05-سبتمبر-2019

يشرف رئيس الدولة على تعيين أعضاء الهيئة المستقلة لتنظيم الانتخابات (رياض كرامدي/ أ.ف.ب)

يتواصل الحراك الشعبي في الجزائر، وتسابق لجنة الحوار والوساطة الزمن، حيث أخذت على عاتقها مهمّة الحوار مع السلطة، من أجل صياغة عدّة تصورّات ومقترحات تهدف إلى إيجاد حلّ للأزمة، وصولًا إلى تنظيم انتخابات رئاسية فيب أقرب الآجال.

يعين رئيس الدولة المؤقّت 15 شخصًا من أعضاء مجلس السلطة المكلّفة بتنظيم الانتخابات

أخيرًا، أفرجت لجنة الوساطة والحوار عن تقريرها النهائي، في صيغة مقترحات أرسلتها للأحزاب السياسية، تضمّنت تعديلات وصفت بـ" الجوهرية"، على مشروعي القانونين العضويين المتّصلين بإنشاء وتنظيم عمل السلطة الوطنية للانتخابات، والقانون العضوي للانتخاب.

اقرأ/ي أيضًا: هل يفرض الحراك الشعبي منطقه على الجيش؟

قانونيًا، يتعلّق المقترح الأساسي للجنة الوساطة والحوار، بإنشاء سلطة وطنية لتنظيم ومراقبة الانتخابات، إذ جاء في الوثيقة التي تسلّمت "الترا جزائر" نسخة منها، أنّ سلطة تنظيم الانتخابات أو (المفوّضية/ اللجنة) كما اقترح أيضًا تسميتها، هي "هيئة دائمة مستقلة، تُمارس مهامها دون تحيّز، وتخضع للدستور والقانون فقط، وتتمتّع بالشخصية المعنوية أيّ الاستقلال الإداري والمالي".

وتعكف السلطة الوطنية المستقلّة للانتخابات بحسب المقترح، على إدارة وتنظيم والإشراف والمتابعة والرقابة على الانتخابات الرئاسية والتشريعية والبلدية، إلى غاية إعلان النتائج الأوليّة، مرورًا بكل عمليات تحضير الانتخابات والبثّ في المنازعات، وعمليات التصويت والفرز.

كما أشارت الوثيقة، إلى أن السلطة لها امتدادات على المستوى المحلّي والخارجي، تهدف إلى ما أسمته بـ" تجسيد وتعميق الديمقراطية الدستورية، وترقية النظام الانتخابي والاستفتائي، المؤدّي إلى الترسيخ الفعلي لمبدأ سيادة الشعب والتداول السلمي على السلطة، عن طريق انتخابات حرّة وشفافة".

تحييد الرئيس المؤقّت

اللافت أن "تشكيل السلطة المعنيّة بالانتخابات، سيكون من صلاحيات رئيس الدولة، غير أن لجنة الحوار والوساطة التي يرأسها رئيس البرلمان السابق كريم يونس، ضمّنت بندًا تحت عنوان كبير وُسِمَ بـ" أحكام انتقالية"، نظرًا  للظرف السياسي الذي تشهده البلاد، إذ اقترحت اللجنة في المادّة 30 من المقترح، أنه من "أجل تسهيل إجراء الانتخابات الرئاسية، والخروج من الأزمة في أحسن الظروف، يقوم رئيس الدولة بتعيين 15 شخصًا من أعضاء مجلس السلطة، بعد استشارة واسعة لفواعل المجتمع المختلفة"، واحتفظت الهيئة لنفسها إمكانية اقتراح مرشّحين لعضوية مجلس السلطة على الرئيس المؤقت.

بحسب الوثيقة، تتكوّن السلطة من 20 عضوًا بالإضافة إلى الرئيس والأمين العام، ولها عدّ مجالس على المستوى المركزي والولائي، ولجان بلدية على المستوى المحلّي، ولجان قنصلية ولجان على مستوى السفارات خاصّ بالجالية الجزائرية المقيمة في الخارج.

يتشكّل أعضاء هذه الهيئة من ثلاثة قضاة، وثلاثة محامين معتمدين لدى المحكمة العليا، وثلاثة أساتذة التعليم العالي، وعضو يمثّل الجالية الجزائرية في الخارج، وخمسة شخصيات وطنية مشهود لها بالخبرة والكفاءة والحياد وعدم التحزّب، وخمسة شخصيات من المجتمع المدني.

يُشترط في المرشّحين لعضوية مجلس السلطة، "ألا تقلّ أعمارهم عن 40 سنة، ويُعترف لهم بالكفاءة والسمعة الطيّبة والخبرة والاستقلالية، وشرط التنافي مع أيّة مهنة أخرى أو وظيفة أو مهنة حرّة أو نشاط تجاري، فضلًا عن عدم الانخراط في الأحزاب السياسية منذ خمسة سنوات على الأقلّ، بالإضافة إلى عدم تحمّل أيّة مسؤولية في الجهاز التنفيذي على المستوى المحلّي أو الوطني، مقترحة أن تكون مدّة عضوية الهيئة 8 سنوات غير قابلة للتجديد، ويتمّ التجديد النصفي لأعضائها كل أربعة سنوات".

كما جاء في المواد المرافقة لتشكيل هذه السلطة، إنشاء هيئات ولائية تسمى" المجلس الولائي للسلطة المستقلة للانتخابات"، يتشكّل كل مجلس ولائي من خمسة أعضاء، من بينهم قاضٍ ومحامٍ وثلاثة ممثلين عن المجتمع المدني.

صلاحيات تنظيمية

ونقلت المقترحات المنصوص عليها في الوثيقة، كلّ صلاحيات وزارة الداخلية إلى سلطة تنظيم الانتخابات، إذ جاء في المقترح أن "كل الصلاحيات التي يمنحها القانون العضوي للانتخابات للولاة ولمختلف إدارات الولاية، وأيضًا كل صلاحيات البلديات في المجال الانتخابي تُنقل للمجلس الولائي للسلطة"، علاوة على وضع كل الموظفين على مستوى الولاية والبلدية، الذي لهم علاقة بالانتخابات تحت تصرّف السلطة وفروعها عبر الولايات والبلديات".

كما جاء في مقترحات هيئة الحوار، أن إيداع ملفّ المترشّحين للانتخابات الرئاسية، يكون إلى السلطة الوطنية للانتخابات، خلافًا لما كان معمولًا به سابقا، إذ كان المجلس الدستوري هو الذي يتلقّى هذه الترشيحات، إذ تقوم سلطة الانتخابات، بفرز ودراسة ملفات المترشّحين لمنصب رئيس الجمهورية، وإصدار القائمة النهائية، كما تتكفّل الهيئة أيضًا باستلام ترشيحات المجالس البلدية والولائية.

في هذا السياق، ترى نورية سلطاني، الخبيرة القانونية بأنّ المقترحات المتعلقة بإنشاء السلطة الوطنية للانتخاب هي من روح المواد الدستورية، مشدّدة في تصريح لـ" الترا جزائر" بأنّ نجاحها يتمّ عبر "تمسكها بكل الصلاحيات وتفعيل دورها فعليًا في العملية الانتخابية ككلّ، ما يجنّب بالانتخابات واستغلال وصلاحيات المجلس الدستوري.على حدّ قولها.

سياسيًا، إنشاء هيئة مستقلّة للإشراف وتنظيم الانتخابات، في نظر البعض، يُعتبر مكسبًا مهمًا برأي متابعين للشأن السياسي في الجزائر، هنا، يقول عبد القادر دحو، الأكاديمي المختصّ في العلوم السياسية، أنّ الهيئة المستقلة لتنظيم الانتخابات، تضمن إلى حدّ ما نزاهة الانتخابات وبذلك يُسحب تنظيمها من السلطة والإدارة، وهو ما يقلّص تدخل الإدارة والسلطة في التلاعب بالقوائم والترشيحات والنتائج. على حدّ تعبيره.

كما يعتقد الأستاذ دحو في تصريحه لـ"الترا جزائر"، أنّ "السلطة وجدت نفسها مضطرة لتقديم هذا التنازل لصالح المعارضة، بعدما كانت تُعتبر في السابق هذا المطلب غير مقبول".

ضمانة أساسية

ميدانيًا، يبدو الوقت في الوقت الحالي، غير كافٍ لتشكيل آليات العمل التي تضمّنتها المقترحات لعمل السلطة المستقلة، وغير مناسب أيضًا "لتهيئة كل الظروف المواتية لإجراء انتخابات"، إن افترضنا أنّ هناك استجابة الرئاسة لاقتراح رئيس أركان أحمد قايد صالح، الذي دعا إلى ضرورة استدعاء الهيئة الناخبة في الـ 15 سبتمبر/ أيلول الجاري.

من جهته، يعتبر الناشط السياسي فريد سعدون، في حديث إلى "الترا جزائر"، أنّ المقترح فيه الكثير من الإيجابيات، بفضل تحييد المجلس الدستوري من العملية الانتخابية، معتبرًا أنّ ذلك سابقة في تاريخ الجزائر وضمانة أساسية في الانتخابات، إذ منذ الاستقلال كانت الأمور تسير تحت إشراف الإدارة وزارة الداخلية والمجلس الدستوري، بصفتهما مؤسّستين غير منفصليتن عن الرئاسة والحكومة. على حدّ قوله.

بغض النظر عن نجاح لجنة الحوار والوساطة، في لملمة أطراف العملية السياسية في الجزائر، يعتقد سعدون، أنّ "إنشاء هيئة مستقلة للإشراف وتنظيم الانتخابات، هي محاولة لإرضاء أحد مطالب الحراك الشعبي، وهو نفسه أيضًا مطلب المعارضة، لأنّ المعارضة أيضًا رفعت مطلب الهيئة المستقلّة منذ خمس سنوات، يضيف المتحدّث.

المقترح بيد الأحزاب

في مقابل ذلك، تسلّمت مختلف الأطياف السياسية المقترحات من قبل لجنة الحوار للإطلاع عليها، هنا، يعلّق الأمين العام لحركة البناء الوطني عبد القادر بن قرينة، في تدوينة على حسابه بموقع فيسبوك، أن "منطق التعيين المكرّس في المشاريع المقترحة من طرف هيئة الوساطة والحوار مؤسفٌ حقًا ، يستبدل سلطة وزارة الداخلية، بسلطة أخرى معينة من طرف رئيس الدولة، وهذا منافي تمامًا للمأمول والمتوقّع".

ووصف بن قرينة هذه المقترحات بـ "الصادمة "، واستطرد قائلًا: "يجب تشكيل سلطة وطنية مستقلّة حقيقة، عن طريق الانتخاب بعيدًا عن التعيين من السلطة القائمة، وعدم تهميش فئة الشباب من أيّة مؤسّسات سوف تتشكل لاحقًا، وأن تشريع المقترح يقتصر خصوصًا على إجراء انتخابات رئاسية نزيهة دون استحقاقات أخرى".

في سياق متصل، ينجرّ على قانون إنشاء الهيئة المستقلة للانتخابات، ووضع العملية الانتخابية برمّتها تحت سلطة ووصاية الهيئة، بالإضافة إلى تعديل بعض مواد قانون الانتخابات، مثل البند المتعلّق بمنح صلاحية تحديد قائمة المرشحين للانتخابات الرئاسية، إلى السلطة الجديدة، ومنح الأخيرة صلاحية مسك قوائم الناخبين وتسجيلهم وتحيين القائمة وغيرها من التعديلات.

مقترحات لجنة الوساطة جاءت بعد دعوة قائد الأركان إلى استدعاء الهيئة الناخبة منتصف هذا الشهر

في انتظار طرح هذه الوثيقة على البرلمان لمناقشتها، يأتي الإفراج عن هذه المقترحات ساعات معدودات من دعوة نائب وزير الدفاع الجزائري ورئيس أركان الجيش الفريق أحمد قايد صالح مساء الاثنين الماضي، من ولاية ورقلة جنوب البلاد، إلى ضرورة الإسراع في إجراء الانتخابات الرئاسية.

 

اقرأ/ي أيضًا:

أول جمعة بدون بوتفليقة.. وعيُ الحراك الشعبي بمطالبه

جداريات الغضب.. حاجز أمني يتحول منصةً لرسائل الحراك الشعبي