23-فبراير-2024
(الصورة: فيسبوك) آمال حواس

(الصورة: فيسبوك) آمال حواس

قبل أن تكون آمال حواس مرشدة سياحية، تنامى شغفها بحب الاطلاع والاكتشاف والبحث وزيارة المتاحف ومشاهدة الوثائقيات حول الحضارات القديمة، سيقودها هذه الفضول لاحقًا لاكتشاف أجمل الأماكن في العاصمة، متدللة بتفاصيل تركها الرسام الشهير محمد راسم على لوحاته الفنية، وقد أثار فيها هذا رغبة لاكتشاف أسرار قصبة الجزائر وفكّ شفراتها.

خُصّص يوم الـ 23 من شهر شبّاط/فيفري من كل سنة، للاحتفال باليوم الوطني للقصبة الجزائرية، المدينة العتيقة التي تزخر بكنوز أثرية ومعالم وشواهد حضارية تصارع من أجل البقاء، رغم مخطط السلطات لإعادة البريق لـ"جوهرة المحروسة".. وتزامنًا مع هذا اليوم، حاورت "الترا جزائر" المرشدة السياحية آمال حواس، وطرحت عليها أسئلة متعلقة بمهنتها وشغفها بالتاريخ والآثار، وكيف بدأت حكايتها في دروب القصبة؟ كيف ترى وضع هذه المدينة التي بنيت منذ أكثر من 2000 سنة على أنقاض مدينة رومانية كانت تسمى إيكوزيوم.

المرشدة السياحية آمال حواس لـ "الترا جزائر": القصبة تسحر الزوار المحليين والسواح الأجانب من كل الجنسيات

  • مرشدة سياحية.. كيف جاءت الفكرة وكيف تعلّقت بها؟

قبل، أن تكون مهنتي مرشدة سياحية، كانت عبارة عن هوية وحب اطّلاع، أو بمعنى آخر، كانت فكرة بحوث واكتشافات، ومن خلالها تحولت إلى مرشدة سياحية، وبالتالي مذ أن كنت صغيرة وخاصّة في سن المراهقة أحببت مشاهدة الأفلام الوثائقية خاصّة برنامج زاهي حواس الباحث في تاريخ الفراعنة وتاريخ مصر، أعجبتني كيفية تناوله واكتشافه لكل اكتشاف جديد من الزمن القديم، وقتها كنت أقول عندما أكبر سأصير مثله، سأصير باحثة، ولكن لم يسعفني الحظ؟

  • ماذا قررت أن تفعلي بعدها؟

مرّت فترة، أصبحت أخرج للسفر والتجوال في الأماكن والمعالم التاريخية مثل قصبة دلس، غرداية، جميلة،.. وغيرها، كما كنت أكتشف الجزائر العاصمة بنظرة أخرى، بمعنى أركز في هندسة المباني، وكنت أتساءل لماذا هذا الفرق بينها وبين مباني أخرى، مثلًا قارنت بين دار عزيزة والمباني المجاورة لها،.. بدأت أتساءل؟، كنت مولعة بالمتاحف، أزورها، مثل متحف الباردو، متحف الفن الإسلامي، متحف العصر القديم، الفنون الجميلة، حيث وجدت لوحات محمد راسم وتعلقت بها، مثل لوحات حي سيدي محمد الشريف، يوم الزفاف، أسطول باب عروج.. إلخ، أدركت وقتها أنّ بالجزائر العاصمة مدينة خارقة (القصبة)، وحتى يصل الأمر بفنان مثل محمد راسم ليوثقها في أعماله أكيد هناك سرّ، ومن هنا بحثت عن هذه الأماكن في الواقع من خلال البحث والسؤال عبر منصات التواصل والوكالات السياحية التي كانت تنظم جولات بالقصبة.

آمال حواس

بعد اكتشافك لقصبة الجزائر، كيف أصبحت مرشدة سياحية مختصة في تاريخها ومعالمها؟

السفريات الكثيرة إلى القصبة، دفعتني إلى البحث، كلّما سمعت معلومة سجّلتها، ولا أكتفي بذلك، بل أبحث عنها في المنصات والإنترنت لأتأكد منها، وأبحث أيضًا في الكتب لأعمّق فهمي أكثر حولها، وأتذكر أنّ أوّل كتاب اشتريته بهذا الخصوص كتاب لصاحبه محمد بن مدور وكتاب ثان ليحيى بوعزيز، فبحثت عن شواهد  ومعالم مختلفة بالقصبة مثل الجب والقصور، وما كنت أكتشفه من خلال البحث والمعاينة في الواقع أحكي عنه في فيديوهات ومنشورات عبر منصات التواصل، ووجدت دعمًا وتفاعلًا مع ما أنشره، حتى أفراد العائلة والأصدقاء، كانوا يجهلون ما قدمته من معلومات حول معالم معينة، وهنا أشير إلى أنّ كثيرين لا يعلمون أنّ ساحة الشهداء بالعاصمة، أطلق عليها هذا الاسم تخليدًا للشهداء الذين ارتقوا سنة 1832 إبّان الاحتلال الفرنسي،.. وقررت أن أحوّل نشاطي إلى الميدان بدعوة المواطنين لزيارة معلم ما، وأقوم بتقديم معلومات لهم عنه، مع الحرص على ارتباطه بتاريخ الجزائر العريق.

آمال حواس

  • ماهي أهم أسئلة الزوار الأجانب والجزائريين وماذا يعجبهم؟ ماذا يريدون أن يكتشفوا من خلال زياراتهم إلى المواقع السياحية في بلادنا؟

الزوار عادة يريدون معرفة تاريخ قصبة الجزائر، عادات وتقاليد المنطقة، تاريخ القصور، تاريخ المعالم والمساجد، عمومًا يسألون عن التاريخ، ما معنى القصبة التي يروّج لها في مواقع التواصل، أو هل هي كما شاهدوها في الأفلام الجزائرية، وما يعجبهم صراحة في جولاتهم معي هو تاريخ المدينة بهندستها وتفاصيلها من كل النواحي.

المرشدة السياحية آمال حواس لـ "الترا جزائر": القصبة تسحر الزوار المحليين والسواح الأجانب من كل الجنسيات.

  • حدثينا عن قصص طريفة حدثت للأجانب وهم يتجولون في شوارع العاصمة والقصبة؟

في شهر أيّار/ماي الفارط، كان لي جولة مع سيدتان من جنسية فرنسية، وزارتا معي حي القصبة، منذ الأول عشقتا قصبة الجزائر، شخصيًا انبهرت بدهشتهما، عندما دخلنا القصور، وشرعت في سرد تاريخ المكان والهندسة الإسلامية وأحكي عن شوارع القصبة والثورة والمجاهدين، وهنا قالت لي إحداهما أنّها غيّرت اسمها لـ"جميلة" نسبة للمجاهدة جميلة بوحيرد، قالتا لي أنّهما يفضلاّن القهوة الجزائرية على القهوة الباريسية، لقد تجولتا في شوارع العاصمة، ميناء الجزائر، حديقة التجارب، وألفت السيدتان كتابًا يروي عشقهما وحبهما للجزائر، وأرسلتاه لي بعد عودتهما إلى فرنسا.

آمال حواس

  • القصبة تعيش يومها الوطني (23 فيفري من كل سنة)، كيف ترين كمرشدة وضع القصبة المدينة العتيقة حاليًا؟

حقيقة، القصبة معلم تاريخي أثري بامتياز ومتحف مفتوح رغم أنه وجود نقائص عديدة، لكن لا يوجد مانع من أمل إعادة ترميمها وتوفير المرافق الضرورية بها، وبحكم تجربتي في هذه المدينة القديمة، القصبة تسحر الزوار المحليين والسواح الأجانب من كل الجنسيات.

  • ما الذي يجب أن يتميز به المرشد السياحي؟

يجب أن يتمتع بثقافة عامة، يجب أن تكون معلوماته صحيحة ودقيقة، إضافة إلى الثقة بالنفس، الصبر والابتسامة، والصوت يجب أن يكون مسموعًا، يقظ وصارم وحازم، والشرح يجب أن يكون مفهومًا، والمرشد يراعي خاصة أنه يتعامل مع  كل الناس مهما كانت مراتبهم الاجتماعية، وبالتالي المرشد هو مرآة المجتمع، لذلك إذا كان متوترًا ويقوم بسلوكيات غير لائقة، سيلاحظ السواح ذلك ويأخذون عنه نظرة سلبية، وفي علم النفس يسمى بالصورة الترابطية، وبالتالي المرشد السياحي يجب أن يكون كقائد المعركة يستعمل كل جسمه، يتحرك ولا يبقى ثابتًا، حتى لا يبدو أنّه قلق أو خجول، أو غير واثق في نفسه.

آمال حواس

  • هل تعتقدين أنّ منصات التواصل ساهمت في الترويج لجولاتك، وما النتيجة المحققة؟

منصات التواصل لديها دور كبير في الترويج والتعريف بمهنتي كمرشدة سياحية، حيث في الوقت الراهن، أغلبية الناس تتواصل افتراضيًا، لهذا تلمس ذلك التفاعل ومشاركة المنشورات خاصة ما يتعلق بالبحوث التي تخص تاريخ القصبة بالخصوص وتاريخ الجزائر بصورة عامة، وهو دافع يدفعهم لاكتشاف ذلك على أرض الواقع.

المرشدة السياحية آمال حواس لـ "الترا جزائر": وجب على السلطات المعنية الاهتمام بالمعالم الأثرية قبل أن تدفن وتزول

  • انطلاقًا من عملك الميداني بالقصبة، هل هناك قصور ومعالم "مجهولة" تستحق أن ينفض عنها الغبار؟

يوجد العديد منها طي النسيان، وباعتبار أنّ هذه المعالم الأثرية التاريخية هي منبع ومصدر لمعرفة التاريخ وجب على السلطات المعنية الاهتمام بها قبل أن تدفن وتزول.