27-مايو-2024
البوراك الجزائري

(freepik) هذا الطبق الشهي يحمل في طياته تاريخًا طويلًا ومعقدًا من التأثيرات الثقافية والتكيفات المحلية

عندما نتحدث عن التراث الثقافي والمأكولات التقليدية نجد أن الأطعمة ليست مجرد وجبات تسد الجوع بل هي حكايات تروى عن الماضي وتجسد الهوية الثقافية للأمم. ومن بين هذه الأطعمة التي تحمل عبق التاريخ ونكهة الأصالة، يأتي البوراك الجزائري كأحد أشهر الأطباق التقليدية في الجزائر، وخاصة خلال شهر رمضان المبارك وغيره. لكن ما هو أصل هذا الطبق الشهي، وكيف انتقل عبر الزمان والمكان ليصبح جزءًا لا يتجزأ من المطبخ الجزائري؟ في هذه الرحلة عبر التاريخ سنستكشف جذور البوراك الجزائري، ونغوص في تأثيرات العصور المختلفة التي ساهمت في تشكيل هذا الطبق المميز، لنكتشف معًا كيف تحول البوراك من مجرد وجبة إلى رمز من رموز الهوية الجزائرية.

البوراك أحد المقبلات الأكثر شهرةً في الجزائر وخاصة خلال شهر رمضان حيث يتم تناوله إلى جانب الشوربة والعديد من الأطباق الأخرى

رحلة في التاريخ.. ما هو أصل البوراك الجزائري؟

هو أحد المقبلات الأكثر شهرةً في الجزائر وخاصة خلال شهر رمضان حيث يتم تناوله إلى جانب الشوربة والعديد من الأطباق الأخرى، ومذاقه لذيذ بفضل مكوناته الغنية والمتنوعة؛ إذ يتكون من رقائق العجين المحشوة بمكونات متنوعة مثل اللحم المفروم، الدجاج، أو الجبن، ثم يُقلى حتى يصبح ذهبيًا ومقرمشًا. وتتنوع طرق تحضيره وأشكاله حسب المناطق الجزائرية، حيث يعرف باسم البريك في الشرق الجزائري ويُقدّم بشكل مربع، بينما يُقدّم في الوسط بشكل مستطيل. وفي تونس حيث يتشابه الطهي فيها مع الجزائر يُعرف هذا الطبق فيها باسم البريك أيضًا.

كلمة بريك أو بوراك هي من أصل تركي، وتعني في اللغة التركية "فطيرة" أو "عجينة محشوة". لذا يعود أصل هذه الكلمة إلى التراث والتأثير العثماني في منطقة المغرب العربي خلال الفترة التي كانت فيها الجزائر تحت الحكم العثماني من القرن السادس عشر حتى القرن التاسع عشر. وخلال هذه الفترة تأثرت الثقافة الجزائرية بالمطبخ العثماني الذي كان له تأثير كبير على الأطعمة التقليدية في الجزائر. وكان البوراك يعد من الأطباق الشهيرة في المطبخ التركي. ثم تم اعتماد هذه الكلمة وتطويرها في العديد من البلدان العربية، بما في ذلك الجزائر وتونس لتشير إلى أطباق مشابهة تتكون من عجينة محشوة بمكونات مختلفة.

بحكم موقع الجزائر الجغرافي على البحر المتوسط تأثرت المأكولات الجزائرية بما في ذلك البوراك بتقاليد الطهي المتوسطية

العوامل التي أثرت في تطور البوراك

مر البوراك الجزائري بالعديد من العوامل التي أثرت في تطوره، وتشمل ما يأتي:

  1. التأثير العثماني: يعتبر البوراك جزءًا من تقاليد الطهي العثمانية التي انتشرت في الجزائر خلال فترة الحكم العثماني. وكان البوراك أو البريك معروفًا في المطبخ التركي كنوع من المعجنات المحشوة، وقد تم تبني هذا الطبق وتكييفه ليتناسب مع المكونات المحلية الجزائرية والأذواق.
  2. التكيف المحلي: بعد انتهاء الحكم العثماني استمرت العائلات الجزائرية في إعداد البوراك، ولكنهم أضافوا لمساتهم الخاصة واستخدموا المكونات المحلية المتاحة. وهكذا أصبح البوراك جزءًا من التراث الجزائري بتشكيلاته ونكهاته المختلفة.
  3. التنوع الإقليمي: تتنوع طرق إعداد البوراك في الجزائر حسب المناطق، مما يعكس التنوع الثقافي والغذائي في البلاد. ففي الشرق الجزائري يعرف باسم البريك ويكون شكله مربعًا، بينما في الوسط والغرب يكون مستطيلاً. وإن التنوع في الحشوات يعكس أيضًا الغنى الغذائي للمطبخ الجزائري.
  4. التأثيرات المتوسطية: بحكم موقع الجزائر الجغرافي على البحر المتوسط تأثرت المأكولات الجزائرية بما في ذلك البوراك بتقاليد الطهي المتوسطية. وإن استخدام المكونات مثل الأسماك، والجمبري، والزيتون، والأعشاب الطازجة يعكس هذا التأثير.

يحضر البوراك من مكون أساسي يُعرف باسم "الديول"، وهي رقائق مصنوعة من الطحين

مكونات وطريقة تحضير وتقديم البوراك الجزائري

يحضر البوراك من مكون أساسي يُعرف باسم "الديول"، وهي رقائق مصنوعة من الطحين. وفي الماضي كانت هذه الرقائق تُصنع بالطرق التقليدية في منازل الناس، لكن اليوم أصبحت عملية تصنيعها أكثر احترافية حيث تُستخدم آلات حديثة في صناعتها، ويتم توزيعها وبيعها جاهزة ومعبأة ومتوفرة بكل مكان. وفيما يأتي سنوضح جميع المكونات وطريقة التحضير للبوراك الجزائري، وهي:

المكونات الأساسية للبوراك:

يتكون البوراك الجزائري من العديد من المكونات، وهي تشمل المكونات الآتية:

  • الديول: وهي رقائق عجينة شفافة اللون وخفيفة تشبه ورق الأرز، ولكنها مصنوعة من السميد أو (الطحين).
  • الحشوة: وتتنوع حسب الأذواق والإمكانيات المتوفرة. ويمكن أن تشمل ما يأتي:
    • اللحم المفروم: يطهى اللحم المفروم مع البصل والتوابل والبقدونس.
    • الدجاج: يُقطع الدجاج إلى قطعٍ صغيرة ويُطهى مع البصل والتوابل.
    • البطاطا والجبن: تُهرس البطاطا جيدًا وتُخلط مع الجبن المبشور.
    • التونة: تُخلط التونة مع البصل والبقدونس.
    • الجمبري: يُطهى الجمبري مع البهارات المرغوب فيها، ثم يُخلط مع البصل والبقدونس.

طريقة عمل البوراك الجزائري
يتكون البوراك الجزائري من الديول والحشوة بمختلف أنواعها

طريقة تحضير البوراك:

فيما يأتي نذكر إحدى طرق تحضير وإعداد البوراك:

  1. تحضير الحشوة: يبدأ بطهي المكون الأساسي، سواء كان لحمًا مفرومًا أو دجاجًا أو أي مكون آخر، مع البصل المقطع إلى مكعبات صغيرة وتوابل حسب الاختيار مثل الفلفل الأسود والملح والكمون وغيرها. وبعد طهي المكونات يتم إضافة البقدونس المفروم لإضافة نكهة مميزة للحشوة. 
  2. حشو الديول: يتم وضع ملعقة من الحشوة على حافة رقاقة الديول، ثم يتم طي الرقاقة من الجوانب، ثم لفها على شكل السيجار أو المستطيل. ثم يتم تثبيت الأطراف باستخدام قليل من الماء أو خليط البيض لضمان عدم فتحها أثناء عملية القلي.
  3. القلي: في مرحلة القلي يُسخّن الزيت في مقلاةٍ عميقة حتى يصبح ساخنًا جدًا، ثم تُقلى لفائف البوراك حتى تصبح ذهبية اللون ومقرمشة. وبعد ذلك يتم وضعها على مناديل ورقية لامتصاص الزيت الزائد، مما يضمن الحصول على بوراك مقرمش وخفيف وجاهز للتقديم.

تقديم البوراك:

يُقدّم البوراك ساخنًا، ويعتبر بديلاً للخبز حيث يُتناول مع الشوربة أو "الحريرة". ويمكن تقديمه بجانب سلطة خفيفة أو أنواع أخرى من المقبلات. ويتميز البوراك بعد إعداده بهذه الطريقة بطعمه الشهي والمميز، مما يجعله محببًا لدى الكثيرين.

من خلال استعراضنا لأصل البوراك الجزائري تبيّن لنا أن هذا الطبق الشهي يحمل في طياته تاريخًا طويلًا ومعقدًا من التأثيرات الثقافية والتكيفات المحلية. فالبوراك ليس فقط وجبة تُقدّم على المائدة بل هو رمز للتراث والتقاليد الجزائرية، ويمثل جزءًا من الهوية الوطنية التي تشكلت عبر قرون من التفاعل مع مختلف الثقافات. ولقد رأينا كيف انتقل البوراك من أصوله العثمانية وتحوّل بأيدٍ جزائرية ماهرة إلى طبق متنوع يجمع بين البساطة والغنى. وإن فهمنا لجذور هذا الطبق التقليدي يعمق تقديرنا له، ويذكرنا بأهمية الحفاظ على التراث ونقله إلى الأجيال القادمة.