11-سبتمبر-2019

رفيق حليش يحتفل مع زملائه بالهدف الثاني ضدّ كوريا الجنوبية بمونديال البرازيل (تريان بيرس/Getty)

لم يكن رفيق حليش الذي بدأ مشواره الرياضي مصارعًا في المنتخب الجزائري للجيدو أصاغر، يتصوّر يومًا أن يُنهي مسيرته نجمًا لامعًا في كرة القدم، وأمام جماهير غفيرة بملعب 5 جويلية الشهير، بعد 11 سنة من اللعب تحت لواء "محاربي الصحراء".

بعد مباراة رواندا تأكّد للمدرّب سعدان أن الاستغناء عن خدمات حليش من المستحيلات في كل المباريات

مثلما أعلن سابقًا الناخب الوطني جمال بلماضي، كانت سهرة الإثنين مخصّصة لتوديع "قلب الأسد" في صفوف دفاع الخضر، كما تصفه الصحافة المحليّة، والذي قرّر وضع حدٍ لمسيرته الدولية بعد التتويج بكأس أمم أفريقيا 2019، بمصر ليكون خروجه من الباب الواسع.

اقرأ/ي أيضًا: محاربو الصحراء وأسود التيرانغا.. تاريخ المواجهات

مدرسة النصرية

وُلد رفيق حليش في الثاني من شهر سبتمبر/ أيلول 1986، بحي باش جراح الشعبي وسط العاصمة الجزائر، من عائلة تنحدر من قرية إيغيل إيمولا بولاية تيزي وزو شرقي البلاد، تلقّى تكوينه الكروي في نادي نصر حسين داي الذي تخرّج منه عديد اللاعبين المعروفين، أمثال مثل رابح ماجر وشعبان مرزقان.

بانضباطه الكروي وصلابته أمام العثرات، استطاع رفيق حليش أن يصنع اسمًا في الدوري الجزائري مع النصرية، لفتت حركاته أنظار عدّة مدربين، في مقدّمتهم الشيخ رابح سعدان الذي كان في حاجة لمدافعين يافعين سنة عام 2008، لتطبيق فلسفته الدفاعية في الكرة الجزائرية، فاستدعاه للمنتخب لأوّل مرّة في 31 ماي/ أيّار من العام نفسه، في مباراة جمعت المنتخب الوطني أمام السنغال ضمن التصفيات المؤهّلة لـ"مونديال" و"كان" 2010.

ولأنّ الحظ ضروري أحيانًا في الساحرة المستديرة، وقد يسعف لاعبين ويخذل آخرين، وقف إلى جانب حلّيش هذه المرّة  في 23 مارس/ آذار 2009 برواندا بعد إصابة سمير زاوي الذي كان وقتها قطعة أساسية في الخطّ الخلفي للمنتخب، فقد قرّر سعدان لأوّل مرّة أن يُقحمه ضمن التشكيلة التي خاضت المباراة، ليُصبح من وقتها أساسيًا في حضور زاوي أو غيره.

ملحمة أم درمان

بعد مباراة رواندا، تأكّد لسعدان أن الاستغناء عن خدمات حليش من الممنوعات السبع في كل المباريات، لذلك قرّر في مواجهة الجزائر ضدّ مصر بملعب البليدة في 7 جوان/ حزيران 2009، أن يكون ضمن دفاع الخضر المكوّن أيضًا من عنتر يحيى ومجيد بوقرة، وهو الثلاثي الذي استطاع أن يخطف الإعجاب والإطراء حتى من الجماهير والمحلّلين.

توالت مشاركة حليش في مباريات المنتخب ضد زامبيا، ورواندا، ومصر أيضًا، فقد كان ابن باش جراح من اللاعبين المعنيين بمواجهتها في ملعب القاهرة، حيث تعرّض رفقة المنتخب الوطني إلى اعتداء تسبّب له في جروح على مستوى الرأس، بعد رشق حافلتهم بالحجارة في الحادثة الشهيرة.

حادثة الاعتداء على الحافلة، تسبّب أيضًا في إصابة زميليه رفيق صايفي وخالد لموشية. خسر المنتخب الوطني وقتها أمام مصر بهدفين لصفر، ليتساوى المنتخبان في النقاط، ويضطران للعب مباراة فاصلة فاز بها "الخضر" ومكّنتهم من العودة إلى أرض الوطن بتأشيرة التأهّل إلى المونديال بعد 24 سنة من الغياب العالمي، و4 أعوام من عدم التواجد في العرس القارّي.

بعد مرور نحو عقد من الزمن، على "ملحمة" أم درمان، تظلّ إلى اليوم هذه المباراة عالقة في مخيّلة الجماهير الجزائرية، وكذلك أداء نجوم المنتخب الوطني وقتها، لأنّ حليش ورفاقه أعلنوا حينها عن ميلاد عهد جديد للخضر حتّى في ظلّ الإخفاقات التي كان يعرفها المنتخب الجزائري.

مسيرة حافلة

خاض رفيق حلّش، في مشواره الدولي 40 مباراةً مع المنتخب الوطني، استطاع أن يصل فيه ثلاث مرّات إلى الشباك، وشارك مرتين في المونديال في نسختي 2010 بجنوب إفريقا و2014 بالبرازيل، حيث استطاع هو وزملاؤه التـأهّل إلى الدور الثاني والخروج من المنافسة، بعد مباراة بطولية أمام بطل الدورة المنتخب الألماني.

وعلى المستوى القارّي، شارك خرّيج مدرسة النصرية في خمس دورات آخرها نسخة مصر التي عاد منها تحت قيادة المدرّب جمال بلماضي باللقب الإفريقي، ليكون بذلك الأكثر حظًا مقارنة برفقائه المشاركين في مباراة أم درمان، الذين اعتزل معظمهم اللعب الدولي وحتى مع النوادي.

 لعب حليش لعدّة أندية كروية، فبعد مغادرته نصر حسين داي نحو الخارج في تجربة كانت نادرة وقتها للاعبين المحلّيين، التحق بنفيكا البرتغالي عام 2008، غير أنه أعير لناسيونال ماديرا الذي أدّى معه أحلى سنواته الاحترافية، ليلتحق عقبها بفولهام الإنكليزي في تجربة فاشلة لم يلعب فيها سوى مباراتين فقط خلال موسمين كاملين.

عاد حليش إلى البرتغال سنة 2012، من بوابة نادي أكاديميكا، فقضى في صفوفه موسمين أيضًا، ليجرّب بعدها حظه في الخليج عبر نادي قطر من 2014 حتى 2017، ويعود مجدّدًا إلى البرتغال فيلعب في نادي إشتوريل، ثم موريرانسي الذي لا يزال في صفوفه حتى اليوم.

الرحلة مستمرّة

رغم اعتزاله اللعب الدولي، إلّا أن حليش أعلن أن مشواره الاحترافي مستمرّ لسنوات أخرى، خاصّة وأنه يلعب في منصب يسمح له بالاستمرار لمواسم قادمة ليرفع من إحصاءات مشواره مع الأندية المتمثّلة اليوم في تسجيل ثمانية أهداف ولعب أزيد من 220 مباراة.

وقال حليش في هذا الشأن للتلفزيون الجزائري الحكومي، إنه سيكمل مسيرته الاحترافية رغم اعتزاله دوليًا.

وأضاف "عشت أيّامًا مميّزة مع الخضر، لقد شاركت في محافل دولية عديدة، أتمنى أن أكون قد شرّفت مشواري خلالها، ولا يمكن أن أتمنّى أفضل ممّا حققته، خاصّة مع إنهاء مسيرتي بلقب كأس إفريقيا، وهو ما لم أكن أحلم به مطلقًا".

اختار رفيق حليش اعتزال اللعب الدولي في أوّل مباراة له بعد فوز المنتخب الوطني بكأس أفريقيا

وبالنسبة لحليش، إن كانت رحلته مع المنتخب قد انتهت، فإن مسيرة نجاحات الخضر ستستمرّ مع جيل جديد يجب أن يأخذوا الفرصة كاملة لصنع أمجاد جديدة لـ"محاربي الصحراء"، سيكون فيها آخر أبطال أم درمان مناصرًا وربّما مدرّبًا، وسيبقى دعمه المنتخب الوطني حاضرًا أيًا كان موقعه.

 

اقرأ/ي أيضًا: 

جمال بلماضي .. هل يستعيد هيبة "محاربي الصحراء"؟

بلماضي لن يُدرّب اللاعبين المحلّيين.. الخلاف مع "الفاف" يشتد