03-يوليو-2021

الإعلامي الراحل سليمان بخليلي (الصورة: راديو أم)

حين ولد الإعلاميّ والمنتج التّلفزيونيّ سليمان بخليلي عام 1963، كانت الجزائر حديثةَ عهدٍ باسترجاع سلطتها على مؤسّسة الإذاعة والتّلفزيون الجزائريّ؛ ضمن ما استرجعته من منظومة الاحتلال الفرنسيّ. وكانت تتأهّب لبناء منظومتين إعلاميّة وتربويّة خاصّتين بها مستعينةً بإمكانياتها الذّاتيّة ومساعدة بعض الدّول الصّديقة ضمن خياراتها القوميّة واليساريّة. وكان سليمان بخليلي واحدًا من النّخبة الشّبابيّة التّي استفادت من هذه السّياسة التّي مكّنته من الالتحاق بالعمل في مؤسّسة الإذاعة والتّلفزيون عام 1985.

نقل سليمان بخليلي خبرته وشغفه إلى برامجَ أخرى استطاعت أن تستقطب الأسرة الجزائريّة

بدأ بإعداد نشرات الأخبار باللّغة العربيّة. ثمّ توجّه إلى إنتاج البرامج ذات البعد الثّقافيّ والتّربويّ والمعرفيّ؛ فكان برنامجه "خاتم سليمان" علامةً فارقة في المدوّنة الإعلاميّة الجزائريّة على مدار ما يزيد عن عقدين من غير انقطاع، بما جعله يرافق جيلًا كاملًا ويساهم في تشكيل وعيه.

بصوته الواضح وفصاحته المسترسلة ومعلوماته الوفيرة وحضوره اللّافت، نقل سليمان بخليلي خبرته وشغفه إلى برامجَ أخرى استطاعت أن تستقطب الأسرة الجزائريّة بمن فيها الجيل الجديد المعروف بعزوفه عن البرامج الثّقافيّة، مثل "فارس القرآن" و"شاعر الجزائر" و"ساعة من ذهب" و"زدني". وكان استثناءً في خلق نجوميّة من خلال البرنامج التّلفزيونيّ الثّقافيّ على غرار البرنامج الشّبابيّ والرّياضيّ والسّياسيّ والتّرفيهيّ، حتّى أنّه اتّكأ على تلك النّجوميّة في ترشّحه للانتخابات الرّئاسيّة نهاية عام 2019

وظهرت مظاهر هذه النّجوميّة من خلال مواقع التّواصل الاجتماعيّ أثناء إصابته بفيروس كورونا، قبل أسبوعين، ودخوله إلى مستشفى مصطفى باشا بالجزائر العاصمة، حيث حظي بتعاطف كبير في الأوساط الشّعبيّة، وفي الأوساط النّخبويّة بمن فيها الوجوه المخالفة له أيديولوجيًّا، وبعد رحيله، الجمعة، حيث هيمنت صوره على حسابات الفسابكة الجزائريّين، ثمّ تجسّد ذلك في جنازته التّي استقطبت الآلاف رغم موجه الحرّ الشّديد

يقول النّاشط الثّقافيّ أيّوب روباش إنّه لم يسبق لإعلاميٍّ جزائريٍّ أن حقّق الجدل في حياته، ثمّ الإجماع بموته على كفاءاته وعطاءاته وتميّزه مثلما فعل سليمان بخليلي؛ "فالجميع تفاعل بالحزن والأسف والحسرة على رحيله، من جيل قديم وجيل جديد. من معرّبين ومفرنسين. من عرب وأمازيغ. فهو ذو أصول أمازيغيّة وثقافة عربيّة. من نخب مثقّفة وأوساط شعبيّة. وهذا دليل على كونه لم يكن عابرًا في مسار الإعلام التّلفزيونيّ الوطنيّ الذّي توّجه بلقب أفضل مقدّم تلفزيونيّ عربيّ في الدّورة الرّابعة عشر من مهرجان القاهرة للإعلام العربيّ، وعلى كونه كان مختلفًا ومتميّزًا لا يشبه إلّا نفسه". يسأل أيّوب روباش: "هل تألّق الذّين خلفوه في بعض البرامج التّي عُرفت به؟ هل يستطيع أحد أن يتجرّأ على أن يخلفه في برنامج "خاتم سليمان" مثلًا؟

إنّ هذا البرنامج بالذّات عمّر عقدين من الزّمن؛ يقول محدّث "الترا جزائر"، وهذا يعني أنّ الطّفل الذّي وُلد في موسمه الأوّل بات صحفيًّا ممارسًا. لقد تعوّدنا في الجزائر على ألّا برنامجَ تلفزيونيًّا يستمرّ أكثر من خمسة مواسم. وما يستمرّ لا يستطيع أن يحمي نفسه من التّرهّل والابتذال والميوعة؛ فلا يصبح استمرارُه في صالحه، عكس برنامج "خاتم سليمان" الذّي كان يُراكم التّألّق من موسم إلى آخر

وقال الإعلاميّ عثمان لحياني إنّ سليمان بخليلي اجتهد وبذل الجهد وحاول الإصلاح ما استطاع وقدّم ما يبقى في الذاكرة؛ "لو كانت البيئة السّياسيّة والإعلاميّة ناضجةً بما يكفي، ومتوفّرة على إمكانات خلق إعلام يحترم عقل المشاهد، ويهذّب الذّوق العامّ ويسند النّاشئة، لكان لسليمان بصمة أكبر ممّا كان". يؤكّد فكرته بالقول: "إذا رصدنا نقائص واختلالات وفخاخ وأمراض المشهد الإعلاميّ الوطنيّ في مقابل رصدنا لمظاهر نجاحات وفتوحات بخليلي لجاز لنا أن نعتبر تلك النّجاحات والفتوحات معجزةً في حدّ ذاتها".

وورد في تدوينة فيسبوكيّة للباحث المقيم في فرنسا حميد زنّاز: " سليمان بخليلي. لترقد في سلام. أتذكّر دردشاتنا اللّطيفة في ورقلة رغم أن كلّ شيء كان يفرّقنا تقريبًا. واعذرني إن قسوت عليك مرّاتٍ في بعض منشورات هزليّة لم أقصد بها االإساءة  أبدًا. أنا اليوم حزين ولا أنسى ابتسامتك الدّائمة  في وجهي، رغم مرور السّنوات و تغيّر الظّروف. طاب ثراك". 

لقد كان بعث سليمان بخليلي لقناة "البديل" قبل عام تتويجًا لشغفه بالفعل الثّقافيّ والفنّي والمعرفيّ والحضاريّ 

لقد كان بعث سليمان بخليلي لقناة "البديل" قبل عام، تتويجًا لشغفه بالفعل الثّقافيّ والفنّي والمعرفيّ والحضاريّ الذّي مارسه على مدار أربعة عقود. فهل سيستمرّ هذا المشروع بعد رحيل فارسه المؤمن بمسعاه؟

 

اقرأ/ي أيضًا:

رحيل الرجل القوّي في الجزائر.. هل ينسحب الجيش من الحياة السياسية؟

رحيل عبّاسي مدني.. "مناضل" و"إرهابي" في عيون الجزائريين!