30-أبريل-2022
مطعم بمدينة ليون الفرنسية (الصورة: Getty)

مطعم بمدينة ليون الفرنسية (الصورة: Getty)

لم أتذوق طعم رمضان منذ أن وطأت قدمي مدينة مونتريال الكندية، بين صقيع الطقس وبرودة الناس، أقضي معظم الوقت في العمل، لا شيء يشعرك أنك في شهر الصيام، ماعدا استحضار صور لمّة العائلة واسترجاع مسلسل الذكريات الماضية.

نظام العمل بالدوام وتباين مواقيته يجعل من الصعب أن تجتمع العائلات الجزائرية على مائدة رمضانية واحدة ما عدا نهاية الأسبوع

يعيش توفيق رفقة زوجته في مقاطعة كيبك، أكبر مدينة كندية، منذ أربع سنوات، وقد اختار المنفى الاختياري بحثًا عن أفق مهنية جديدة، حيث يشتغل توفيق وزوجته في القطاع الطبي، ويعتبر محدثنا أن فكرة الهجرة إلى كندا كانت من أصعب القرارات اتخذها في مسار حياته، حيث تشاركه زوجته الطبيبة حياة الشعور نفسه.

قضى توفيق طفولته وشبابه في حي الحراش، يقول في تواصل مع "التر جزائر" إنه لا يمكن لأي مكان في العالم أن يُعوض لك الأصدقاء ونكهة الأجواء الرمضانية في حي مثل مدينة الحراش بالعاصمة، "فكل شارع أو حارة شاهدة على طفولتنا، وصوت آذان المساجد تعلو في سماء الحي".

يفتقد توفيق صداقاته و"كثيرًا من الوجوه المٌوثقة في ذاكرتنا والتي تركت بصماتها في حياتنا"، موضحًا أن الشيء الأصعب والموجع هو أنه ترك خلفه والدين مُسنين رفقة أفراد من العائلة، فالعتاب يأتي تبعًا بعد فترة من الاستقرار بديار الغربة، على حدّ قوله.

يقضي توفيق وحياة رمضان هذا العام في مونتريال، "متمسكين بقدر ما تمكنا من العادات الرمضانية والطقوس على اختلاف الأجواء هناك وطبيعة المجتمع".

يقول هنا، إن نظام العمل بالدوام وفي مواقيت مختلفة، يَصعب أن تجمعنا على مائدة رمضانية واحدة، ما عدا نهاية الأسبوع، وعن الأجواء الرمضانية في كندا يحدثنا أن ريتم الحياة هنا سريع ومرهق، لا صوت المآذن، ولا يمكن السحور عند توقيت الفجر، لأننا ننام مبكرًا، وممكن جدًا أن يحل توقيت المغرب وأنت وسط العمل، أو في الطريق إلى البيت.

تبادل الزيارات والواتساب

من جانبها تقول حياة، إنه رغم قضاء معظم الوقت في العمل، غير أنها تحرص على إعداد الموائد والأطباق الرمضانية، وإضفاء نوع من الروحانية في هذا الشهر الكريم على غرار قراءة القرآن والصلاة والذكر.

تعترف المتحدّثة، أنها إلى غاية اليوم لم تتعوّد على نمط العيش الجديد والمتعب، لكنها تحاول التكييف مع ظروف العيش في ديار الغربة، مردفة أن كل العائلات المسلمة هنا تفتح أبوابها للأصدقاء والجيران للزيارات، وتجتمع حول مائدة الإفطار للأنس والاستئناس، وأداء صلاة التراويح، وتبادل الحديث عن تجارب الحياة وذكريات الأوطان.

واستطردت أن الأجواء الرمضانية في الجزائر تبقى لها طعمًا خاصًا وسط مسامرة الأهل والأقارب. كما لا تخفي حياة أن وسائل التواصل الاجتماعي والإنترنت باتت تخفف نوعًا ما من وحش الغربة، عبر التواصل المرئي اليومي مع الوالدين والأقارب بالجزائر.

طقوس رمضانية جزائرية

يشكّل رمضان في وجدان الكثير من الأفراد والمجتمعات المسلمة أكثر من الامتناع عن الطعام، وقد تحول بمر الزمان إلى ذاكرة جميلة راسخة في الأذهان، تختزن ذكريات الطفولة والأماكن التي نستوق فيها والشوارع التي نمرح فيها، والصلوات التي نحتفي بأدائها.

اقتضت متغيرات وظروف الحياة أن يختار الكثير الهجرة من الأوطان، تسببت في القطيعة مع محطات من الذكريات الطفولة ومفارقة العائلات.

هنا، يعترف جمال ،رجل أعمال خمسيني مقيم منذ سنوات بمدينة إسطنبول التركية، أنه لا يشعر بالاغتراب الروحي والنفسي كثيرًا، بحكم أنه متواجد بدولة مسلمة لها تقاليد رمضانية بامتياز، ووسط زوجته وأطفاله.

مضيفًا أن الأجواء الرمضانية في مدينة إسطنبول تُجسد عادات وتقاليد وطقوس شرقية وروحية، وأنه يحرص رفقة أُسرته على زيارة المساجد وارتداء اللباس الإسلامي، وأداء صلاة التراويح جماعيًا في أكبر مساجد المدينة.

يعتبر المتحدث أن سهرات رمضان هي مناسبة لاستضافت الأصدقاء سواءً من الجزائر أومن الجالية العربية المسلمة، وفرصة لتبادل الحديث ومتابعة المسلسلات والشأن العربي.

واستطرد أن أم العائلة هي الإنسانة الأكثر حزنًا، فالبعد عن الأهل والوالدين بمناسبة رمضان يفتح المواجع "ربة البيت هي الحلقة الأهم في تأصيل وترسيخ على التمسك بالعادات والتقاليد الجزائرية وتحضير الطبخ خاصة الأطباق القسنطينة".  

هنا، تحرص عائلة جمال على مشاركة وتوزيع الأطباق الجزائرية على بعض الجزائريين المقيمين بالمدينة بمفردهم ودون عائلات. ويختم جمال أن الأجواء الرمضانية في الجزائر تبقى لها خصوصية معينة، تختلف عن أي مدينة في العالم.

وأردف حتى وأن تعيش في بلد مسلم، فلن تحصل على أجواء رمضان كالتي تعيشها وسط وطنك، هنا أشار جمال أن اسطنبول بحكم أنها مدينة سياحية بامتياز فالمطاعم والمقاهي تبقى مفتوحة عكس ما هو موجود بالجزائر.

يتمسك كثير من الجزائريين ممن يعيشون بديار الغربة بالأمل في العودة إلى أوطانهم

يتمسك كثير من الجزائريين ممن يعيشون بديار الغربة بالأمل في العودة إلى أوطانهم، ويبقى الحلم في تقاسم مع الأهل والأقارب والأصدقاء لحظات المناسبات والأعياد الدينية، ورغم ما فرضته ظروف الحياة عن البحث عن مستقبل أفضل يبقى الارتباط بالأرض والذاكرة راسخًا عند المغتربين في عاداتهم وقصصهم وحكاياهم وأغانيهم القادمة من هناك.