24-ديسمبر-2016

تواجه سائقات المترو في الجزائر مضايقات ونظرة ذكورية (فاروق بطيش/أ.ف.ب)

هي الوحيدة من بين 42 سائقًا في مترو الجزائر، اقتحمت عالمًا كان حكرًا على الرجال، وبتفوق في اختبارات قيادة هذه الوسيلة السريعة والحساسة التي تنقل أكثر من مليون شخص يوميًا في أنفاق تحت الأرض بين عديد أحياء العاصمة الجزائرية. من العمل كموظفة في شباك التذاكر في مترو الجزائر إلى سائقة مترو الأنفاق، السيدة سميرة مرزقان وحيدة وسط الرجال، تقود المترو من دون خوف أو عقدة تذكر. لأنها خاضت التجربة بعد أن طمحت لتغيير مجال عملها الروتيني نحو عمل يتيح لها بالاقتراب أكثر من المواطن الجزائري بمختلف فئاته والتعامل أيضًا مع أي طارئ.

سميرة مرزقان من أوائل النساء اللواتي بدأن العمل في قيادة المترو في الجزائر

في البداية كانت السيدة سميرة تعتقد أن قيادة المترو "صعبة جدًا"، كما تؤكد لـ"ألترا صوت" لكنها أرادت أن تخوض التحدي والتقدم لمسابقة توظيف سائقين لعربات المترو، وخاضت التحدي وفازت بنتيجة "القبول". واعتقد الكثيرون من محيطها والمقربون إليها، وخاصة في العائلة أو زملائها في المهنة بأنها تقول "نكتة " لكنها في الأخير أثبتت لهم أنها كانت تتكلم بجدية عن خوض التجربة.

 قصة دخول عالم قيادة المترو بدأت من إعلان بسيط يكشف عن مسابقة لتوظيف سائقي مترو، والأولوية ستكون للموظفين في المؤسسة. تقدمت للمسابقة لكنها بصراحة قالت إنها استبعدت أن تمر كل الامتحانات بردًا وسلامًا عليها، خصوصًا أنها الوحيدة التي تقدمت للوظيفة من بين العشرات من الرجال. كانت تشتغل في شبابيك بيع التذاكر للمسافرين. مهنة صارت بالنسبة لها "روتينية"، وليس فيها طموح أكبر، ولكن مع فتح الباب أمام توظيف سائقي المترو وحبها للاكتشاف زادها إصرارًا على اقتحام المهمة من دون صعوبات.

اقرأ/ي: المطلقات في الجزائر.. حقوق مهدورة وتحرش جنسي

تقدمت للوظيفة في اختبار "صعب جدًا" لأن قيادة المترو تعني التركيز والدقة والنباهة وصفاء الذهن والأمانة أيضًا، حيث شددت على أن "أهم اختبار" اجتازته هو الاختبار النفسي من اختبارات التركيز والدقة ثم اختبار عن مفاتيح وأزرار غرفة التحكم، ثم اختبار القيادة. وبعد أن مرت هذه الاختبارات بسلام، أخضعت إدارة المترو كل الفائزين إلى تدريب يومي مدته شهر ونصف لتعين عقبها كسائقة مترو وبنجاح، وبتشجيع من المسؤولين أيضًا.

الأهم في "سياقة" المترو هي لوحة التحكم في قمرة القيادة، بحسب سميرة، لكن أن أغلب الموظفين اشتغلوا سابقًا في وظائف لها علاقة بتسيير المترو واحتكوا أكثر مع المسافرين ومع المشاكل التي يمكن أن يقع فيها أي سائق في المحطات المتعددة، مشيرة إلى أن "مفاتيح التحكم في المترو هي أهم نقطة تحتاج لتركيز كبير للسائق، وهو ما يستدعي منه دومًا حضور الذهن أثناء عمله".

مواقف صعبة تتعرض لها السيدة مرزقان، فهي امرأة وأم لأربعة أطفال. وتجد نفسها يوميًا في صراع مع نظرة المجتمع والمحيطين بها، كما أكدت لـ"ألترا صوت"، أنها في غالب الأوقات تسكت عن الرد على تعليقات المواطنين.لكنها في النهاية لا تبالي بما يقال هنا وهناك، ففيما يشجعها الكثيرون في عملها. وهي تلقى الشجب من طرف البعض، لكن في كلتا الحالتين هي ماضية في تحقيق حلمها. بل وأكثر من ذلك هي تستمتع كل يوم تقود فيها عربات المترو، وتلتقي يوميًا الآلاف من المواطنين يركبون وينزلون وتقبل على مساعدة البعض، فهي تعترف بأن البدايات كانت صعبة مع امرأة في مجتمع لا يزال "ذكوريًا" وما زالت مثل هذه المهنة لصيقة بالرجل، لكنها اقتحمتها ووجدت ضالتها فيها.

تتعرض سائقة المترو لمضايقات ونظرة سلبية من المواطنين في الجزائر

مترو الجزائر يضم اليوم أكثر من 42 سائقًا، لكن الاستثناء الذي صنعته أربع سائقات سيفتح الباب على دخول النساء هذا المجال مادام القانون الجزائري وقانون وزارة النقل لا يمنع ذلك، تقول كلثوم، وهي أيضًا سائقة مترو وترامواي بالعاصمة الجزائرية.

وتلفت السيدة في مقابلة مع "ألترا صوت" إلى أنها في البداية كانت متخوفة من اجتياز الاختبارات للظفر بالوظيفة، التي ما زالت في عين الآخرين هي مقتصرة على الرجال، لكن مع مرور الوقت تمكنت من الحصول على مكانتها مع المنافسة الشديدة للرجال في هذه الوظيفة. ومن جانبها ترى زهرة (37 سنة)، وهي سائقة مترو أيضًا إن كانت قادرة عليها، مشددة على أن بعض المهن كانت حكرًا على الرجال، وموضحة بأنه "بإمكان الكثيرات من ولوج المهمة وبجدارة واستحقاق أيضًا". ولفتت زهرة إلى أنها خريجة المعهد الجزائري للتجارة وبقيت لسنوات دون عمل. وهو ما دفعها للدخول إلى عالم السياقة التابعة لمؤسسة "مترو الجزائر"، وتمكنت من سياقة الحافلات الحكومية ثم الترامواي ثم المترو، مشددة على أنها تملك الإرادة لمواصلة مهنتها التي تعملها بمتعة كبيرة ، وتصارع من أجل ذلك.

في أرض الواقع في الجزائر من الصعب أن تجد المرأة مكانة لها بين الرجال في مجالات ومهن اقتصرت لعقود من الزمن على الرجل، مثل سياقة سيارة أجرة أو سياقة ترامواي أو مترو وهي المهن التي تثير الكثير من اللغط و"المفاجأة" وأحيانًا الاستهجان عندما تمارسها المرأة. وفي الشارع الجزائري يعتقد الرجال أن المرأة لا تحسن القيادة بصفة عامة، بالنظر إلى الخوف الذي يعتريها في لقطة تسبق حادث أو تجاوز خطير فما بالك أن تسوق المترو، هكذا يرى عديد الجزائريين في تصريحات متفرقة لـ"ألترا صوت".

الكثيرون لا يرغبون في عمل المرأة، حيث ما زالت هذه الفكرة منتشرة في عديد المناطق الجزائرية بحسب الأستاذ في علم الاجتماع بجامعة بوزريعة بالعاصمة عز الدين قماس، رغم أن المرأة تمكنت من البروز في العديد من القطاعات وبكفاءة عالية ، يضيف قماس. مشيرًا إلى أن هناك "فئة ترى في العمل بالنسبة للمرأة عار أو عيب، ويفرضون عليها بعد الزواج أن تستقر في البيت لتربية الأطفال وفقط"، كما أن عديد الأزواج يشترطون عليها عدم العمل مادام الرجل مكتفيًا ماديًا، فيما يرى البعض أن "المهن التي يمكن للمرأة الاشتغال فيها تقتصر على التعليم وقطاع الصحة".

اقرأ/ي أيضًا:

الجزائر.. "من وين أجيب المهر؟"

أرامل الجزائر.. قصص تحدٍ ونجاح