسة من خطابات إقناعية أخرى، إذ دعا رئيس منتدى الجزائر محمد عيادي في تجمع انتخابي الشباب إلى التصويت "بنعم" على مشروع تعديل الدستور، وقال إن "تفويت الفرصة عن الذين أعطوا صورة سيئة عن المشروع وأغمضوا أعينهم عن إيجابيات والذهاب إلى صناديق الاقتراع يوم أول نوفمبر، والتصويت على مشروع تعديل الدستور".

سياق تاريخي

لخطاب المؤامرة سوابق طويلة في التاريخ السياسي في الجزائر، في الغالب كانت تعتمده السلطة في عقود ما قبل التعددية السياسية لتبرير أيّ أحداث أو حركات احتجاجية، سواءً كانت اجتماعية أو سياسية، على غرار الربيع الأمازيغي في سنة 1980، أو مظاهرات الخامس تشرين الأوّل/أكتوبر 1988، حيث اتهمت المشاركين في الحركات الاحتجاجية بالتآمر والتواطؤ مع أطراف خارجية، واستمر خطاب المؤامرة في السياق السياسي الجزائري في العقود التي تلت دخول البلاد عهد التعددية السياسية.

اللافت أيضًا أن خطاب المؤامرة الذي كان يستهدف تشويه قوى المعارضة بكل أطيافها وتوجهاتها السياسية والتشويش عليها لدى الرأي العام، أصيبت هي أيضا بمتلازمة هذا الخطاب، واعتمدته أيضًا في خطابها ضد السلطة إذ غالبًا ما تتهم الحكومات والوزراء والقرارات الحكومية بأنها تخدم قوى أجنبية أو تحت طائلة المطالب القوى الأجنبية، على غرار مشروع تعديل الدستور الحالي، الذي تعتبره بعض قوى المعارضة على غرار حركة مجتمع السلم أنه تحت إملاء أجنبي ويخدم مصالح تيارات مرتبطة بفرنسا.

يجدر في هذا السياق طرح سؤال جوهري عن مبرّرات لجوء القوى السياسية والمدنية في الجزائر وكذا المسؤولين في غمار الحملة الانتخابية للدّستور إلى التحذير من "المؤامرات وطرح محاذير لمخططات أجنبية تستهدف الجزائر"، والحديث عن "قوى أجنبية وأطراف خارجية "، و"أيادي أجنبية" و "أعداء البلاد"، فلماذا يلجأ السياسي الجزائري إلى خطاب المؤامرة؟

أسطوانة غير مقنعة

 يعتقد محللون أن لجوء السياسيين إلى هذا الخطاب هو تعبير عن "إفلاس وعجز واضح عن تقديم أفكار مقنِعة، ما يدفعهم إلى اللّعب على وتر الحسّ الوطني للجزائريين"،  وهذا ما ينسجم مع طرح الأستاذ في العلوم السياسية، عبد الجبار مرواني، حيث قال في حديث لـ "الترا جزائر"، إن هذه التصريحات باتت اليوم "أسطوانة غير مجدية وغير مقنعة للجزائريين"، موضحًا أن هذا " نوع من الخطاب الترهيبي المبني على أننا نواجه خطر غير واضح أمامنا، رغم أن مشروع الدستور هو عبارة عن وثيقة تحمل مواد يمكن أن يشرحها الساسة المعنيون بالحملة الانتخابية بعبارات بسيطة ليفهم المواطن حقوقه وواجباته".

خطاب ضروري؟

على خلاف ذلك يعتبر المحلّل السياسي الأستاذ جمال بنيمين أن هذا الخطاب ضروري، فمن دون "شك أن البعد الخارجي لأيّ دولة مهم، وأننا نعيش في عالم واحد تتضارب فيه المصالح وتكثر فيه الصراعات، نجد هذا التخوف أو لنقول أنه تقدير موقف الرجل قبل أن يخطو خطوات في تقديم تفسيرات سياسية لضرورة الانتخابات المنتظرة، كما قال.

كما يرى الأستاذ بنيمنين، أن الحديث عن المؤامرة الخارجية أرى أنه يجب أن يوضع في إطاره الطبيعي بلا تهوين ولا تهويل والدراسات السياسية المتخصصة هي الطريقة الوحيدة لمعرفة مدى صواب استعمال عوامل التخويف المصطلح، "لكن إذا أستعمل التحذير من المؤامرة يفوق مستواها الذي يحدده الاخصائيون أو أن يستعمل التحذير في أشياء غير موجودة فلا شك أن هذا الأمر هو من أجل توجيه المواطن أو لأجل كسب شرعية لأمر ما، أو حتى جعل المواطن يقبل بالأمر الواقع".

الناخب الجزائري تجاوز بشكلٍ بعيد هذا الخطاب ولم يعد يستسيغه في الاستحقاقات الانتخابية

فيمقابل ذلك، هناك نقاشات تدور بين النّخب حول مدى تفاعل المتلقي الناخب الجزائري مع خطاب المؤامرة، ومدى اقتناعه بوجود فعلي لأطراف متآمرة في الداخل والخارج، فخلال الحراك الشعبي ظهرت لافتات تصِف قادة أحزاب ومسؤولين حكوميين كانوا يعتمِدون خِطاب المؤامرة، بأنهم هم في حدّ ذاتهم المؤامرة الحقيقية على البلاد، كما أنّ محاكمات الفساد التي كشفت حجمَا من نهب المال العام تورّط فيها قادة أحزاب سياسية، ورؤساء تنظيمات ووزراء ومسؤولين، ممن حاولوا لعقدين من الزمن إقناع الجزائريين بوجود مؤامرة، أظهر أنّ هذا الخطاب لم  يكن سوى غطاء لتخدير الرأي العام، وإلهائه عن النكبة السياسية والمالية التي كانت تعيشها البلاد، ما يعني أن الناخب الجزائري تجاوز بشكلٍ بعيد هذا الخطاب ولم يعد يستسيغه في الاستحقاقات الانتخابية.

 

اقرأ/ي أيضًا:

رسميًا: انطلاق الحملة الانتخابية لاستفتاء تعديل الدستور في الـ 7 أكتوبر

مقري: مشروع الدستور يتضمن مواد خطيرة