03-يونيو-2021

محمد عبيدو (فيسبوك/الترا جزائر)

شهدت المقاومة الفلسطينية مؤخّرًا منعرجًا تاريخيًا هامًا عاد بها -بعد تغييب- إلى الواجهة الإعلامية العربية والعالمية، وتبدو أساليب الكفاح في الزمن الحالي مختلفة وناجعة -مقارنة بالماضي- في زمن الميديا المفتوحة ومواقع التواصل الاجتماعي من خلال جهات فنية وإعلامية عديدة، إضافة إلى اهتمام القنوات الإعلامية وصنّاع الفن والسينما.

محمد عبيدو:  العالم أصبح يرى أن "الهولوكوست" انتقل إلى فلسطين بأيدي صهيونية

من هنا آثرنا في "الترا جزائر"، تسليط الضوء على تاريخ السينما الفلسطينية والعالمية الملتزمة بهذه القضية، عن أوجاعها ومشاكلها، وأن نطرح أسئلة تغوص بنا في غياهب الصناعة السينمائية الملتزمة من خلال هذا الحوار الذي خصنا به الصحافي والناقد السوري محمد عبيدو.

اقرأ/ي أيضًا:  "تحيا السينما".. أرضية رقمية جزائرية لتسهيل إنتاج وتمويل الأفلام


محمد عبيدو صحافي نشيط وناقد سينمائيا ذو خبرة طويلة، حيث اشتغل في الكتابة الصحافية والنقدية السينمائية بداية من سنة 1983، وهو مقيم حاليًا في الجزائر منذ فترة.

كتب الناقد في عدد من الصحف في بلده سوريا، منها صحيفة "تشرين"، "الأسبوع الأدبي" "المعرفة"، "الحياة السينمائية"، و"ملحق الثورة الثقافي" وغيرها، كما نشر مقالات عدة في جرائد فلسطينية مثل "الحرية" و"إلى الأمام" و"صوت فلسطين"؛ إضافة إلى صحف لبنانية وخليجية أيضا مثل "السفير" و"المستقبل" و"الحياة"، "الفنون" و"الكويت".

 أما في الجزائر ، فيستمر نشاطه حاليا في الكتابة، وقد اشتغل سابقاً في "الجزائر نيوز"، ثم جريدة "الحياة" إضافة إلى مجلات عدة أهمها حاليا "فواصل"، وسابقًا "إنزياحات" ومجلات شهرية أخرى.

شغل محدّثنا عضوية هيئة تحرير مجلة "الحياة السينمائية"  ولجنة مشاهدة واختيار الأفلام لمهرجان دمشق السينمائي، كما كان عضو اللجنة الفنية ومحرّر الموقع الصحافي والكتب المرافقة وعضو لجنة المشاهدة لمهرجان وهران للفيلم العربي في الجزائر، إضافة إلى مشاركته دوريًا في مهرجانات سينمائية منها بيروت ودمشق والإسكندرية، والقاهرة، ووهران، وتاغيت وعنابة، وأبو ظبي، والرباط والإسماعيلية ومهرجان السينما العربية بباريس.

ألف محمد عبيدو كتبًا عديدة في النقد السينمائي منها: "السينما الصهيونية" سنة 2004،  "السينما الإسبانية" 2006 ، "السينما في أمريكا اللاتينية" 2009  إضافة إلى كتاب "الفنان التشكيلي في السينما" سنة 2012.

  • هلّا حدثتنا في نبذة صغيرة عن تاريخ السينما الفلسطينية؟

بداية يمكن العودة لأول تصوير سينمائي بفلسطين مع الأخوين لوميير، وقتها أرسلا  المصور ألكسندر فروميو عام 1896 إلى القدس، لتصوير أول فيلم يعرض لمظاهر الحياة في المدينة المقدسة.

إن استعادة السينما الفلسطينية قديمها وحديثها يحتاج إلى قراءات واسعة، فأوّل فيلم فلسطيني صوره شاب يُدعى إبراهيم حسن سرحان في مدينته يافا عام 1935، وهو وثائقيّ صامت.

 تذكر المصادر الّتي أرّخت لتلك الفترة، عندما بدأ  إبراهيم سرحان إنتاج أفلامه وإخراجها، روّادًا آخرين صنعوا أفلامًا في تلك الفترة، أخرج خميس شبلاق  فيلم "أحلام تحقّقت"، و جمال الأصفر فيلم "في ليلة العيد"، وأيضًا الأخوان إبراهيم وبدر لاما، العائدان من مهجر والديهما الفلسطينيين في تشيلي، حيث صوّرا فيلمهما القصير "الهارب" في مدينتهما بيت لحم عام 1935، والذي تناول موضوع التجنيد الإجباري في الجيش العثماني، إضافة إلى محمد صالح الكيالى الذي درس السينما بإيطاليا ثم عاد لفلسطين ليقوم بإخراج فيلم عن القضية الفلسطينية عام1947، بعنوان أرض السلام، وقد كان من إنتاج جامعة الدول العربية.

  لقد أجهضت النكبة المحاولات التي هدفت إلى إنشاء صناعة سينمائية فلسطينية، ثم عادت السينما الفلسطينية للظهور مرة أخرى مع بدايات الكفاح المسلح عام1967 عبر وحدة أفلام فتح التي أشرف عليها المخرج مصطفى أبوعلي. كما يبرز ضمن الانتاجات الفلسطينية بغض النظر عن جنسياتهم و انتماءاتهم التنظيمية، مخرجون يمتلكون حسًا أصيلًا وعالي المستوى، منهم على سبيل المثال جبريل عوض وقاسم حول ورفيق حجار وقيس الزبيدي، الذين قدموا أفلامًا تستحق الاهتمام والمناقشة.

في الواقع، كان تاريخ السينما الفلسطينية لصيقًا بالقضية، ومتأثّرًا بتطوّر الوعي السياسي الذي يحرّكها، بعدما اتّخذت في بداياتها شكلًا نضاليًا موازيًا للكفاح المسلّح ضد الاحتلال، كما لم تبدأ في الأساس كسينما متخصصة، أي أنها لم تكن تملك مفرداتها ولا لغتها التي تساعدها على التعبير عن نفسها بعد، حيث بدأت بمناضلين رأوا أن الكاميرا يمكن أن تعبر عن شيء وأن تقول شيئًا.

لا شك أنهم كانوا مناضلين وطليعيين شقوا طريقًا صعبة جدا، ولكن لم يكن كل شيء واضحًا أمامهم، كما كانت أدواتهم قاصرة  كان على السينمائيين الفلسطينيين الأوائل ليشنوا نضالًا عنيدًا من أجل أن تأخذ السينما موقعها في استراتيجية المواجهة، وأن تكون سلاحًا فعالًا في الصفوف الأولى، لا ترفًا في مجرد برج إعلامي، توكل إليها مهمة الكشف والتحليل وإعادة التركيب، ومثلما يعاني الإنسان الفلسطيني من الشتات تعاني السينما الفلسطينية من المشكلة نفسها من ناحية وجود قاعدة إنتاجية سينمائية تضمن استمرار الجهود الفردية التي تبذل والتي غالبا ما تتوقف لظرف ما.   

  •  ما الدور الذي تلعبه السينما الفلسطينية محليًا ودوليًا اليوم إسهامًا في دعم المقاومة والترويج للقضية ومنحها بعدًا دوليًا؟

يمكننا أن نقول إن السينما الفلسطينية انتماء نضالي وإنساني أولًا، كما أنها تعبير عن واقع فلسطيني بتحوّلات عميقة وموضوعات تناولت الثورة وتفاصيل الحياة والحب والقهر، عبر مخرجين آمنوا بالصورة السينمائية وتعبيراتها وتأثيراتها.

هنالك ملاحظة في السينما الفلسطينية ضمن الانتاج الوطني، وهي أن وحداته التابعة لمنظمة التحرير ركزت على دعم الوثائقيات التسجيلية والتي كان أغلبها خطابيًا، بحيث جاءت سينما تلك المرحلة أقرب إلى البيان الاستنهاضي المصور الذي جارى الدعوات باتجاه ظاهرة جديدة في المقاومة المسلحة.

أما إن عدنا للداخل الفلسطيني مع عودة المخرج ميشيل خليفي إلى الناصرة، بعد عشر سنوات قضاها في بلجيكا، فقد قام هذا المخرج بتصوير أوّل فيلم وثائقي له بعنوان "الذاكرة الخصبة"، وأتى بعده مخرجون آخرون عرفوا بمخرجي السينما المستقلة، حاملين رؤى مختلفة للواقع منهم إيليا سليمان، وهاني أبو أسعد، ومي مصري، وعلي نصار، ورشيد مشهراوي،ونجوى النجار  وغيرهم، لكنهم وجدوا أنفسهم محاصرين إما بدعم المؤسسات الاسرائيلية المشروط بمضمون الفيلم أو الانتاج المشترك مع الغرب، وهناك من استطاع الخروج من هذه المعضلة عبر الإنتاج المشترك مع أوروبا وبدأت أفلامهم بطرح نفسها بقوّة على الساحة الفنية العالمية، بل إنها باتت تحصد جوائز وترشيحات لا تنتهي في كافة المهرجانات العالمية الكبرى.

لم يكن التميز هنا فقط بالسينما؛ بل بالإبداع الفلسطيني ككل، عبر إنتاج مفردات ولغة تعبير أكثر إنسانية وعمق، ويمكن أن نذكر كمثل شعري محمود درويش وانتقاله ببداياته من اللغة الخطابية إلى الشعرية عالية المستوى وصلت إلى الجمهور العالمي، كما فعلت أفلام فلسطينيي الداخل التي عمل مخرجوها على إنتاج جماليات مختلفة، عبر إبداع يحمل إرادة قوية للأسئلة وصياغة للأفكار والرؤى إبداعيًا وجماليًا، لأن العمل الجيد يفرض نفسه عالميا كيفما قدمت فكرتك.

  • هل تظن أن السينما المستقلة أرحبُ وأكثرُ تسامحًا مع الفيلم الفلسطيني من تلك المدعومة رسميًا ومن طرف مؤسّسات ومنظمات عالمية بعينها؟

السينما المستقلة تتقاطع مع السينما النضالية من ناحية قيمها ومقاييسها الخاصة التي تختلف عن قيم السينما التقليدية، لذلك لا يجوز النظر لهذه المقاييس كتلك، حيث يكون مقاس الفيلم النضالي بمدى انتفاع القضية النضالية المعنية به.

لقد طرحت السينما المستقلة كأداة للتغيير تأتي لطرح أسئلة محرجة وإشكالات ومواضيع عميقة، تعني "الشجاعة في تحطيم التابوهات" ومناقشة "مواضيع حساسة" وصعبة أو محظورة والتنديد بـ "الظلم" وهو المسعى الذي يعتبر وثيق الارتباط بـ "جرأة" و"حرية" السينمائي، والانتفاض على السينما السائدة. 

 يبقى حضور فلسطين ضمن هذه الشجاعة، وعبر الهامش السينمائي النضالي الذي يفرض نفسه بملتقيات سينمائية عالمية، وتأتي السينما الداعمة لفلسطين في العالم عمومًا ضمن الانتاجات المستقلة والهامشية والنضالية.

أذكر أن المخرج لايوش كروديناك كان قد روى أنه أثناء القيام بتصوير فيلمه التسجيلي "الانتفاضة"، خاض مواجهة دائمة مع الجنود الصهاينة الذين أصبحوا يحاربون أصحاب آلات التصوير كما يحاربون أطفال الحجارة. وروى هذا المخرج أنه في إحدى المرّات أراد أحد الضباط منعه من التصوير لكنّه تحت إلحاح المخرج صرخ الضابط بغضب هستيري قائلًا: "إذهب من هنا إنك تزعج حربنا" ، فأجابه كورديناك : "أنتم إذًا في حرب ضدّ العزل وتقتلون أيضًا، هذا أنتم ولكننا لا نقتل فلماذا أنتم خائفون ؟".

 لاحظوا كيف يرتعب من شهادة السينمائي، وكيف يخاف المجرم من تحالف العدالة الفلسطينية مع الرصد المحايد في السينما، بل إنه يخاف من ذلك لأنه يعرف أن الصورة العادلة حتى و لو كان صاحبها محايدًا فإنها تتضامن حتمًا مع العدل.

  • ما الدور الذي لعبته السينما العربية والعالمية لإحياء القضية الفلسطينية، وهل هناك حاليا إنتاج كاف لدعمها والترويج لها مع تغير الزمن؟ 

لم تقتصر السردية السينمائية الفلسطينية على الفلسطينيين، بل أسهم فيها عشرات المخرجين العرب والأجانب، ولا يزال في الذاكرة فيلم "حناك" لكوستا غافراس وجان لوك غودار بفيلمه  "هنا وهناك" عام 1976، وللأمانة كانت القضية الفلسطينية حاضرة في معظم إنتاجات مؤسسة السينما السورية من "المخدوعون" عام 197، للمصري توفيق صالح المقتبس عن رواية "رجال في الشمس" للكاتب الفلسطيني غسان كنفاني، إلى "السكين"، إخراج خالد حمادة، عن رواية "ما تبقى لكم" لغسان كنفاني عام 1972، ومن "مئة وجه ليوم واحد"، للمخرج اللبناني كريستيان غازي سنة 1972، إلى "كفر قاسم"، للمخرج اللبناني برهان علوية سنة 1974، و"الأبطال يولدون مرتين"، إخراج صلاح دهني  (1977) ، و"الليل" للمخرج محمد ملص (1992)، و فيلم ماهر كدو "بوابة الجنة" في العام 2009.

ولا ننسى أيضًا المخرج قاسم حول الذي قام بإخراج فيلم روائي طويل "عائد إلى حيفا" عام 1981، من إنتاج الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين .

  • هل تجد الصورة المغلوطة التي تقدمها السينما الصهيونية عن الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي ذلك الرّواج المرجو والدعم المنشودين عالميًا؟

  في الواقع، سعيت من خلال كتابي "السينما الصهيونية شاشة للتضليل" عبر تحليل 300 فيلم، إلى اكتشاف سينما العدو من منطلق أنه لا نستطيع أن نعرف الآخر دون الاطلاع عليه، من خلال ما يقدمه من أعمال سينمائية. 

 نلاحظ للاسف توغل التأثير الصهيوني في عمق المشهد السينمائي في العالم، والاختراق الكبير للسينما الصهيونية لمهرجانات السينما العالمية، ومحاولات السيطرة المباشرة وغير المباشرة على شركات الإنتاج السينمائي، وبخاصة في هوليوود التي يملكها منذ بدايات القرن الماضي رأسماليون يهود، لتحقيق أفلام لخدمة الأغراض الصهيونية في الدعوة إلى الحق التوراتي على أرض فلسطين، وسدّ الطرق على الحق الفلسطيني المشروع في تحرير أرضه.

للأسف، لقد نالت الرواج الذي ذكرته وقولبت لفترة صورة الفلسطيني والعربي المشوّهة في السينما العالمية.

 يتم التركيز منذ سنوات طويلة على أحداث "الهولوكوست" في السينما العالمية كمأساة لصيقة باليهود، حيث كسبوا من خلالها تعاطفًا دوليًا كبيرًا أعطى المجال لأفلام كبيرة مجدت اليهود.

إن الدعاية الصهيونية في السينما بالرغم من إنتاجها لعشرات الأفلام حول الهولوكوست وفقًا لنغمتها عن اليهود ومحارق النازية، لم تعدل ولم تمل من إعادة طرح نفس المواضيع ونشرها بنجاح ما دام الجو أمامها خصبًا والجو فارغًا لعدم وجود سينما عربية مقتدرة لمنافسة وتكذيب الدعاية الصهيونية المغرضة.

 لكن من الملاحظ أن العالم صار يرى أن "الهولوكوست" انتقل إلى فلسطين بأيدي صهيونية، مع النضال الفلسطيني الذي  فجّر مضامين الصور وأشكالها التي كانت ترسل من الشرق الأوسط إلى عيون العالم منذ أكثر من أربعين عاماً .

إن المشروع الصهيوني الذي كان قد فرض صورة بقوة الإعلام وإعلام القوة، وجد نفسه الآن مهدّداً بنجاعة أهم العناصر التي كان يتوهم أنها من احتكاره الخاص، لقد أصبحت الكاميرا هي الشاهد المحايد،  وما كان سلاحه الخاص صار سلاحاً عليه، وما كان يصوّر "جماله وكماله المزعومين" صار يصوّر بشاعته.

  • ما الذي ينقص السينما الفلسطينية لكسب ذلك الكم الهائل من الدعم والترويج؟

ندخل عبر هذا السؤال إلى إشكالية الإنتاج السينمائي،  حيث نجد أن ما قدمته منظمة التحرير بفصائلها وقع بالمطب الدعائي السياسي على حساب الجمالي وما قدمته الجهات الإنتاجية العربية هو محاولة تغييب فلسطين كصورة عن الشاشات العربية سواءً تلفزية أو سينمائية، فيطرح التساؤل القوي:  لماذا لا يعرض فيلم مثل "باب الشمس" ليسري نصرالله على أي من القنوات العربية مثلًا؟

محمد عبيدو: السينما الملتزمة تجد حضورها من كونها أداة للتغيير ولطرح أسئلة محرجة وإشكالات ومواضيع عميقة

  • بصفتك ناقدًا سينمائيًات ماذا تقترح للنهوض بالسينما الملتزمة عربيًا ومغاربيًا؟

تنهض السينما الملتزمة بالتزامها بقضايا الإنسان العادلة، حيث تتحوّل إلى سينما قادرة على لعب دور كبير في ملامستها لشرائح عريضة في المجتمع، ومحاكاتها لوعي مشاهديها بما يمكن أن يحدث ثورة في الذهنيات، والسينما الملتزمة تجد حضورها من كونها أداة للتغيير ولطرح أسئلة محرجة وإشكالات ومواضيع عميقة، من هنا يجد السينمائي الملتزم مساحته الخاصة التي تشرك جهات إنتاجية يهمها المختلف، ولا أتكلم هنا فقط عن جهات الإنتاج الحكومية فقط.

 

اقرأ/ي أيضًا: 

السينما الجزائرية تفقد ملاكها الأبيض

هل أساء فيلم أحمد راشدي الجديد للثّورة الجزائرية؟