بعد نهاية السباق الرمضاني، يقدّم الناقد والمخرج الجزائري عادل محسن في هذا اللقاء مع "الترا جزائر" تقييمه للأعمال الرمضانية التي شاهدها الجمهور الجزائري في رمضان 2023، ويدلي برأيه في الجدل الذي رافق بعضها على غرار مسلسل "الدّامة" ليحيى مزاحم، كما يتحدث عن مشاركة "المؤثرين" في الأعمال الرمضانية، والإفراط والمبالغة في تصوير عدّة قضايا اجتماعية طرحتها المسلسلات الرمضانية الحالية.
الناقد عادل محسن لـ "الترا جزائر": أكثر عمل شد انتباهي هذه السنة هو "عين الجنة"
- رمضان 2023 بالجزائر، شهد تقديم عديد الأعمال التلفزيونية الدرامية والكوميدية التي عرضتها القنوات الجزائرية.. ما تقييمك لها؟
أول ما يبدر في الذهن إذا ما تحدثنا عن مستوى الأعمال التلفزيونية في هذا الموسم الرمضاني، هو وفرة الإنتاج مقارنة بالمواسم الماضية وهي نقطة إيجابية لا يجب إهمالها وذلك أنّ تحسن المنتوج عمومًا مرتبط أيضًا بكثرة وتنوع الإنتاجات ولذلك نلاحظ هذه السنة وجود سلسلات كوميدية ومسلسلات درامية و"سيتكوم"، إضافة إلى سلسلات دراميدية ( تجمع بين الدراما والكوميديا) وتجارب جديدة من حيث الأنواع الدرامية مثلما هو عليه الحال في سلسلة "حداش حداش" التي تعتبر سباقة لنوع الـ Thriller مع توفير جيد لأدواته وقاموسه الفني خلافًا لما سبقه من محاولات في نفس النوع.
من جهة أخرى يمكننا أن نلاحظ توفر الجودة التقنية اليوم، أظن أن هناك ممثلين عظماء من أجيال سابقة كانوا ضحايا ظلم الرداءة التقنية، وأنّ جهودهم كانت تضيع بسبب رداءة التصوير، فقر الديكور، وغيرهما من الإهمال الذي يطال الملابس والمايكب الفني.. الخ، ولكنهم لا يزالون - الممثلين- ضحايا النصوص أو السيناريوهات، وخاصة الممثلين العباقرة الذين يحتاجون إلى ورق يسمح لهم بالإبداع.
- "مخدرات، قتل، اختطاف الأطفال،.. ".. قضايا متعددة برزت في دراما رمضان 2023.. وركزّت عليها أغلب المسلسلات.. هل كان بإمكان المخرجين وكتّاب السيناريو التطرق إلى مواضيع وقضايا أخرى أو على الأقل طرح مثل هذه المواضيع يكون دون مبالغة للمشاهد خاصة بمشاركة الأطفال؟
المواضيع التي تخلق الإثارة هي أيضًا ضالة صناع الدراما التلفزيونية ولا يعتبر ذلك مشكلا في حد ذاته ولكن طريقة تقديمها هي ما يطرح الإشكال، هناك فرق بين شخصية مجرمة تنال عقابا مناسبا وأخرى يتم تبرير إجرامها، وأظن أن وقت إشراك مختصين نفسيين واجتماعيين في هذا النقاش قد حان وقته.
- من بين الأعمال التلفزيونية التي شاهدها الجزائريونفي رمضان، مسلسل" الداّمة" الذي أثار جدلًا واسعًا بسبب مضمونه.. ما رأيك؟
بالنسبة للجدل الذي أثير حول محتوى مسلسل "الدّامة" المنتج من طرف التلفزيون العمومي -الجزائري للمخرج يحيى مزاحم عن سيناريو سارة برتيمة، فهو ظاهرة صحية بالنسبة لي، بشرط ألا يتصرف إزاءها المثقفون على نفس الصعيد الذي يصدر عن العامة، لأننا لاحظنا للأسف تشكل أنصار ومناوئين على طريقة مناصري كرة القدم، ثم راحوا يتبادلون الشتائم والاتهامات، علينا أن نعرف أنه منتوج وطني، خاص بشهر رمضان المبارك، وأن التفاعل معه شعبيًا دليل على انتشاره، والانتشار هو أحد معايير النجاح مع أنه ليس أهمها، وأنّ الفنان مادام قدم عمله فهو ملزم بتقبل النقد على اختلاف مستوياته.
يقول الموسيقار "ياني" في هذا الصدد "الموسيقى فن، وبمجرد أن تصبح فنانًا، عليك أن تتعلم كيفية تقبل النقد"، وقد تابعت تصريح مخرج العمل في حوار مع التلفزيون العمومي وممّا جاء فيه أنه تعمد إدراج الآذان والنشيد الوطني في الحلقة الأولى تعبيرًا منه عن كون البيئة ذات هوية جزائرية، وقد أكدت ذلك كل الخيارات الفنية في المسلسل بناء على ذلك، يحق بالمقابل لمن لاحظوا ابتعادًا عن هذه الفكرة من خلال ما يقترحه العمل من محتوى أن يبدو تحفظاتهم، كما أن الخطاب هنا يمكن أيضًا توجيهه للمنتج، فيسأل عن نوع المادة التي يريد تقديمها للجزائريين ولماذا؟
على سبيل المثال لا الحصر سمعنا في هذا العمل مفردات تقال لأول مرّة في الدراما الجزائرية، فهل يعتبر ذلك تطورًا وتحررًا وضرورة درامية مثلما يرى بعض المتابعين، أم أن ذلك لا يعد لائقًا باعتباره إقحام لكلمات قد يرفضها المشاهدون في بيوتهم وهذا من حقهم أيضًا خاصة كون هذا العمل بتمويل من المال العام، والحقيقة أني لم أقرأ أو أشاهد ما يدل على رفض الصناع للنقد ولكني قرأت ما يدل على ذلك من غيرهم.
الواضح في هذه المسألة هو حق المواطن في أن يعرف مسبقًا ما يتضمنه العمل من محتوى قد لا يحبذ مشاهدته، وهو إجراء معمول به عالميا، فيكفي اليوم أن تدخل إلى إحدى المنصات الكبرى وتفتح سلسلة أو فيلم لتقرأ على الشاشة كلمات مفتاحية تدلّ على المضمون على شاكلة "عنف-جنس- كلمات نابية-" إضافة إلى تحديد سن الجمهور المسموح له بالمشاهدة فنجد أعمال صالحة فقط لمن هم فوق 18 سنة وأخرى لمن هم فوق 16 وهكذا .. بهذه الطريقة سيتوقف كل الأطراف عن محاولة إرغام الآخرين على أن يكونوا مثلهم .. وهذه مسؤولية مشتركة بين سلطة ضبط السمعي البصري والمنتجين على حد سواء.
- هل سقط بعض المخرجين الجزائريين في فخ تصوير الواقع دون طرحه وفق رؤية إبداعية وعدم وجود رسائل لتمريرها من خلاله؟
تصوير الواقع مهم جدًا في الأعمال الدرامية ذلك أن المشاهدين (المواطنين) بحاجة إلى رؤية واقعهم من الخارج وأخذ كامل وقتهم للإعجاب به أو رفضه، أو نقده أو ربما محاولة تغييره ولكن الواقعية تتطلب كثيرا من الخيال ليتحقق الفن، ومن ذلك توظيف الدراماتورجيا مثلا في البناء بشكل صحيح، فإذا كنت سأشاهد عملا غير واعد دراميا، ولا أستطيع أن أميّز فيه هدف البطل والرهان أو الخطر الذي قد يصيبه إذا لم يحقق هدفه، وإذا لم أستطع فهم المعتقد الفلسفي للشخصية وما يدفعها لاتخاذ قرار دون آخر، وإذا لم تكن انقلابات درامية محكمة المقدمات تشعرني بلذة المفاجأة، وإذا لم تكن هناك لحظات وقوف الشخصيات أمام خيارين أحلاهما مرّ.. وغيرها، فلن يكون لواقعية الحوارات والديكورات وحتى الأحداث والتمثيل معنى كبير.
- أي الأعمال الدرامية الرمضانية شدّ انتباهك وأعجبت به سواءً على مستوى السيناريو، أو أداء الممثلين أو التصوير؟
نحن نطلب الجمال في الفن، ولكنه إن لم يكن وظيفيًا فسيكون زائلًا، كما أن الأعمال الدرامية تعتبر مجالًا نعيش من خلاله كمشاهدين تجارب الشخصيات ونتعلم معهم من خلال ما يعايشون دراميا ومن علامات احترام الصناع للمشاهد هي محاولتهم جعل كل عناصر العمل تخدم فكرته وصراعه الفلسفي في هذا السياق أكثر عمل شد انتباهي هذه السنة هي سلسلة "عين الجنة" التي بثّ على التلفزيون العمومي الجزائري سيناريو أسامة بن حسين وإخراج كريم موساوي.
عمل متقن الكتابة والإخراج والتمثيل على حد سواء، يخاطب العقل قبل الغريزة، يطرح تساؤلات مهمة عن مكانة المرأة في المجتمع، وقدرتها على التغيير حتى لو تقاعس الرجال، تعلمنا شخصياته من خلال مساراتها أنّ العائلة مقدسة وأنّ المرأة الصالحة فيها تقدر على فعل الكثير للم الشمل والحفاظ على التماسك وتجاوز الأحقاد، فيه جرأة لافتة في نقد السلطات المحلية التي تجثم على صدر المواطنين، ونظرة الانتهازيين الذين يمثلونها للديمقراطية..إلخ يمكنك وأنت تشاهده أن تفهم إشارات المخرج وتلحظ شخصيته من خلال خياراته الفنية، كما تستطيع أن تطبق على المشاهد بعض قواعد اللغة (السينمائية) وإن كنا بصدد الحديث عن عمل تلفزيوني.
الناقد عادل محسن: الفن يحبّ الحرية والحرية تحبّ الفن وكل من يعتقد أنه قادر على تقديم شيء ما للفن فمن حقه أن يسعى للظفر بفرصته
- ما رأيك في أداء ومشاركة بعض الوجوه الجديدة ممن يطلق عليها "مؤثرة/مؤثرين" على منصات التواصل.. في الأعمال الرمضانية؟
الفن يحبّ الحرية والحرية تحبّ الفن ولذلك فكل من يعتقد أنه قادر على تقديم شيء ما للفن فمن حقه أن يسعى للظفر بفرصته، وهي فكرة تنطبق على ما يعرف بـ"المؤثرين" الذين من حقهم أن يمثلوا، كما أنّ من واجبهم تقبّل النقد في كل الأحوال سلبًا أو إيجابًا، في هذا السياق أعتقد أن "المؤثرة" التي أدت في مسلسل "الدّامة" دور خطيبة "رضا" استطاعت إلى حد كبير تقديم شخصيتها بنجاح فكانت ذات مصداقية - الشخصية- فكانت في أغلب المشاهد كائن حيّ يحافظ على تكويناته النفسية والاجتماعية دون مبالغة ولا خفوت في الأداء، بالمقابل كان بعضهم يبدو أنه لا يعدو كونه جميل أو معروف تم وضعه أمام الكاميرا فصار أقل جمالًا وأكثر شهرة .