23-مايو-2023
لقاء الرئيس عبد المجيد تبون بنظيره البرتغالي (فيسبوك/الترا جزائر)

لقاء الرئيس عبد المجيد تبون بنظيره البرتغالي (فيسبوك/الترا جزائر)

تعكس زيارة رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون إلى جمهورية البرتغال، في جولة تدوم تدوم يومين، إشارات سياسية وأجندة اقتصادية هامة في ظل السياق الإقليمي الحالي، وتَعد لشبونة ثاني محطة أوروبية في زيارة عبد المجيد تبون إلى الدول الأوروبية، بعد روما الإيطالية التي زراها في شهر أيار/ماي سنة 2022، حيث تأجلت زيارة الرئيس إلى باريس إلى منتصف الشهر حزيران/جوان القادم.

تهدف زيارة تبون إلى البرتغال للانفتاح والبحث عن شركاء وورابط قوية في الضفة الشمالية للمتوسط على غرار ما حصل مع إيطاليا

تمتد العلاقات الجزائرية-البرتغالية إلى فترة الدولة الزيانية (1230-1554)،  إذ وبعد تَشكل الدولة البرتغالية الموحدة سنة 1385، حاولت البرتغال بسط سيطرتها البحرية والعسكرية عبر طول الحوض المتوسطي، بالإضافة إلى الأطماع الاستعمارية والتوغّل إلى العمق الأفريقي عبر استيطان على دول الجنوب المتوسطي، وتَعددت محاولات البرتغاليين للسيطرة على ميناء مرسى الكبير بوهران غرب البلاد، فكان أول هجوم على مدينة وهران سنة 1415، ليتم طرد البرتغال سنة 1437، وفي سنة 1471 أعاد البرتغاليون الكرة مرة أخرى، وبعد محاصرة المدينة لست سنوات تراجع الحصار البرتغالي أمام مقاومة أهالي وهران.

ولم تتوقف عمليات المد والجزر من أجل السيطرة على الحركة الملاحية في البحر المتوسط، وتزايد الاقتتال إبان الحكم العثماني بالجزائر، وشَهدت سواحل البحر الأبيض المتوسط معارك عسكرية قادتها السفن الحربية البرتغالية مقابل القوات العثمانية بقيادة القائد البحري رايس حميدو، هذا الأخير ألحق أضرار مادية وخسائر بشرية في صفوف القوت البحرية البرتغالية، وأمام شدة التنافس العسكري الإسباني والبريطاني والفرنسي، تراجعت الحملات العسكرية البرتغالية على السواحل الجزائرية وعُقدت اتفاقية صلح مع الجزائر سنة 1813.

وذكرت مصادر تاريخية أن إيالة الجزائر أمضت مع الطرف البرتغالي أربع اتفاقيات لوقف الاقتتال ومعاهدات حول تنظيم الحركة البحرية والتجارية في الحوض المتوسطي، كانت آخرها سنة 1813 عبر وساطة بريطانية، تعهدت فيها البرتغال بدفع الضرائب والرسوم مقابل الحماية والسماح بالنشاط البحري للسفن البرتغالية لصالح إيالة الجزائر.

العلاقات السياسية

في سياق العلاقات السياسية الحديثة، وخلال فترة الستينيات والسبعينيات حين كانت الجزائر تلقب بمعقل الثورات، احتضنت طيفًا من المعارضة البرتغالية المنفية le Front patriotique de liberation nationale (F.P.L.N.)  أي "الجبهة السياسية للتحرير الوطني" التي قادت معركة ضد الحكم الديكتاتوري والفاشي بقيادة الجنرال أوليفيرا سالازار.

وفي سنة 1975 كانت الجزائر العاصمة مسرحًا لتوقيع إعلان استقلال عديد من البلدان الأفريقية المستعمرة سابقًا من طرف البرتغال، وميلاد ما يسمى الدول الناطقة باللغة البرتغالية.

وفي إطار العلاقات الجزائرية البرتغالية، عُقدت اتفاقية صداقة والتعاون وحسن الجوار بين الجزائر والبرتغال سنة 2005، شملت اتفاقية التعاون في مجال الأمني والعسكري وتبادل المعلومات في ملفات الهجرة غير النظامية، زيادة على تعزيز الحوار المتوسطي وتقوية مجموعة 5+5.

تعزيز الروابط المتوسطية

في سياق متصل، تسعى زيارة تبون إلى البرتغال للانفتاح والبحث عن شركاء وروابط قوية في الضفة الشمالية للمتوسط على غرار ما حصل مع إيطاليا، وعقد شراكة استراتيجية بين الجزائر والبرتغال، وتعزيز الحوار السياسي والتعاون الاقتصادي ورفع من حجم التبادل التجاري بين البلدين.

وفي ظل الركود الدبلوماسي بين الجزائر ومدريد وتجميد معاهدة الصداقة وحسن الجوار والتعاون مع الإسبان، تسعى الجزائر إلى تقوية الشراكة السياسية والاقتصادية والتجارية مع البرتغال، خصوصًا أن موقف البرتغال من قضية الصحراء الغربية يقارب الموقف الجزائري الأممي الداعي إلى "الدعم جهود الممثل الأممي لحل الصراع".

وعلى ضوء المنافسة الأوروبية، قد تستغل لشبونة حالة الفراغ القائم بين الجزائر ومدريد، قصد التموقع اقتصاديًا أكثر ورفع من صادرتها نحو الأسواق الجزائرية.  

العلاقات الاقتصادية

في السياق ذاته، يرافق زيارة الرئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون، وفدًا هامًا من أعضاء الحكومة، كما شارك الزيارة 60 رجل أعمال من منتدى رجال الأعمال ومدراء مؤسسات عمومية كبرى، وهو مؤشر يدفع إلى وجود إرادة سياسية قوية على مستوى البلدين من أجل دعم وتمكين التعاون الاقتصادي، ورفع من قيمة وحجم التبادل التجاري، وترقية الشراكة بين الجزائر وبرتغال، وتبادل الخبرات في مجالات الطاقات المتجددة والبحث العلمي ونقل التكنولوجيا.

إلى هنا، يرى عصام مقراني، مدير مكتب استشارات ودراسات اقتصادية، أن العلاقات التجارية بين الجزائر والبرتغال متجذرة من الناحية التاريخية، خصوصًا في مجال التبادل التجاري البحري.

وأضاف المتحدث أن مستوى التبادل التجاري بين البلدين يبقى ضعيفًا مقارنة بقدرات البلدين الاقتصادية والتجارية، واستشهد أن "الجزائر تحتل الزبون رقم 30 في الصادرات البرتغالية".

ويعود محدث "الترا جزائر"، إلى حجم التبادل التجاري بين البلدين، حيث يمثل، حسبه، 0.5 في المائة من حجم التبادل التجاري البرتغالي، إذ لا يتجاوز حدود 60 مليون دولار، وتابع أن عدد المؤسسات البرتغالية بالجزائر لا تتعدى 60 شركة، تنشط في مجال الصيانة والخدمات والتجارة.

وأفاد مقراني أن الجزائر تمول البرتغال بـ 2.5 مليار متر مكعب سنويًا من الغاز الطبيعي، عبر أنبوب "ميد غاز" الذي يمر عبر الأراضي الإسبانية.

من جهة أخرى، أشار محدثنا أن زيارة عبد المجيد تبون تهدف بالدرجة الأولى إلى تنويع الشركاء والمتعاملين الاقتصاديين من الدول الأوروبية والخروج من التبعية الفرنسية في مجال الاستثمارات المباشرة، وقال إن الجزائر ستستفيد من التجربة البرتغالية في مجال الطاقات المتجددة وإنعاش القطاع السياحي والخدماتي.

الجانب البرتغالي حسب مقراني، مُهتم بتمويل بالموارد الزراعية من الجزائر، وتوريد مادة القطن الجزائرية، علاوة على تعزيز التعاون وتأمين البرتغال من حاجيات الغاز الطبيعي.

الاقتصاد البرتغالي

تعافت البرتغال اقتصاديًا بعد انضمامها إلى المجموعة الأوروبية، ورغم المطبات عرف النشاط الاقتصادي البرتغالي توسعًا ونموًا يعد الأفضل والأحسن في منطقة اليورو، حيث تعتمد البرتغال على القطاع السياحي كقاطرة في تحريك وتنشيط مختلف القطاعات الخدماتية والصناعية والمصرفية، وتعد نموذجًا متفوقًا في مجال الرعاية الصحية.

وفي مجال استقطاب الرؤوس الأموال الخارجية، اعتمدت على إجراءات تحفيزية في مجال الضريبة واعتمادات مالية، وقصد تنشيط قطاع البناء والعقارات سهلت إجراءات الحصول على الجنسية البرتغالية والتأشيرة الذهبية لأي شخص يقتني ممتلكات تفوق 500 مليون أورو.

باتت البرتغال الواجهة المفضلة للبريطانيين والألمان ورجال المال من روسيا والصين ومن دول عربية، واستطاعت البرتغال تجاوز تبعات الأزمة الصحية وتراجع النشاط السياحي بفضل الدعم الأوروبي المالي والمرونة في مجال الاقتصادي وتنويع في الصادرات.

مدير مكتب استشارات ودراسات: حجم التبادل التجاري البرتغالي مع الجزائري لا يتجاوز حدود 60 مليون دولار

ختامًا، يعد الاقتصاد البرتغالي اقتصادًا خدماتيًا بامتياز، في حين تشهد بعض القطاعات على غرار الصناعة الصيدلانية والصناعة السفن والسيارات وقطاع الطاقة تطورات ملحوظة، يتعيّن على الطرف الجزائري الاستفادة من النقلة البرتغالية في مجال الحوكمة الاقتصادية والنموذجية في مجال المؤسسات الناشئة، والتفوق في قطاع الطاقات المتجددة.