عندما تنتصف أيّام كانون الأوّل/ديسمبر الباردة، وحتّى نهاية شهر كانون الثاني/جانفي، تمتلئ حقول وشعاب القرى الجزائرية بالفلاحين وعائلاتهم الذين يقصدون بساتينهم من أجل جنيِ محاصيل الزيتون، حيث يعود ارتباط الجزائريين بأشجاره ارتباطًا روحيًا منذ عصور غابرة، فهم ينتفعون من زيتونها وزيتها، وينْظمون فيها الأشعار والأهازيج، لكن هذا الارتباط الاجتماعي لا بدّ أن يواكب التغيير الذي يشهده العالم، لتصبح شجرة الزيتون مصدر رزقٍ وثروةٍ لملاكها، فهل صار من الممكن أن يعيش الفلاح الجزائري من عائدات محاصيل الزيتون اليوم؟

مستثمرون حصلوا على عقود تصديرٍ نحو دول آسيا، غير أنها توقّفت بسبب تسعيرة زيت الزيتون الجزائري

ثقافة استهلاكية

يرى صالح سعودي، مستثمرٌ فلاحي وصاحب معصرة بمدينة مشدالله شرقي ولاية البويرة، أنّ القيمة الغذائية والذوقية للزيت الجزائري، يعتبران من بين الأفضل في العالم، لكن عملية تسويقه في الأسواق المحليّة والدولية، تواجه صعوبات كثيرة لكون إنتاج الزيتون في الجزائر؛ لم ينتقل من طابعه البدائي الفلاحي إلى الطابع المهني الاحترافي، الذي يجعل منه مادّة قابلة للتداول، وخاضعة لشروط تجارية معيّنة.

اقرأ/ي أيضًا: "أزرو نطهور" في منطقة القبائل.. البركة التي تسكن الجبل منذ قرون

ويعدّد سعودي، أهم العوائق التي تواجهها عملية تسويق الزيت أو تصديره، في كون الفرد الجزائري يملك ثقافة استهلاكية يمكن اعتبارها خاطئة في التعامل مع المنتوجات، فرغم أنّ زيت الزيتون بات أساسيًا في المطبخ الجزائري، إلّا أنّ استخدامه يحتاج لتعميم أكثر، فحسب سعودي فإنّ أول خطوة لتثمين زيت الزيتون الجزائري، هو توفيره في المطاعم والفنادق ومؤسّسات الدولة وهياكل الإطعام والمطاعم المدرسية، تمامًا كما تفعل الدول المجاورة التي استطاعت تخطّي الإنتاج الجزائري كمّا وكيفًا.

ويعرّج سعودي في حديث إلى "الترا جزائر"، على كيفية تعامل الفلاح الجزائري أو مالك أشجار الزيتون مع محصوله، حيث أنّ ظروف التخزين المتّبعة في الجزائر، تؤثر سلبًا على نوعية الزيت. هنا، يشرح المتحدّث قائلًا: "في كلّ موسم نُحاول تحسيس الفلاحين، بضرورة تسليم زيتونهم مباشرة بعد جنيه من أجل عصره سريعًا والاستفادة من قيمته الغذائية، لكن العقلية الجزائرية، ترى أنّه كلما طالت مدّة تخزين الزيتون، كلّما تحصّلنا على زيتٍ أفضل، وهذا أمر خاطئ تمامًا، وهو من أكبر مسبّبات ضعف جودة الزيتون الجزائري، ففي جميع دول العالم يمتلك زيت الزيتون طعمًا مرّا، بينما يمتاز الزيت الجزائري بطعمه الحلو، وهذا نتيجة لسوء جنيه وتخزينه وعصره بعد مدّة طويلة".

غالبًا ما يكون "الزيت البكر الممتاز"، هو النوعية الأكثر طلبًا في السوق العالمية، والأقدر على منافسة مختلف العلامات العالمية، لكن مع الثقافة الاستهلاكية التي يمتلكها مالكو أشجار الزيتون، والذين يُحاولون الحصول على أكبر عددٍ ممكن من لترات الزيت، يجعل إنتاج هذه النوعية الرفيعة أمرًا صعبًا جدًا، حسب صالح سعودي. مردفًا أن "الزيت الذي نستهلكه في الجزائر، ذو اللون الأصفر الفاتح، هو أحد أسوأ أنواع الزيوت، وقد يأتي في المرتبة الثالثة أو الرابعة في الزيوت التي يمكن استخراجها من حبّات الزيتون".

الزيت الجزائري والسوق الدولية

هناك الكثير من مزارع أشجار الزيتون، وكذا بعض المعاصر الحديثة، التي بدأت في إنتاج زيتٍ بكرٍ ممتازة، ذو نوعية رفيعة تستجيب لشروط السوق العالمية التي وضعها المجلس الدولي للزيتون، سواءً من الناحية "الفيزيائية" أو من الناحية الذوقية، لكن تلك المحاولات اصطدمت بصعوبة تصديره، ومنافسة دول أخرى بسبب غلاء ثمن الزيت الجزائري، الذي يقارب ضعف ثمن الزيت التونسي والإسباني أواليوناني، وحتى زيت سوريا وفلسطين، ويعود ذلك لأسباب بيروقراطية من جهة، وضعف تقني في شعبة الزيتون من جهة أخرى.

هنا، يتساءل أرزقي تودرت، رئيس جمعية لمنتجي زيت الزيتون في ولاية البويرة، عن إمكانية منافسة الزيت الجزائري لنظيره التونسي مثلًا، والمنتجون الجزائريون يستوردون الزجاجات الخاصّة بتعليب الزيت وتوضيبه من تونس، يقول تودرت في اتصال مع "الترا جزائر"، إنّ تونس تنتج لنا زجاجات زيتنا، فكيف نُنافسها في إنتاج الزيت إنتاج الزيت؟ يجب أن يكون ضمن ديناميكية صناعية متكاملة، وتثمينه عبر إرادة سياسية فقط من يمكن أن تدخلنا مجال الاستيراد"،  ويسترسل المتحدّث "يجب أن يكون لزيت الزيتون ديوان خاص به، ويجب أن يلقى المنتجون دعمًا من طرف الوزارة الوصية كما في دول الجوار، كما أن الجمعيات والتعاونيات الفلاحية عليها تنظيم حملات تحسيس للفلاحين والمستهلكين لتعليمهم الطرق السليمة للجني والعصر والحفظ".

ويضيف تودرت في هذا السياق، أن "هناك منتجون حاولوا احتراف مهنة تعليب الزيت وتسويقه محليًا وتصديره، لكنه اصطدموا بمشكل السعر، حيث أن سعر الزيت الجزائري مرتفعٌ كثيرًا مقارنة بباقي زيوت الدول المنافِسة، حيث أن السعر المرجعي عالميًا هو 2.4 يورو تقريبًا، فيما وصلت قيمة إنتاج الزيت الجزائري إلى 4 يورو في المعاصر، دون احتساب مرحلة التعليب والاستيراد، ممّا يعني استحالة عرضه في الأسواق العالمية".

ويتطرّق رئيس جمعية لمنتجي زيت الزيتون أيضًا، لمشكل غياب مخابر متخصّصة في تحاليل زيت الزيتون في الجزائر، حيث يضطر المنتجون الذين يودّون التعرف على القيمة الغذائية لمنتوجهم من أجل تسويقه، للذهاب إلى الجارة تونس لإجراء التحاليل الكيميائية والذوقية التي يشترطها المجلس الدولي للزيتون، لمطابقة المنتوجات وهو ما ينجر عنه أتعاب إضافية، على حدّ قوله.

"العصابة" وزيت الزيتون

في حديث له مع القناة الإذاعية الأولى، كشف سعيد بختاوي، رئيس الجمعية الوطنية لزراعة وغراسة الزيتون، استنادًا لدراسة أنجزتها الخبيرة الأميركية نيكول ماس مع جامعات أميركية، أن الجزائر بإمكانها ربح ملايير الدولارات من المنتوجات الفلاحية، وخصوصًا منها ما تعلق بسوق زيت الزيتون، مشيرًا إلى أن "العصابة" تسببت في إفشال المشروع الأميركي.

وأشار بختاوي، إلى أن هذا المشروع الرامي لتعزيز إنتاج الزيت والزيتون في الجزائر" لم ينطلق بعد"، موضّحا أنّ الجزائر تعرّضت لجوسسة في المجال الاقتصادي والزراعي، جعلها تفشل في كثير من مشاريعها، من بينها المشروع الأميركي الخاص  بزراعة مليون هكتار من أشجار الزيتون في الجزائر.

ويُرتقب إنتاج 100 مليون لتر من زيت الزيتون، في جميع أنحاء الوطن، خلال حملة جني الزيتون 2019 -2020، حسب ما صرّح به شريف عوماري، وزير الفلاحة والتنمية الريفية والصيد البحري، لدى إعلانه على الانطلاق الرسمي لـموسم جني الزيتون من ولاية تيزي وزو نهاية تشرين الثاني/نوفمبر الماضي.

بعض المنتجين الجزائريين تمكّنوا من الحصول على عقود تصدير لزيت الزيتون الجزائري إلى بعض الدول خاصّة الأسيوية

تجدر الإشارة أن بعض المنتجين، تمكّنوا من الحصول على عقود تصدير لزيت الزيتون الجزائري، إلى بعض الدول خاصة الأسيوية، بعد مشاركتهم في بعض المعارض الدولية، لكن الكثير من العقود توقفت بسبب تسعيرة زيت الزيتون الجزائري، وهو ما يستوجب مساهمة فعلية من طرف الدولة لتثمين شعبة الزيت والزيتون، إن أرادت الجزائر الدخول بقوّة في بورصة الذهب الأخضر.

اقرأ/ي أيضًا:

ظاهرة انتشار الثعابين في منطقة القبائل.. بين التأويلات والتحذيرات

موسم جني الزيتون في الجزائر.. الغابة بيتنا