29-مايو-2022

(فاروق باتيش/Getty)

مرّت منذ أيام سنة كاملة عن أوّل انتخابات تشريعية في الجزائر بعد حراك 22 شباط/فيفري 2019، والتي سمحت لأوّل مرّة بتمكين فئة كبيرة من الشباب دون الأربعين سنة من افتكاك مقاعد في البرلمان، وتوديع نواب آخرين وصفوا إعلاميًا بـ "ديناصورات" المجلس الشعبي الوطن"، بعد أن عمّروا لعدّة عهدات متتالية، بمبنى الهيئة التشريعية.

ملف تجريم الاستعمار الذي لم يشهد أيّة خطوة رغم المعطيات التي شهدتها العلاقات بين الجزائر وفرنسا هذه السنة

رغم أن البرلمان الجديد كان وليد الحراك الشعبي، إلّا أن انتقادات كثيرة رافقت المنتخبين الجُدد من حيث الأداء والالتزام والنتائج منذ الأسابيع الأولى لمباشرة عملهم النيابي، جعلت البعض يضعهم اليوم، مع اقتراب اختتام السنة البرلمانية، تحت مجهر التقييم، رغم أن الانتخابات جاءت كتجربة استثنائية بعد مخاضٍ عسير سبقته مراحل هامّة وأحداث كبرى، في حين يدعو آخرون إلى ترك المزيد من الوقت للنواب الجدد، الذين لم تنقضِ إلى اليوم سنة واحدة من عهدتهم الأولى.

يردّ بعض السياسيين على الانتقادات الموجّهة لبرلمانييهم، أو حتى للنوّاب من فئة "الأحرار" غير المتنتمين للأحزاب، بأن "هؤلاء مثل الوزراء الجدد الذين دافع عنهم رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، لا تزال تنقصهم الكثير من الخبرة والتجربة في الحياة النيابية مقارنة مع سابقيهم، ولكن رغم ذلك أثاروا بعض الملفات الهامة وحاولوا تحريك تحقيقات ميدانية تتعلق بالاحتكار والمضاربة والتلاعب بقُوتِ الجزائريين والتهرّب الضريبي، وأوفدوا بعثات استعلامية في قضايا تهمُّ المواطن بالدرجة الأولى".

ويعلّق تيّار المعارضة (من خارج البرلمان) على هؤلاء بالقول بألا شيء تغيّر بين نواب العهدات الماضية والتي يصفها الكثيرون بالفاقدة للشرعية، وممثلي العهدة الحالية الذين لم يتكيّفوا إلى اليوم مع الدستور الجديد والقوانين المنبثقة عنه، ناهيك عن فشلهم في مناقشة قانون المالية لسنة 2022، وتمريرهم لرسوم وزيادات أرهقت جيب المواطن، لولا تدخّل رئيس الجمهورية شخصيًا لإلغائها، وكانت القطرة التي أفاضت الكأس ملاحقتهم بقضايا رفع الحصانة والتنافي مع العهدة التشريعية.

ملفات عالقة

مع بداية العد التنازلي لاختتام السنة البرلمانية، والتي يُرتقب أن تكون مطلع شهر تموز/جويلية المقبل، عادت إلى الواجهة قضية الملفات العالقة بمكتب المجلس الشعبي الوطني، والتي لم يُفصل فيها لحدّ الساعة من طرف الهيئة التشريعية، رغم أن بعضها موروث عن البرلمان السابق من بينها ملف تجريم الاستعمار، الذي لم يشهد أيّة خطوة، رغم المعطيات التي شهدتها العلاقات بين الجزائر وفرنسا هذه السنة، وأيضًا بعض القوانين التي لم ترَ النور إلى حدّ اليوم.

وجاءت تجربة المجلس الشعبي الوطني في عهدته التشريعية التاسعة بناءً على مخرجات الحراك الشعبي، في خطوة استثنائية تلقّت فيها أحزاب الموالاة والمعارضة على حدّ سواء انتقادات شعبية واسعة، كما أن هذا البرلمان جاء بعد تعديل قانون الانتخابات وسجال سياسي حاد، دفع بالرئيس تبون لحلّ البرلمان للمرة الثانية في الحياة التشريعية في الجزائر، بعد حلّ الهيئة التشريعية سنة 1992، ليأتي البرلمان الجديد بتركيبة مختلفة عن المجالس السابقة، ويضم شباب أقل من 40 سنة.

إلى هنا، يرى البرلماني عن حركة مجتمع السلم، ونائب رئيس المجلس الشعبي الوطني يوسف عجيسة، في تصريح لـ"الترا جزائر" أن أهم الملفات العالقة التي تُعيق عمل الهيئة التشريعية اليوم بعد قرابة سنة من تنصيب المجلس الشعبي الوطني هي القوانين العضوية المنظمة لعمل البرلمان والحكومة والتي يجب تحيينها مع دستور 2020.

واعتبر عجيسة، أنّ "النظام الداخلي للبرلمان الذي يُفترض أن يتكيّف مع الأحداث والأوضاع والتحدّيات، هو الآخر لم يخضع للتحيين منذ 20 سنة، حتى بعد الحراك الشعبي، وطالب بـ "مزيد من التوضيح اليوم لدور البرلماني في الرقابة الدبلوماسية والسياسية والتشريعية.".

وحسب نائب "حمس"، فإن أحد أسباب بقاء الملفات عالقة في البرلمان أيضًا، هي تغلّبُ العمل الإداري على العمل النيابي داخل المجلس، داعيًا إلى "وقف تدخّل الإدارة في كل صغيرة وكبيرة في عمل النائب.".

ميزان المختصين

في مقابل ذلك، يقول المحلّل السياسي وعضو المجلس الشعبي الوطني علي ربيج في تصريح لـ"الترا جزائر" أنّه من بين إيجابيات المجلس الشعبي الحالي في تركيبته الجديدة هو الحركية التي شهدها النشاط البرلماني، لافتًا إلى أنّ "أكثر حركية نيابية عرفتها لجان المجلس، سواءً ما تعلّق بالخرجات الميدانية للبحث والتقصي وكذا استقبال مسؤولي القطاعات الوزارية للاستماع للانشغالات وتنظيم لجان التحقيق"، مستدلًا بما قامت به لجنة التحري في أسباب أزمة الزيت.

أما الأمور التي تُعاب على النواب، حسب المتحدّث، فهي "نقص الخبرة في الممارسة السياسية، سواءً تعلّق الأمر بمناقشة القوانين أو طرح الأسئلة أو لجان العمل مع الخارج، والتقصير في العمل الرقابي على أداء أعضاء الحكومة".

كما يُحصي رئيس الكتلة البرلمانية لحزب جبهة المستقبل، فاتح بوطبيق، في إفادة لـ"الترا جزائر" بعض نجاحات النواب في سنتهم التشريعية الأولى، منها التوافق بين الكتل البرلمانية من خلال الاتفاق على أرضية عمل موحّدة تتميز بالاحترام والإصغاء بين الجميع. ليردف أنّ "الفترة كانت مبنية على الحرية والاحترام بعيدًا عن الانفلات اللفظي الذي شهدته العهدات السابقة".

واعتبر بوطبيق ذلك "نجاحًا هامًا في التسويق السليم للمواقف السياسية بعيدًا عن التراشقات لبناء جبهة وطنية قويّة، حيث أن البيئة التي تم خلقها داخل المجلس سمحت بتجاوز كافة الِصدمات السياسيّة من أجل خلق سندٍ سياسي يخدم المصلحة العليا للوطن".

ومن بين الإخفاقات،وفق المتحدّث، أن البرلماني لا يزال محرومًا من حقوقه، مثل الأسئلة الموجهة للطاقم الحكومي، وأيضًا بعض الأسئلة التي تحظى بالتجاهل ولم يتم الرد عليها من قبل الوزراء، على حدّ قوله.

كما اعترف رئيس الكتلة البرلمانية بـ"ضعف القوانين المقترحة من طرف الزملاء (النواب)، فكل القوانين المناقشة لحدّ الساعة أتت بها الحكومة وهو ما لا يخدم دور البرلماني في التشريع"، منتقدًا في الوقت نفسه، قرار النواب تمرير رسوم وزيادات في بعض المواد الأساسية عبر قانون المالية لسنة 2022، التي جمّدها مجلس الوزراء بعد الضّجة الشعبية.

هل البرلمان مُكبّل؟

هنا، يُعيب الكثيرون على البرلمان الحالي بأنه مُكبّلٌ ورهينة الصورة النمطية التي ميّزت العمل التشريعي في النظام السابق، بحيث يبقى المجلس الشعبي الوطني مُجرّد هيئة لتمرير قوانين وملفات تأتي بها الحكومة، دون تغيير أو تعديل أو إسقاط، وهو الطرح الذي يرفضه النائب بوطبيق، مؤكدًا أن النواب يشتغِلون اليوم للحفاظ على مكاسب الشعب وتغيير الصورة النمطية التي ميّزت الغرفة السُفلى لعقود من الزمن وأيضًا مُسايرة الجهاز التنفيذي.

كما يدعو النائب عن حزب عبد العزيز بلعيد، إلى "عدم التسويق للبرلمان على أنه جهاز فاشل أو ضعيف"؛ ليدافع في الصدد بالقول: "هناك كفاءات داخل المجلس يجب منحها الفرصة لتثبت نفسها".

واستدرك: "بعض الملفات كبّلت البرلمانيين، وملفي الحصانة وحالات التنافي مع العهدة البرلمانية، التي لا تزال تلاحق النواب، وتجعلهم عاجزين عن التفرغ لدورهم الرقابي والتشريعي، دليلٌ على ما أقول".

ليتساءل بوطبيق هنا: "كيف يشتغل نائب مهدّد برفع الحصانة عنه، أو الطرد من البرلمان بحجة أنه متواجد في حالة تنافي مع العهدة التشريعية، إذ يتم إشهار هذه الورقة في وجهه بعد سنة من انتخابه؟".

أما البرلماني السابق لخضر بن خلاف، فيرى في تصريح لـ"الترا جزائر" وبعيدًا عن ملفي الحصانة والتنافي، أن هنالك ركود تام على مستوى البرلمان الحالي وتراجعٌ عن المكتسبات المحقّقة في البرلمانات السابقة، رغم أنها كانت مطعونة في شرعيتها، إلا أن الكثير من النواب حسبه، وقفوا ضد أزلام "العصابة"،ووجهوا أسئلة شفهية وكتابية حرجة للوزراء، وفتحوا تحقيقات.

تحدّيات..

ويشدّد بن خلاف على أنّ عدة تحديات تنتظر النواب اليوم، منها مباحثة حلول لمشاكل القدرة الشرائية التي ترهق المواطن الجزائري، والعديد من الملفات الاقتصادية والاجتماعية على رأسها "الدعم الموجّه" والذي ينتظر أن يوضع على طاولة الهيئة التشريعية قريبًا.

ووفق النائب السابق، فإن فالنواب مطالبين بالدفاع عن الفئات الهشة والطبقة المعوزة والفقيرة، خاصة وأن رفع الدعم سيمس عددًا من المواد ذات الاستهلاك الواسع، ومن بين التحديات أيضًا، التي تنتظر البرلمانيين، مواجهة الصدمات الخارجية التي يعيشها العالم في ظلّ الحرب الروسية الأوكرانية، عبر تقديم مقترحات للتعايش مع المرحلة المقبلة، يردف بن خلاف.

داخليًا، يرى القيادي في حزب العدالة والتنمية، أن النواب سيكونون على موعد مع مناقشة بعض القوانين الهامة على رأسها الاستثمار والقانون التجاري، وتقييم أداء الميزانية ووقف الصرف العشوائي للأموال، وأيضًا مناقشة القوانين العضوية للبرلمان، والتعجيل في الفصل في النظام الداخلي للمجلس وقانون الجمعيات والنقابات الذي لم يعدّل منذ سنة 1992.

يبقى الوقت مبكرًا لقول كلمة الفصل في مستوى وأداء البرلمان الحالي

وفي خضم كافّة هذه المعطيات، ورغم كل ما تحقّق وما لم يتحقّق في السنة الأولى للعهدة التشريعية الجديدة، يبقى الوقت مبكّرًا لقول كلمة الفصل في مستوى وأداء البرلمان الحالي، إلّا أن النواب يظلون مطالبين ببذل جهود إضافية ليكونوا عند حسن ظنّ الشعب، ويلعبوا دورهم الأساسي في تشريع القوانين وفرض الرقابة على أداء الحكومة.