24-مارس-2024
 البروفيسور الحاج أوحمنة دواق

البروفيسور الحاج أوحمنة دواق (الترا جزائر)

في هذا الحوار يرحل بنا البروفيسور الحاج أوحمنة دواق، الأستاذ المحاضر في الفلسفة بجامعة باتنة، في المعاني الروحية العميقة لفريضة الصيام، ويطوف بنا في الغائية الحقيقية لشهر رمضان، الذي يراه مختبرًا سنويًا لإثبات وحدة الشعور بالإيمان، ليتم صبه في سلوكيات اجتماعية تحقق الأخوة عبر موائد الأفطار، وعشاء الأخوة التقليدي الذي ينظم ببعض قرى الأوراس.

الحاج أوحمنة دواق لـ "الترا جزائر": ماذا يفعل بالدقيق من حصل على كثير منه وعياله بحاجة إلى كسوة أو لثياب ستر الحال

ويرى الأستاذ الذي يعد واحدًا من أبرز المفكرين المجددين، على صعيد دول العالم الإسلامي، بفضل مقالاته الغزيرة ومؤلفاته وآخرها كتاب"متتالية الفكر الحضارية في المشروع النهضوي عند مالك بن نبي"، بضرورة التقيد بالمرجعية الدينية الوطنية في القضايا المطروحة،ومنها زكاة الفطر، تحقيقًا للمصلحة الغالبة وعدم الانجرار وراء الفتاوى الوافدة حرصًا على النسيج الديني الاجتماعي وترسيخا لفكرة الأمة الواحدة.

  • بداية لماذا فرض على المسلمين صيام هذا الشهر العظيم؟ وهل هناك أبعاد روحية ومادية؟

الصيام والصوم من الأركان التي لازمت الأديان منذ ظهورها، ومرد ذلك إلى الحكمة الإلهية التي أرادت أن تؤطّر الفعالية البشرية وترتقي بها إلى مستويات وجودية أعلى. إن الدين في وجهه التشريعي جزء من منظومة الوجود وإن كان دالا عليها باعتبار الوحي والنصوص التي جاء بها الأنبياء.

 البروفيسور الحاج أوحمنة دواق

لذا توزّعت فيه، أعني الدين الحكمة من الخلق برمته، وتضمّن الحق في مسارب ومسالك التشريعات والأحكام العبادية التي تتولى صناعة البشر تحت عين الله سبحانه، والمضي به إلى أوفق ممكن وجودي، حيث نتذكر سوية ما جاء في قصة الاصطفاء للخلافة حيث الله سبحانه، مجيبًا المعارضين في شكل تساؤل (إني أعلم ما لا تعلمون) فكل مسارنا الوجودي والتاريخي يقع ضمن إني أعلم.

والعبادات كالصوم باعتباره كفًا عن التواصل الخطابي وامتناعًا عن الكلام (إني نذرت للرحمن صومًا فلن أكلم إنسيًا) وصياما (كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم) بحسبانهما مكمّلات لوسائل أخرى لتحقق الغرض منها إن روحيا وهو المقصد الجوهري، أو ماديا باعتبارها مقصدًا عرضيًا ثانويًا.

والسبب أن العبادات والمقصود منها النفس حيث يجب أن ترقى للتوازن مع قواها الأخرى. وبخلاصة نقول إن حققت النفس توازنها في جمالية مع الحياة، يكون الدين والصيام منه قد بلغ مدى تأثيره، أما إن اختل التوازن فمعناه أن الحكمة لم تثمر بداعي الاختلال الذي أدخله الإنسان. وهنا أريد أن أشير (قد أفلح من زكاها...وقد خاب من دساها) مردها إلى الإنسان، لماذا؟ لأن الله سبحانه وقد كلّفه طاعات إن أداها على وجهها وأعطاها حقها الذي يجب، معناه أن الغاية تم بلوغها.

ومقصدي مما سبق أن الغاية الجوهرية للصيام هو التحوّل الذهني والوجداني وتطوير المهارات النفسية والسلوكية التي تحصّل للفرد ترقيًا روحيًا ومعنويًا وأخلاقيًا يجعله مؤمنًا حقًا، نفّاعًا نافعًا، مشعًا بقيم إيمانه على الجميع. أما إن توجّهت ممارساته إلى عكس (لعلكم تتقون) معناه أن العبادة انسدت مساربها وتغلّقت ولم تيسّر سريان طاقة الروح على النفس وتاليا تدير هي البدن، فتخضع النفس للبدن وتضمر طاقة الروح أو تنصرف، لذا ندخل رمضان كمختبر روحي ونخرج منه، وكأنه لم يأت سوى انه شغل زمننا وليس زماننا، ناهيك عن وقتنا وأحوالنا.

  • من المعروف أن الصيام وارد في الديانات الشرقية، والديانات الكتابية على غرار اليهودية، ماهي خاصية الصوم في الإسلام؟ وما الذي يميزه عن البقية؟

غالبًا أن الدين مسلك وجودي بدأ من فجر البشرية، وهو مستمر إلى نهاية الأمر؛ بمعنى أن العلاقة مع الله سبحانه اقتضت مجموعة من الترتيبات المختصة بالرؤية والتصور أعني الإيمان ومضامينه، أو انعقاد القلب وتمحور الأحوال المعنوية حول تلك التصورات، وأعني الطاعة والانجذاب نحو إنفاذ تلك الرؤى في واقع الحياة، ثم مجمل التصرفات والسلوكيات والعلاقات والمواقف والأحكام التي هي تخارج الطاعة في الصلات الحضارية والتاريخية الكبرى والعامة.

 البروفيسور الحاج أوحمنة دواق

لذا قلب جميع الأديان وجوهرها واحد وإن تعددت التشريعات (لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا) بيد انها تشريعات تقف على قلب قيمي واحد. فالله سبحانه طلب وحدة التصور في توحيده، ووحدة الشعور في الإيمان به، ووحدة السلوك في عبادته الشعائرية، وفي كل المجتمعات صلوات، وزكوات، وصيام. ميزته في الإسلام أنه شامل للأحوال المعنوية أولا ثم يتجلى في الكف الشامل عن كل المفكرات/الحلال. فليس صيامًا عن بعض الأطعمة دونًا عن أخرى كما في التشريع اليهودي أو المسيحي أو البوذي، إنه امتناع كامل وانتقال بالإرادة إلى مجاوزة الطبيعة والعمل على السيطرة عليها. ومدارها الكف الذي هو الامتناع الإرادي القائم على السر؛ أي في الباطن والعلن، في مواجهة الناس والعزلة عنهم، لذا ينخرط الصائم في تجربة الإسلام المحمدي في مقارعة نفسه، ومنعها مستحقاتها من لدن الظلام إلى ظلام، وهنا حكمة عميقة جدًا، فحيث تنطلق الطاقات الحيوية للنفس في النهار وتثور رغباتها يمنعها صاحبها اختيارًا وليس عرفًا وتقليدًا.

ما يقود في الأخير إلى الدخول في اختبار وإلى مختبر سنوي، تتبدل أزمنته مرة في الصيف الطويل الحار، وأخرى في الشتاء البارد القصير اليوم، وهكذا دواليك ما يجعل الإنسان يختبر نفسه في الظروف جميعها، لا على حد ما ظنه البعض أن يجب أن يكون في فترة الأيام القصيرة الباردة، ويتناسى أن الإسلام دين عالمي لكل الأرض ولكل الظروف ولكل الناس، وإذن يجب ان يشمل جميع الأوضاع وهذه سمته في التجربة المحمدية.

  • رغم ذلك تقترن بهذا شهر رمضان مظاهر سلبية التبذير والشجار و النرفزة، و الخمول و هجر العمل، فماهي أسباب ذلك؟ وهل من علاج للخلل بين البعد المفروض والسلوك المرفوض؟

هو شهر مبارك كله؛ وهنا يكمن فضله، امتحان كبير للإرادة لكي تتوافق مع مبادئ الحياة السويّة، فيكون الإنسان بشرًا سويًا متّقدًا حيويًا منطلقًا بجمالية وأخلاقية إلى دروب الحياة ومسالكها. نزل فيه القرآن فزاد البركة غلى البركة، واجتمعت فيه عبادات من ألوان شتى، خاصة تلك المعنوية وعبادات القلوب والعقول، اي الاشفاق على الخلق، ومحبتهم، والإحسان إليهم، وبذل المال في سبيل الغير، ومقارعة الذات، والتأمل وقراءة القرآن وتدبره، والترقي بمعانيه إلى آفاق المعنى الثري لآيات القرآن، أي الجامع لكل الدلالات التي تتيح عمليتي (يزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة) فتتبدل أوضاع المسلم العميقة، وتتراءى في صورة سلوكيات وأعمال راقية، تنم عن هدوء عميق، وتعلّق راسخ بمبدأ الوجود.

لكن...  النفس إذا لم تحملها على قيم الإيمان حملتك هي على قيم الطبيعة والفتك والقوة والعنف. وهذا أكبر دليل على أن الصيام يجب غالبًا أن يقترن بالصوم كعمليات كفّ مركبة تدخل صاحبها في مضمار السعي والتنافس للخيرات، أما السلوكيات الحيوانية من استهلاك مفرط، وعدم إحساس بالغير، والتكبر، والعنف...كلها مظاهر للنفس الغريزية التي جاء الروح بطاقة النور الإيمانية إلى تغذيتها، والصيام واحد من قوالبه لذلك، فإذا انفتحت النفس على خط الروح فإنها لا محالة ترتقي وتجنح للتأمل والصمت والتعلق بالجمال والمعنى، في قراءة القرآن أو مشاركة الفن الجميل في بعض دوراته، وما إلى ذلك مما يشي بان الروح تسلط ٌعلى النفس وشكمٌ اندفاعها. ففي الصيام نتذكر أننا بشر نعيش في جماعات روحية هي الأمة، والعائلة، والمسجد، ولسنا كائنات بهيمية غريزية تتنازع فيما بينها لقمة يمكن تقاسمها، وخاصة أن الخيرات العميمة متوافرة، فلو وازنّا استهلاكيتنا فإننا سنكتفي، بل ونفيض برحمة الله سبحانه على الجميع.

 البروفيسور الحاج أوحمنة دواق

  • ماهي الواجبات التي يجب أن يغتنمها المؤمن في هذا الشهر الفضيل كي يتحقق البعد الحقيقي لفريضة الصيام؟

إن الطاعات المتنوعة تمثل قالبًا إلاهيًا واحدًا متوزع الغرف والمضامير والطرق، وكل منها يؤدي عمله الخاص، ويتكامل مع غيره لينتهي إلى مراد الحكمة الإلهية. فعمل الصلاة غير عمل الصيام، وهذا غير الزكاة، وتلك غير الحج، وهذا غير التفكر، والتدبر غير الخشوع، والخوف دون المحبة، والتعاون ليس التراحم، وهكذا.. الدين مشروع حياة توزّعت تفاصيل أحكامه على مجالات الوجود بيد أن الحكمة الممسكة به واحدة، لتتحقق الخلافة من الله سبحانه للبشر، فيحقق بالعبادة والعمارة، فالريادة والتفوّق المتوازن والأحقية على الشهادة على الأمم جميعها.

طبعًا هنا أوصّف المبادئ الكلية لغايات الدين من حيث هي، أمّا ما يمارسه المسلمون، فدونه وما يؤدّيه المسلمون الالتزاميون، وليس الشكلانيين الشريعانيين. أعني أن مقاصد الدين قد يحققها من نظنه ليس مؤمنا ابتداء، ويعاديه ويقضي عليها من نحسبه مؤمنًا حقًا، لذا العبرة بتحقيق الحريات والعدالة والصلاح والتوزان، التي هي بلحاظ عميق التقوى، وقد تفرعت في مجالات العيش.

لذا الصيام هو تقليل للاستهلاك إلى الحد الأدنى، ونحن نزيده إلى المدى الأقصى.. الصيام تعميق للطاقات المعنوية والروحية، ونحن برانيون شكلانيون نهرع للمساجد لتعب الوقوف، ولا نخرج بثمرة التحولات السلوكية، بالعكس نشعر بإرهاق وإكراه وتبعة نريد التخفف منها.. نقرأ القرآن ونسرّع في ختماته ونحول نتيجتها لأرقام حسنات، لكننا نغفل عن الحكمة القرآنية، ولا نستمد جديد المعنى والفهم، فنكرر الألفاظ ونفقد الارتباط مع العمق الدلالي والجمالي لمعاني القرآن التي تجلعنا نولد من جديد ولادات روحية تجعلنا بشرًا آخر، تقيًا يذكّر بتصرفاته أخلاق الله سبحانه.

لذا فالصيام غالبًا ما ينعكس على الصوم والصمت والدخول في دورات حفر في أغوار الذات لإصلاحها وإعادة تأثيث بيتها المعنوي للإنقذاف إلى الحياة بجمالية ومعنوية وروحية تترجم أننا خلفاء من الله/عنه. وظني أننا نرهق أنفسنا بالالتزامات الشكلانية أكثر بكثير من الالتفات إلى القلب باعتباره النافورة العميقة التي تنضح بمعاني الخير والأخلاق والحب والجمال.

  • كيف يمكن اغتنام هذه السانحة الربانية في إشاعة الأخوة ونبذ الفرقة بين الناس وما أهمية ذلك داخل المجتمعات؟ هل موائد الإفطار المفتوحة للمسلمين أو غيرهم مطلوبة، وهل هي استمرار لتقليد "أمنسي نتاومات" مثلًا؟

الآباء والأجداد على بساطة معيشتهم إلاّ أنهم عمقوا الالتزام بالدين إلى أغور نقطة ممكنة، فلا يطعمها لوحده، ويتقاسم مع الجيران الذواقة، ويدعو الأهل لمشاركة الطعام، والتويزة قبل كل مناسبة لمساعدة الفقراء، من غير محبة للظهور، فهم يعرفون أن حب الظهور يقصم الظهور، لذا يتخفّون من صدقاتهم مثلما نتخفى من معاصينا، أما بلوى أن "أوسلفي" مع الفقير إذن أنا أفعل الخير التي طغت الآن، وغلب مزاج الظهور وازع التقوى العميقة، لذا نغلب التصرفات الطارئة بالرجوع إلى هذه الالتزامات الأولية، ونعمد إلى تكريس حضورها، بالنفقة، أو ثمشرط، أو النفاقث، وهو ذبح الثيران والأغنام وتوزيعها على الفقراء، أو تعميم قفة رمضان المفيدة، ووضع ما يحتاج إليه الصائم في يومياته، وليس أن تحسب عددها لكن فحواها لا صلة له باحتياجاته، فنحن بحاجة لانتفاضة أخلاقية تجعلنا نقصد الفقير كغاية معنوية وليس كوسيلة لحساب فعل الخيرات، كما تفعله بعض المجتمعات الباذخة.

 البروفيسور الحاج أوحمنة دواق

في الإسلام الجاهل يحسب الفقير غنيًا من التعفف، فليستعفف الغني ولا يحرج الفقير بصدقته وبذله، أي نعم إظهار الصدقات محمود، لكن في زمن الصورة إحراجه أكثر من فضيلته، اللهم إن كان ذلك سبيلًا لتقوية التضامنات وإشاعة مزاج التعاون والتكاتف، لأن هناك يدفع في سبيل عدم إظهار الطاعات كسلوك عام، ليقرأ منها أن الأوضاع سلبية فقط، وأن المجتمع تفكك وتحطّم، ففي تقديري المجتمع بحاجة لقيادات روحية ورمزية تتحسّس المدى المعنوي لكل ممارسة وانعكاسها على المردود الأخلاقي والجمالي العام. لذا أعراشنا في منطقة الأوراس، وفي الجزائر عموما، لا تزال فيها مطاعم الرحمة، ومطاعم السبيل، وأيضًا الإفطارات الجماعية التي نعدّها كل عام كما نفعل نحن في عرش آيث منعة تحت شعار أمنسي نتاومات، أي "إفطار الأخوة " أو " عشاء الأخوة"، حيث يشترك الجميع من أصغر طفل يحضر كسرة خبز تعدّها أمه، إلى الشيخ الكبير الذي نجلسه إلى طاولة ببركته كعلامة على اللمة وجمع الشمل ووحدة الصف المترجمة لوحدة الروح.
ونجعله في العشر الأواخر وغالبا في ليالي القدر، لنصيب الرحمة المتنزّلة إلهيا بسرها القدري في إحداث التحوّلات وتعميق الترابطات والتضامنات، وإشاعة المحبة، وظاهريا بتقوية لحمة الجماعة المنافحة عن حضورها الفعّال والإيجابي في الحياة، لنرسل رسائل أخلاقية ومعنوية وجمالية، أننا لسنا لأنفسنا الفردية فقط، بل نحن من الجميع وللجميع.

تثار كل عام مسألة جدلية حول زكاة الفطر ما بين تقديمها نقدا أو طعامًا ما موقع المرجعية الدينية الوطنية التي باتت متهددة من قبل مرجعيات وافدة وما المطلوب لتعزيز الجبهة الدينية في كافة المسائل؟

جعلت الزكاة لسد خلل الصيام، وهي عن الأبدان خاصة، لذا رمزيتها في سرّها، أعني في ترقيع الفراغات التي خلّفتها ممارساتنا وتعطيلنا لقيم الصيام والصوم عن بلوغ غايتها، فتأتي هذه الزكاة لتعويض الخسارة المعنوية طيلة شهر ليُستدرك بها ما فات. زيادة إلى أنها تتخذ كوسيلة ظاهرية لتحقيق التضامن عشية العيد لإدخال الفرحة وتقاسمها بين الجميع. وقد شرعت من غالب قوت أهل البلد، سوى أن الفقهاء رأوا أنها لو تعوض بنقد يكون غرضها أبلغ، خاصّة وأن الحاجة تتنوع وتتوزّع، ولكن للأسف التعنت الظاهري للبعض وحسبان الدين أحكام شكلية وليس حكمًا وغايات عميقة، أزّموها وحوّلوها إلى غير هدفها، فيتراكم القوت الغالب لأهل البلد عند فقير فيحتار ما يفعل به، وربما انعكس الغرض وانتقض.

فما فعل بالدقيق والسميد من حصّل كثيره، وعياله بحاجة لكسوة، أو لثياب ستر الحال، والخروج أمام الناس في مظاهر لائقة، لذا بيع ما أعطي سيورث عنده ذلا آخر، حيث يبيع ما تصدّق عليه، وما لذلك من أثر على نفسيته أمام الآخرين، لذا التزام مرجعيات أخرى تفتي بحرج وتسبب ضيقًا للناس، سوى أنها من بيئة أخرى، وللأسف عدم مراعاتها لأحوال الناس جعلهم ينتفضون ضدها في بيئاتها، وينقلبون عليها، نظرًا لمّا سببته من حرج وإغلاق وعنت على الناس.

الحاج أوحمنة دواق لـ "الترا جزائر": الصيام تعميق للطاقات المعنوية والروحية، ونحن برانيون شكلانيون نهرع للمساجد لتعب الوقوف، ولا نخرج بثمرة التحولات السلوكية، بالعكس نشعر بإرهاق وإكراه وتبعة نريد التخفف منها

وظني أن بلادنا تحوز الجم المحترم من الفقهاء الذين نصغي إليهم في هذه الجزئية، لنتجنب الحرج، ونضع الصدقات في مساربها المعقولة، ونتجنب الفوضى في الفتوى، خاصّة وأننا في زمن مخابر تتولى بالفتوى والدين تمزيق الأواصر وإثارة النعرات، والتضييق على المؤمنين، ويكفي دليلًا عدم مراعاة الحال. لذا الأسلم التزام التوجّهات العامة للبلد، والوقوف عند اختيارات فقهائها، وبالمناسبة فتوى جواز إخراج الزكاة نقدًا عوض القوت، هي للفقهاء الأحناف وليس للمالكية، رغم أن بعض السادة المالكية قد جوّزوا ذلك، ما يدل على مرونة الفتوى، والحاجة إلى عمليةِ الشعائر وتنسابها مع الحياة، فالدين جاء ليخدم الإنسان، وليس أن يخدم الإنسان الدين.