16-يوليو-2020

الخبير في الشأن الديني والجماعات الإسلامية، يوسف مشرية (فيسبوك/الجزيرة نت)

يكشف الخبير في الشأن الديني والجماعات الإسلامية، الباحث جواد يوسف مشرية، عن أزمة مناهج التعليم الديني في المعاهد الإسلامية، وما تحمله من تناقضات مع التحوّلات العالمية، و يتحدّث في حوار مع "التر جزائر"، عن ضرورة المحافظة على الكيان الروحي للمجتمع الجزائري، مع الانفتاح والتنوّع دون تعصّب، وينقل في حديثه مخاوفه على مستقبل الساحل الأفريقي، وارتباطاته الروحية والأمنية مع منطقة شمال القارّة السمراء.

 يوسف مشرية: جامعات الدول الإسلامية ما زالت تلقّن الطلاب أحكام أهل الذمّة

  • هل تعتقد أن مسألة احترام الأديان وحرّية التعبد في البلدان الاسلامية عمومًا والجزائر خصوصًا، قضيّة تحتاج إلى نصوص دستورية كما ورد في المشروع التمهيدي؟

بعد حراك شعبي سلمي مبارك، شهدته الجزائر في شباط/فبراير العام الفائت، والذي مهّد لعهد جديدٍ، وجاء بمشروع مسودة الدستور لجزائري المعدّل في باب الحريات العامة، وقد نصت المادة 51 صراحة على أنه لا مساس بحرمة حرّية المعتقد، وحرية ممارسة العبادة دون تمييز للجميع، وأن الدولة تحمي أماكن العبادة.

اقرأ/ي أيضًا: حوار | أكرم خريف: الإرهاب في الساحل يحمي تجّار المخدرات ومهربي البشر

تُعتبر هذه نقلة نوعية في تاريخ دساتير الجزائر، وغيرها من دول العالم الإسلامي، وقد تصحبها ترسانة قوانين تنظّم هذا الشأن، وتبعده عن الفوضى واللغط الذي كان دائما يصدع النسق العام الذي تعيشه البلاد. لكن ثقافة قبول الآخر والتعايش معه، تحتاج إلى عقلية إنسان متسامح يقبل الحوار ويرضى بالاختلاف التنوّعي الكوني.

  • هل نحن بحاجة إلى إعادة قراءة التراث الديني، وتأصيل مفاهيم جديدة كالمواطنة وحرية المعتقد والتسامح الديني؟

أنا لا أتصوّر في ظلّ دولة المواطنة، وتساوي الحقوق والواجبات لكلّ المواطنين، الفاصل هو المواطن المسؤول هو الذي يقدّم بكفاءاته النفع لوطنه ويخدم الصالح العام، لكن المناهج التعليمية في كليّات وجامعات ومعاهد الدول الإسلامية، بل حتى عند الجالية المسلمة في العالم الغربي، لا زالت تُدرّس التراث الإسلامي القديم، وأحكام أهل الذمة، وباب الردّة، والكفر، ودار الحرب، ودار الكفر، والولاء والبراء، و أحكام الجزية.

يُدرّس هذا التراث على أنه حكم الله تعالى، يجب أن يطبّق، وأن الخروج عنه هو خروج عن ملّة الإسلام، وهناك أجيال تخرّجت بهذه الثقافة من الجامعات والكليّات والمعاهد، تعيش التناقض مع الواقع المعاش الذي تحكمه منظومات وقوانين وأعراف دولية. فردٌ يعيش الصراع النفسي الأليم فلا يجد له جوابًا.

تصوّر أن التراث الإسلامي القديم، الذي كان في القرن الرابع هجري، مازال يلقّن للطلاب في الجامعات إلى يومنا هذا، تقول بعض مقاربات التراث أنه يجب على غير المسلم من اليهود والمسيحيين الذين يعيشون في بلاد الإسلام، أن يتميّزوا في لباسهم ومساكنهم وتجارتهم، وإذا التقى أحدهم بمسلّم في طريقه، عليه أن يلصق بطنه في الجدار ليدع المسلم يمرّ. تراث مثل هذا وغيره مازال يدرس في المناهج التعليمية والبحوث الجامعية، ماذا تنتظر منه.

  •  في رأيك هل تشكّل هذه المدراس مصدر ظاهرة التطرف الديني؟

إن منظومة الإرهاب والتطرف الديني، هي ثمرة تأويل فاسد للتراث الإسلامي، وهي التي أثمرت أمثال أسامة بن لادن الذي يملك شهادة الماجستير في الاقتصاد، والظواهري الطبيب الجراح، والبغدادي خريج الكلية العسكرية من بغداد، وكذلك عبد المالك دروكدال الطالب الجامعي في الكيمياء، هؤلاء وغيرهم هم ضحايا إسقاطات خاطئة مصدرها التراث الديني، ولم يجرؤ أحد على انتقاده وقول الحقيقة الناصعة للناس.

  • الساحة الدينية في الجزائر تعرف تنوعا وتعددا في التوجهات والتمذهب ، في رأيك هل هذا التعدد الديني هو اضافة ايجابية أم سلبية؟

إن الدارس للمجتمع الجزائري منذ القدم يدرك حقيقة التصور التي الذي يسود دومًا وفق نسق اجتماعي متناغم؛ فالمجتمع الجزائري تواقٌ وشغوف للقيم الروحية منذ القدم، بل حتى قبل بزوغ فجر الإسلام، وهذه الأرض هي ولّادة للنوابغ والمصلحين والمجدّدين، حتى في زمن نبي الله عيسى الناصري عليه السلام، هي الأرض التي أنجبت القديس سانت أوغستين ابن مدينة سوق اهراس ودفين ولاية عنابة، كان مجدّدا في الديانة المسيحية يومها.

ولما أنارت شمس الإسلام، وسطعت في الربوع، خلقت حضارة روحية رحيمة متناغمة مع القيم الإنسانية، وطرقت أبواب الضفة المتوسطية الشمالية لقرون من التعايش السلمي والتسامح. إن التعدّد الفكري والمذهبي هو سنّة كونية وقيمة مضافة لا مفرّ منها، فمن عاش في قرطبة لقرون في حضارة إنسانية مشعات الكون، يستطيع أن يعيد المجد نفسه لأن المعين والمنبع واحد.

  • يَطرح البعض مقاربة "الأمن الديني" حفاظًا على المرجعية الدينية الوطنية، ما قراءتك؟

المرجعية الدينية والروحية للجزائر، هي ذلكم الأمن الفكري الحضاري الذي عاش به الأسلاف لقرون يحافظون به على النسق الاجتماعي، والوحدة الروحية التي تتناغم مع الآخر بالحوار والمحبة والتسامح والسلام. لقد عرفت الجزائر تاريخيًا مرجعيات وافدة، مثل العبيديين والرستميين والمرابطين وغيرهم.

اختلفت المرجعيات الأصيلة يومها، فتعايش الناس مع بعضهم. لكن حينما استعملت الإكراه والعنف والتطرّف لإقناع الناس والمخالف، لفظها ورفضها المجتمع، رغم قوّة سلطانها. فالممنوع دائمًا مرغوبٌ فيه، ولكن مقاربة الأمن الفكري في بعدها الحضاري الذي ينبني على الحوار والحجّة والإقناع وقبول الآخر مع تنوعه الكوني، وهو عامل ثراء وغنى بل هو صمام الأمان في كل زمان ومكان.

  • أضحت منطقة الساحل الأفريقي محل اهتمام وأطماع دولية، في رأيك لماذا؟

إن منطقة الساحل وجنوب الصحراء، الذي تمتدّ من نهر السنغال، الذي يشمل دول عدّة من موريتانيا وبوركينافاسو وغينيا وكوت إيفوار والبنين، مرورًا إلى نهر النيجر، الذي يشمل مالي والنيجر، ووصولًا إلى بحيرة التشاد التي تمسح دولا مثل نيجيريا وتشاد والكاميرون وأفريقيا الوسطى. هذه المنطقة التي هي عمق غرب أفريقيا، نتقاسم معها الإرث الحضاري منذ فجر الإسلام، و حضارات الهوسا والفولان والسنغاي، كلّها امتدادٌ للبعد الروحي الجزائري، ممثلًا في الطريقة القادرية والتجانية الجزائرية.

منطقة الساحل، تزخر بالثروات الطبيعية العذراء، قد يجعل منها قوى إقليمية تُحافظ على التوازن الإقليمي والدولي.لكن للأسف الشديد، عقلية الاستعمار القديم، والقبلية القابلة له، ما زالت متحكمة في الإنسان الأفريقي، الذي أُقنع أنه خُلق ليكون خادمًا وتابعًا للرجل الأبيض، ويعيش بعقلية الدونية.

إن انهيار نظام القذافي في ليبيا من طرف طائرات القوات الفرنسية، وبروز الجماعات الإرهابية الجهادية التي تتكاثر بين عشيّة وضحاها، كان آخرها تنظيم الدولة الإسلامية في غرب أفريقيا بقيادة أبي الوليد المغربي، التي تتحالف مع عصابات التهريب الدولي للمخدرات والعابر للقارات، من جنوب أمريكا إلى نواديبوا، مرورًا بمنطقة الساحل وصولًا إلى جيبوتي والصومال، ليستقرّ إلى قلب أوروبا، كل هذا يجعل من المنطقة صراعا بين دوائر صناعة الخوف والموت.

مشرية: إن منطقة الساحل وجنوب الصحراء، وعموم غرب أفريقيا، تعرف يوميًا نشاطًا إرهابيًا كثيفًا

إن منطقة الساحل وجنوب الصحراء، وعموم غرب أفريقيا، تعرف يوميًا نشاطًا إرهابيًا كثيفًا، قد يسقط كيانات في المستقبل القريب، خاصّة بعد مقتل أمير تنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي عبد المالك درودكال، وما تعيشه ليبيا من أحداث متسارعة، وتأزّم الوضع بين الإخوة الأعداء المقاتلين، يجعل من منطقة الساحل مسرحًا لأحداث وسيناريوهات مفتوحة، وخلطًا للأوراق بين أطراف طامعي بث السيطرة طويلة الأمد.

 

اقرأ/ي أيضًا:

الجزائر والحرب على الإرهاب.. درودكال يدعم الوجود الفرنسي في الساحل

الجزائر تفعّل أعلى هيئة أمنية للعب دورٍ أكبر في ليبيا ومالي