30-مارس-2021

الانتخابات التشريعية ستجرى في الـ 12 جوان المقبل (تصوير: فاروق باتيش/ أ.ف.ب)

تشهد الانتخابات البرلمانية في الجزائر المقبلة المقررة في 12 جوان/حزيران المقبل، حضورًا طاغيًا للقوائم المستقلة، وذلك للمرّة الأولى في تاريخ الانتخابات الجزائرية، إذ يتفوّق عدد قوائم المستقلين على مجموع قوائم الأحزاب السياسية المرشّحة في الولايات الـ 58، علاوة على المناطق الأربع للجالية الجزائرية في الخارج، بسبب جملة من العوامل السياسية والقانونية التي وفّرت مناخا مساعدا لما يمكن وصْفه بطوفان القوائم الحرة.

لأوّل مرة في الجزائر تتفوّق القوائم المستقلة المرشحة للانتخابات على مجموع قوائم الأحزاب السياسية في الولايات الـ 58

بالأرقام، كشف السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات أن 3270 قائمة مرشحة أعلنت نيتها المشاركة في الانتخابات، وسحبت استمارات الترشّح، من بينها 1420 قائمة حزبية تمثل ما يقارب 50 حزبًا سياسيًا، و1863 قائمة مستقلّة، فيما بلغ عدد المترشحين 10702 مترشّحًا. 

اقرأ/ي أيضًا: قانون الانتخابات الجديد.. هل سيكون البرلمان القادم مختلفًا؟

الأحزاب والشارع

سياسيًا، تذهب قراءات أولية إلى أن الجزائر تعرِف مرحلة متحركة سياسية منذ بدء الحراك الشعبي في الـ 22 فيفري/شباط 2019، ودعوات المواطنين المحتجّين إلى انسحاب الوجوه والأحزاب المحسوبة على المنظومة السياسية الحاكمة السابقة زمن حكم الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، وهي الدعوات التي سيطرت على المشهد الحراكي في الشارع، واتساع الهوة بين المواطن والأحزاب التي وسمت لفترة طويلة بأحزاب الموالاة أو أحزاب السلطة، فضلًا عن الوجوه التي مثلتها خلال عقدين من الزمن. 

هذه الحقيقة، التي يصفها متابعون للشأن السياسي في الجزائر بـ "الفجوة الكبرى بين الشعب والأحزاب العتيدة والوجوه السياسية التي ساندت الرئيس بوتفليقة"، إذ باتت اليوم تشكّل حاجزًا قويًا بين المواطن والسلطة السياسية في البلاد كمؤسّسات الحكم وأهما الرئاسة والبرلمان بغرفتيه الحكومة وجهاز القضاء أيضًا، إذ يفسّر الباحث في العلوم السياسية عبد القادر جغلاف ذلك بـ "القطيعة النفسية لفواعل سياسية عمرت طويلًا على مشهد الساحة السياسية". 

وأضاف الأستاذ جغلاف في حديث لـ "الترا جزائر"، أن "الأحزاب السياسية الآن أمام فيصل قوي هو الشعب الرافض لتلك الوجوه التي باتت في مخيلته الاجتماعية سبب الأزمة، وسبب التراجع الاجتماعي والاقتصادي وبزوغ ملفات الفساد التي يعالجها القضاء اليوم، ماهي إلا أحد تلك الحواجز التي تشكّل جزيئة من تلك القطيعة". 

وذهب الباحث إلى اعتبار أن المحطّات السياسية الكبرى في الجزائر أثبتت "مدى صعوبة التحكّم في الآلة الانتخابية من جهة الناخبين، والنتائج التي أفرجت عنها السلطة المستقلّة للانتخابات دليلٌ على ذلك سواء في انتخابات الرئاسة في نهاية 2019، واستفتاء الدستور التي كانت نسبة المشاركة دليلٌ قاطع على صعوبة عودة الثقة للناخبين واهتمامهم بالمواعيد الانتخابية. 

إغراءات سياسية وقانونية

سياسيًا دائمًا، تصريحات الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون ودعوته للشباب للمشاركة في الانتخابات من بوابة البرلمان ودعوته أيضًا للمجتمع المدني في الانخراط في العملية الانتخابية، يُعتبر أحد الإغراءات السياسية للمترشحين الأحرار، والابتعاد شيئًا فشيئًا عن التخندق تحت قوائم الأحزاب القديمة التي ورثت تركة ثقيلة من المنظومة السابقة، وهو المنحى الذي اعتبرته بعض الأطراف جزءٌ من توجّه للمترشحين نحو القوائم المستقلة وحتى من المناضلين في الأحزاب المحسوبة على المنظومة السابقة والذين يرون أن نصيبهم سيكون " خاويًا" في الانتخابات القادمة بحجة تلك التركة. 

إن مثل هذا المعطى، كما لفت إليه الناشط السياسي وليد يهناس بولاية الجلفة جنوبي الجزائر، يُعتبر أحد مقومات تهاطل الأسماء المترشّحين في القوام الحرة، في محاولة " لكسب ثقة المواطنين التي فقدوها مع مرور السنوات"، على حدّ تعبيره. 

الحكومة تبنّت خطابا يشجّع ترشّح الشباب، كما أشار بهناس، قائلًا إن الرئيس تبون أمر الولاة التكفل بطبع الملصقات الانتخابية، وأمرهم أيضًا بوضع آلية لتمويل حملات الشباب، تضمن أيضًا توفير دعم مادي لصالح ترشّح الشباب في القوائم المستقلّة وقوائم مكوّنات المجتمع المدني.

علاوة على ما سبق، هناك إغراءات قانونية للقوائم المستقلة، استثناء في الانتخابات البرلمانية القادمة، إذ يشجّع قانون الانتخابات فئات عديدة على الترشّح فضلًا عن تخفيض التوقيعات المطلوبة في القانون السابق بنسبة 150 بالمائة، إذ ينصّ على جمع 100 توقيع فقط عن كل مقعد، بدلًا من 250 توقيع لكل مقعد بحسب كل ولاية، كما كان معمولًا به في القانون السابق. 

الوعاء الانتخابي في الزاوية 

ومن هذا المنطلقات، فإن ضعف الأحزاب السياسية خاصّة الموالية للسلطة وانهيارها التنظيمي بعد تخلي السلطة عنها، دفع بالعشرات الشباب الكوادر الشابة من هذه الأحزاب الى التوجه نحو تشتيت القوائم المستقلّة، وهو ما يعني أننا سنكون أمام مشهد انتخابي أفقي متعدّد القوائم والوجوه، ما يؤثّر على نتائج الانتخابات على الورق.

هناك مخاطر أو محاذير سياسية وانتخابية في هذا الطوفان للقوائم المستقلّة، والذي يوصف بتعويم المشهد الانتخابي، حيث يصبح الناخب أمام عشرات القوائم، ما يُسهم بحسب المختصّين إلى "تشتيت الوعاء الانتخابي، وبالمحصلة ستكون النتيجة هي تشتيت المقاعد في الغرفة السفلة للبرلمان الجزائري". 

 القوائم المستقلة ستعيدنا إلى أطروحة التكوين السياسي والممارسة الانتخابية السابقة

رغم حسنات التغيير في المشهد السياسي، ورفع يد الأحزاب الموالية للنظام السابق على منظومة الانتخابات برمتها، إلا أن القوائم المستقلة ستعيدنا إلى أطروحة التكوين السياسي والممارسة الانتخابية السابقة، ومدى علاقتها بالفعل السياسي في التأسيس لمنظومة انتخابية ترافع في البرلمان من أجل القوانين، خاصّة وأن فترة تشكيل هذه القوائم لم تمنح الفرصة للشباب لتجربة قوّة الطرح والمشاريع والبرامج، سنرى نتائجها على مستوى الغرفة التشريعية ومدى اتفاق أعضائها على الإقرار بالمشاريع والمرافعة لأجل مصالح المواطن. 

 

اقرأ/ي أيضًا:

مشروع قانون الانتخابات.. تغيير نمط الاقتراع وفرض شروط جديدة للترشح

قانون الانتخابات الجديد.. نحو حلّ مشكلة المال الفاسد والعزوف الانتخابي