في العيد والمناسبات تبرز عادات اجتماعية وطقوس ما تزال الأسر تحافظ عليها إلى اليوم، منها ما ارتبط بطريقة تقسيم أضحية العيد، فبعضها يبدو غريبًا والبعض الآخر فيه من الطرافة ما يدعو إلى طرح الأسئلة حول مصدرها، ولكنها في النهاية تحمل أكثر من معنى ودلالة لدى المجتمعات.
يقال أن ملكًا مستبدًا كان كلما تزوج امرأة طلقها، دون أن يفشي سر ّ سبب الطلاق الذي عادة ما يتم بعد عيد الأَضحى إلى أن تزوج بالمرأة الثامنة
تختلف العادات في الجزائر في عيد الأضحى من حيث تقسيم الأضحية وتمييز بعض أفرادها ببعض أجزائها دون غيرهم، فعلى سبيل المثال، اهتمت العادات بالعلاقات الأسرية وخاصّة منها الزوجية ولكن من بوابة المرأة " المثابرة" والنظيفة" التي تستطيع أن تؤسس بيتًا وتتحمل مسؤوليتها أمام زوجها وأبنائها وتقوم على رعايتهم.
الكتف للمخطوبة
قبل الزواج من عادات المجتمع الجزائري خلال العيد ما يسمى بـ"المْهِيبة"، وتتمثل في الهدية التي تقدّمها عائلة العريس لخطيبته في مناسبة عيد الفطر أو عيد الأضحى، وهي من العادات الاجتماعية المتوارثة، على اعتبار أنها ستكون زوجة ابنهم، لذلك وجب تكريمها.
بالنسبة لعيد الأضحى، تُقدم العائلة هدية خاصة للكنة المستقبلية، قوامها هدايا من عطور ونصيبها من لحم الأضحية، ولكن اختصت بالاستفادة من جزءٍ "الكتف" أو "فخذ الشاة"، وكلاهما له مغزى ومعنى في الموروث الشعبي الجزائري، فبالنسبة للجزء الأول فهو يعني أنها ستجد "العضد" والكتف الذي يسندها في العائلة الجديدة، بينما الثاني فتعني أنها جزءٌ مهم من العائلة وصارت من مسؤولية ابنهم.
التفسيران كلاهما إيجابي نظرًا للخلفية الاجتماعية والموروثات الجزائرية التي تحاول أن تحافظ على أواصر علاقات المحبة خاصة إن تعلق الأمر بالزواج، بينما هناك تفسير آخر للعادة عمومًا بأنها تتذوق ملح أهل العريس قبل قدومها لبيت زوجها لتحفظه بعدما ذاقت طعامهم.
وفضلًا عمّا سبق، من العادات أيضًا والسارية المفعول جمع جلود الأضاحي، واستعمالها لصناعة أفرشة من الصوف، تحضيرًا للفتاة المقبلة على الزواج، ودخل بيت الزوجية الجديد، وما يسمى بـ"جهاز العروس".
عنوان الفرح
بالنسبة للأضحية أيضًا، جرت العادة في الجزائر أن يتم تخضيب رأس الأضحية قبل العيد بالحناء، لأن هذه الأخيرة ترمز للفرحة والفأل الحسن، فيما يعتقد البعض أنها عادة تبعد العين والسحر.
والملفت للنّظر أيضًا، أنّه مباشرة بعد الذبح تعكف ربات البيوت في بعض المناطق من سكب الملح على الدم الذي يسيل من الأضحية عقب عملية النّحر، وهذا اعتقادًا منهن أن ذلك يمنع من إصابة أفراد الأسرة بالأذى إن مروا على ذلك الدم.
تكريم الزوجة
هناك عادة أيضًا، في الجزائر، عندما تتزوج البنت وتصبح عنصرًا جديدًا في بيت أهل زوجها، يقدم للعروس الجديدة اللحم الخالي من العظم، إكرامًا لها، كما أنها تحظى بزيارة أهلها في اليوم الثاني محملين لها بقسمتها من لحم الأضحية، وهذا ما يطلق عليه في بعض المناطق: "التّفقيدة"، أي تفقّد أحوالها في بيت الزوجية.
عادة أخرى مازالت تمارس في عديد العائلات الجزائرية، وهي تتعلق بمسح الفتيات لوجوههن بجلد الأضحية وهي ساخنة مباشرة بعد النحر والسلخ، إذ في اعتقادهن أنم ذلك بإمكانه أن يعالج بعض أمراض البشرة كوجود بثور ورؤوس سوداء وتصبغات، كما أن تلك العملية بإمكانها أن تعطي للبشرة نضارة وتعيد للوجه بريقه.
الاختبار الأول
من العادات التي ظلت الأمهات ترويها للفتيات الصغيرات في العيد ما يطلق عليها بـ"طلاقة العرايس" ويتعلق الأمر بأحشاء الأضحية، أو ما تسمى في بعض الأماكن بـ"الدوارة" أي الأمعاء، أو " الكرشة" أو " بوطبيقة"، ويروى أنها قصة من التراث إذ يقال أن ملكًا مستبدًا كان كلما تزوج امرأة طلقها، دون أن يفشي سر ّ سبب الطلاق الذي عادة ما يتم بعد عيد الأَضحى إلى أن تزوج بالمرأة الثامنة، والتي استمر زواجها طويلًا ثم أفشى سرّ الطلاق، وتبين في النهاية أن النساء السابقات اللائي تزوجهن لم يكن يعرفن غسيل هذا الجزء من الأضحية، وهو دلالة النظافة لدى المرأة وإتقانها للعمل في البيت.
وصارت هذه القصة من التراث الشعبي تحمل موروثا اجتماعيا له دلالة أن المرأة نشيطة وتليق بأن تكون ربة منزل، بل وصارت أم الزوج تختبر عروس ابنها في أول سنة زواج لها في عيد الأضحى
وأصبح هذا الجزء من الأضحية، امتحانًا مصيريًا للمتزوجة حديثًا، ففي أول عيد أضحى لها مع أهل بيت زوجها، كانت تختبرها والدته إذ كانت تعرف غسله أم لا، وهكذا صارت هذه العادة من العادات المنتشرة في بعض البيوت الجزائرية، وانتقلت بذلك الحكاية عبر الأجيال ولا زالت تُحكى إلى يومنا هذا بأن هذا الجزء كان السبب الذي يدفع أم الزوج بالحكم على كنتها إن كانت لا تتقزز من أي شيء يمكن أن تنظفه في البيت، بينما عندما تسقط في الامتحان فتوصف من قِبَل حماتها بأنها "فاشلة" ولا تليق أن تكون زوجة ابنها وبالتالي وجب تطليقها.
الممنوع والمرغوب
قائمة الممنوعات خلال عيد الأضحى فيها الكثير من العادات، من بينها تمنع بعض العائلات الأطفال في عدة مناطق وسط البلاد، تناول بعض الأجزاء من الأضحية، لأنهم لم يبلغوا سنّ الرشد بعد، بينما في مقابل ذلك يتم طبخ اللسان وتقديمه للأطفال الذين تأخروا عن النطق، وهو اعتقاد سائد بأن هذا الجزء من الأضحية يساعدهم على الكلام.
وهناك من يجمع سبع ألسنة خاصة بالأضاحي، من الجيران أو الأقارب ليقدم للطفل حتى يتكلم.
ومن الممنوعات أيضا، أكل الكلية ممنوعة على البنت التي لم تبلغ بعد، إلا بعد أن يتم طبخها بطريقة خاصة، ووجب تناولها بحضور الخال الذي ينفخ فيها سبع مرات قبل أكلها، وإلا "أصيب وجهها بالحبوب".
كما تقول حنان عواطي من منطقة" سيدي مروان" شرق الجزائر، بأنها ليس لها معنى سوى ارتباط الكلية بالحياة، لأنها عضو مهم في الجسد.
كما أوضحت لـ" الترا جزائر" بأن تناولها في حضور الخال لأنه الأقرب لأي بنت من جهة الأم من ناحية قرابة الدم.
ومن أغرب الطقوس والعادات أيضا، أن تتفرد العجائز بتناول المخ، وهو تعبير عن رغبتها في استرداد ذاكرتها، وقوتها الذّهنية خصوصا عندما يبلغن من العمر عتيًّا.
وبالمقابل من ذلك، تحرم بعض العائلات الفتاة العزباء من تناول المخ، لأن الاعتقاد السائد في بعض المناطق، بأن ذلك يؤدي إلى التعجيل بظهور التجاعيد في الوجه والشيخوخة المُبكِّرة.
كما تفرض بعض العادات في العديد من المناطق الجزائرية، على العروس الجديدة بعدم أكل اللسان في عامها الأول من الزواج، وذلك خوفا من تلد طفلا أبكم أو يكذب.
تحولات اجتماعية
وجب الإشارة إلى أن معظم العادات آلت إلى الانحسار والاندثار لأسباب كثيرة، أهمها أنها ارتبطت بزمانها وسياقها أيضًا الذي ظهرت فيه ثم مورست فيه، كما قالت الباحثة في علم الاجتماع من جامعة الجزائر، نعيمة فردي، موضحة أن الظروف تؤدي دورًا في انتشار بعض العادات التي لها تفسيرات قديمة أو اختفائها.
عادة أخرى مازالت تمارس في عديد العائلات الجزائرية، وهي تتعلق بمسح الفتيات لوجوههن بجلد الأضحية وهي ساخنة
وأضافت الأستاذة فردي في تصريح لـ"الترا جزائر" بأن تحوّلات المجتمع، تفرض على الأسر التخلي شيئا فشيئا عن تلك العادات رغم أن بعضها يعطي انطباعا بنوع من "الألفة والود والتراحم كقيم اجتماعية تعيش بها النواة الأولى للمجتمع وهي العائلة".