16-يونيو-2024
1

صورة أرشيفية

لا يتحقق مغزى العيد سوى بنحر الأضحية لتتحقق شعيرة السنة المؤكدة، وتسود حالة من البهجة لدى الأطفال الذين يراقبون الخراف محناة الرؤوس ،لكن ذروة العيد لا تكتمل سوى بالتمتع بنعم اللحم والشحم، ويلزم ذلك معرفة دقيقة بفن النحر، ولأن الكثيرين يجهلون الطريقة، يظهر الذباحون كمخلصين لهم من الورطة، و منصبين أنفسهم أبطال الساعات الأولى للأضحى بلا منازع.

هناك فئة لا تحسن الذبح و السلخ و تنتظر على أحر من الجمر قدوم الذباحين الذين يخلصونهم من ثقل المسؤولية، ومن الشعور بالعجز وعدم المعرفة بأصول التعاطي مع الأضحية.

عدّة خفيفة

بعد انتهاء صلاة العيد، يرتدي عصام أونيسي، 49 سنة، ألبسة خفيفة، يتفقد عدته المتكونة من خنجر صلب وكبير، وأمواس متوسطة وصغيرة الحجم، ومبردا –الشريمة- وعصا مغزل خشبية، فيما يحمل ابنه يعقوب 12 عاما،أسلاكا بلاستيكية، قبل أن ينطلقا عبر الأحياء تلبية لطلبيات نحر أضاحي العيد الكثيرة، فهناك فئة لا تحسن الذبح و السلخ و تنتظر على أحر من الجمر قدوم الذباحين الذين يخلصونهم من ثقل المسؤولية، ومن الشعور بالعجز وعدم المعرفة بأصول التعاطي مع الأضحية.

كلما تأخر الذبّاح في المجيء كلما تفاقم الشعور بالقلق من تآكل صورة رب البيت أمام الزوجة والأولاد، بخاصة وأن الضمير الجمعي كان أصدر أحكاما قاسية ضد أولئك الذين لا يحسنون النحر من قبيل: " ليس رجلا، وغير مؤهل للزواج، من لا يذبح قربانه".

لا يتوقف رنين عصام عن الرنين، فيضحك قبل أن يقول لـ "ألترا جزائر": " أفهم ذلك الشعور فأنا متزوج وأب لعدة أطفال لكني لست "باتمان" كي أتنقل من بيت إلى آخر في لمح البصر، تستغرق كل أضحية ما بين نصف ساعة إلى ساعة حسب الحجم، وعلى الزبائن التحلي بالصبر، لدي طلبيات جاهزة منذ أيام وعليّ أن أفيها حقها قبل التكفل بالجدد".

1

وأردف: "لست "رومبو" أيضا فأنا أعاني من ألام في أسفل الظهر جراء العمل المهلك في الأسواق ولا يمكنني أن أتجاوز طاقتي البدنية. في واقع الحال أنا خضار يمارس مهنة الذبح خصيصا خلال أعياد الأضحى لربح قسط من المال".

20 سنة خبرة

يبدو السيد جمال محظوظا بعض الشيء، بدا متوترا قبل وصول عصام، الذي تأخر عن الموعد ساعة كاملة، ثم تغيرت ملامحه إيجابا وهو يلمحه مع ابنه. بسرعة كبيرة يخرج الذبّاح الأسلاك البلاستيكية ليلف بها قوائم الكبش، يَبْرُدُ سكينه الصلب، يضع قدميه على جنب الخروف الأيمن، ثم يثني رقبته مدققا بأصابعه في عظمة الترقوة،يكبر ويبسمل ويتلو أذكار الهدي، يمرر نصله أسفل رقبته، فتنز الدماء في جارور فُتح لتصريف الدماء، ينتظر خروج الروح من الأضحية".

 يقول لـ "ألترا جزائر": " أمارس هذه المهنة منذ 20 سنة. في الأصل أنا أنتمي لعائلة موّالين من ولاية أم البواقي، وتعلمت أصول هذه الحرفة من صديقي الجزّار، مهدي قارح، الذي كان يستعين بي، مقابل عمولة عن كل ذبيحة، فأساعده في الأعراسوالأفراح، لكن ذروة العمل هي في هذا اليوم العظيم".

يُحدث الذباح المحترف ثقبا في رجل الخروف ثم يحشي التجويف بعصا المغزل، يدس فمه ويشرع في النفخ بكل ما أوتي من قوة وأنفاس،فتنتفخ أوداجه مثل عازف ناي. وحينما يتأكد بضربات من يديه على بطنها من استواء العملية، يشد وثاق الرجل".

 هنا، يشرح مفسرا: " لا بد أن يكون النفخ مثاليا، هناك منافخ هوائية لهذا الغرض، وهذه العملية مهمة لأنها تساعد على فصل الجلد عن اللحم خلال السلخ. ثمة أمر غاية في الأهمية، يجب أن ينتفخ الذيل لأنه المعيار الحقيقي لاكتمالها وتمامها".

كل شاة وكراعها

يربط وثاق الرجل المثقوبة ويشرع في تقطيع الجلد بسكين صغير، صعودا للصدر ليفصله إلى جانبين.  يختار الاشتغال على فصل الجلد عن اللحم من الجهة اليسرى، ليتبدى جزء كبير من الذبيحة للعيان. يمد أبنه يعقوب سكينا للتفريق بين الجلد واللحم، وهو يقول: " تعلمت طريقة السلخ منذ فترة،ويمكنني خلال السنوات القادمة أن أتقن النحر". يعقب والده موضحا: "من المستحسن أن تنجز عملية السلخ بالمِدية الحادة بدل قبضات الأيدي فهذه الأخيرة تتسبب في احمرار لحم الذبيحة، فاللون المثالي هو البياض. أصعب سلخ هو سلخ الماعز لأن أي خطأ يلوّث اللحوم بالشعر الغزير"

يكرّر طريقته على الجانب الأيمن للشاة، قبل أن يقطع الكوارع، بعدما فصل الرأس، ويستطرد قائلا: "يجب أن يكون قطع الرجل أسفل المفصل العريض، حتى لا يتضرر الكراع ويكون قابلا للكسر السهل في الموضع الدقيق، لذا يقال كل شاة تعلق من كُراعها".

1

يشق بطن الخروف مفرّغا الأحشاء والكبد والغرنوق والكرشة والمصارين في إناء كبير، يغسلها بالماء آمرا بجمع الدماء المتكبدة في كيس لترمى في الزبالة وكي لا تتسبب، لاحقا، في انسداد قناة الصرف، يقدم له صاحب الذبيحة والكبد والرئتين للتأكد من خلوها من أعراض فيجيب: " هي سليمة لا شية فيها. كلما كان العام غزير الأمطار تمتعت الماشية بصحة جيدة، فالجفاف هو علة العلل التي تصيب البهائم بالأمراض".

6 ملايين " ساخنة"

ينهي عمله يجمع أغراضه متأهبا لغزوة أخرى، فرنين الهاتف لا يتوقف، ثمة زبائن كثيرون في انتظار الذبّاح المخلص.

عن حصة المال التي يجنيها يقول: " أتلقى مبلغ 3ألاف  دينار جزائري في الرأس الواحد ذبحا وسلخا. وتبلغ أرباحي إذا ما نحرت ما بين 15 إلى 20 أضحية، ما بين 4.5 مليون سنتيم إلى 6 ملايين سنتيم خلال العيد، لذا فإن أكبر مستفيد في تلك الصبيحة المباركة هو الذباح الذي يسترد في ساعات الثمن الساخن الذي أنفقه لاقتناء أضحية في موسم كسر فيه الباعة أفق توقعات السعر بشكل حُرم بسببه كثيرون من القيام بهذه السنة، واضطر كثيرين لبيع أغراض منزلية لشراء نعجة ".

4

يغادر عصام بعدته الخفيفة تلبيةً لطلبيات زبائن ينتظرون دورهم، منهم أصدقاء قد لا يطالبهم بشيء، وأطباء ومهندسون وإطارات يجزون له بأكثر من السعر المطلوب إكراما له.وإلى هذا يشير: " أحيانا أذبح للفقراء مجانا، أو بسعر رمزي، أما الميسورون فلا يتأخرون في دفع الثمن أو أكثر من الحق الذي أطلبه، وهم يفعلون ذلك برغبة مساعدتي، وطبعا هذه هي الحياة فأنت تتلقى بقدر ما تعطي، والله هو موزع الأرزاق"

خدمات ما بعد النحر

على غرار عصام ينتشر كثير من الذباحين في الأحياء طلبا لرزق ظرفي، أما ثلة من المضحين فلا يبحثون عن هذه الفئة، إذ يوجهون أضاحيهم للمسالخ البلدية التي تتولى الذبح والسلخ والتقطيع، تفاديا لوجع الرأس. وبين هؤلاء من يفعلون ذلك تجنبا للأوساخ والأشغال الشاقة التي يفرضها تنظيف الأحشاء والفضلات في البيت والشوارع، فيما لا يحتمل آخرون من الذين يعانون من أعراض الهيموفوبيا، أو رُهاب الدم، رؤية الدماء أصلا، لذا تصير المذابح البلدية ملاذهم الأول والأخير.

مهما يكن من أمر، يقدم عصام وأشياعه خدمات ما بعد الذبح، خلال الفترة المسائية أو في اليوم التالي، أي بعد جفاف الجزرة،إذ يقول:" أتكفل أيضا بتقطيع الذبيحة لأصحابها سواء بطلب من الذين نحرت لهم، أو من الذين يحسنون النحر ولا يتقنون التقطيع"

ففي العادة يتهافت الناس مساء أول يوم عيد أضحى، وبالأخص في ثانيه، أمام محلات القصابة التي تحوّل نشاطها تماشيا مع طبيعة الظرف، إلى تقطيع الأضاحي مقابل مبالغ تتراوح بين ألفي دينار إلى 4 ألاف دينار.

يختم محدّث "الترا جزائر كلامه: "نظرا للطوابير الطويلة أمام محلات القصابة، يلجأ كثيرون لخدماتنا، ولا نملك سوى القيام بذلك بأسعار أرخص قليلا للمعارف والأحباب الذين يقصدوننا".