25-يونيو-2023
(الصورة: فيسبوك)

سوق الكباش بالعاصمة (الصورة: Getty)

تحتفظ الأحياء والأزقّة والأمكنة في الجزائر، بحكايات عن "العيد الكبير" كما يُسمّى محليًا؛ حيث اكتسبت عبر مرور الزمن خصوصية ارتبطت في الذاكرة الشعبية بطقوس عيد الأضحى وحركيته.

تعتبر منطقة الحراش تاريخيًا منطقة لرعي الأغنام حيث أن الضاحية الشرقية للعاصمة عُرفت كممرٍّ ومعبر لعديد من القبائل الرحل

قبيل عيد الأضحى تصطف على الأرصفة طاولات بيع السكاكين والسواطير والخناجر، وتنتعش تجارة شحذ السكاكين القديمة.

قُبيل عيد الأضحى، توحي التمظهرات الشعبية في الجزائر باقتراب هذا الموعد، من خلال ديكورات الشوارع و"سينوغرافيتها" وحركة الناس وطقوسهم، حيث تصطف على الأرصفة طاولات بيع السكاكين والسواطير والخناجر، وتنتعش تجارة شحذ السكاكين القديمة (الرحيْ).

أما خلال أيام العيد فيعرض شباب الأحياء خدماتهم في الشارع على طاولات مخصّصة لتنظيف رؤوس الأضاحي وأرجلها بحرقها بالنار أولًا لإزالة الصوف عنها أو ما يسمى بـ "التشواط"، ويتأهبون لتقطيع اللحوم بالمعدات الكهربائية الحديثة.

سوق المواشي بالحراش

يُعد حي الحراش من أعتق الأحياء الشعبية بالضاحية الشرقية للعاصمة، وتصبح له خصوصية مميّزة بمناسبة العيد الأضحى، حيث كان يتوافد إليه آلاف المواطنين الراغبين في شراء خروف العيد في الماضي، ودأب على ذلك الأجيال المتلاحقة لعقود من الزمن، حيث يقصده العديد من الفضوليين لاكتشاف أسعار ونوعية الأغنام؛ حيث اكتسب سوق الحراش للماشية سُمعة وطنية في نوعية الكباش المعروضة هناك، وأقدمية مربّي الماشية.

ورغم ارتفاع أسعار كباش العيد بسوق الحراش مقارنة بباقي الأسواق المنتشرة في أنحاء الوطن، ما يزال غالبية سكّان العاصمة وضواحيها يفضّلون سوق الماشية الواقع بمنطقة الحراش.

مقام تجمع الجزائريين 

في هذا السياق، يُعدّ سوق الحراش للماشية من بين أفضل الأسواق، وفضاءً اكتسب سمعة جيّدة عبر عقود سابقة، إذ يتعدّى السوق مجال عرض الماشية فحسب، بل يَحمل خُصوصيّات تاريخية واجتماعية واحتفالية، إذ تُعتبر منطقة الحراش تاريخيًا منطقة لرعي الأغنام، بما أنّ الضاحية الشرقية للعاصمة عُرفت كممرٍّ ومعبر لعديد من القبائل الرحل، التي تتخذ من تربية المواشي مصدرًا للرزق والتجارة، إضافة على توفّر منطقة الحراش منذ القدم على مساحات واسعة من الشجيرات والنباتات ووفرة المياه.

علاوة على ذلك، يُعتبر سوق الماشية بالحراش من أقدم أسواق الماشية بالجزائر العاصمة وضواحيها المؤطّر والمنظم وفق التنظيم الإداري، وقد استقرّ السوق الماشية في المنطقة الشرقية للعاصمة بعد قرار من السلطات الاستعمارية الفرنسية، إذ خُصّص ذاك المكان لبيع خروف العيد للأهالي والمسلمين خصوصًا.

 إلى هنا، كان الجزائريون إبان الفترة الاستعمارية يقصدون سوق المواشي بالحراش قبيل عيد الأضحى لشراء خروف العيد، بصفته فضاءً يجمع المسلمين والجزائريين عند اقتراب موعد العيد الأضحى. هذا الفرز الاستيطاني جعل من سوق الماشية بالحراش رمزًا للتمييز الديني عند الجزائريين عن غيرهم من المعمّرين.

وعلى ضوء ذلك تَشكل في الضمير الجمعي عند سكّان العاصمة وضواحيها منذ الفترة الاستعمارية، أن مدينة الحراش كانت عنوانًا للانتماء الديني الإسلامي، ومصدرًا مكانيًا لتحقيق شعيرة من شعائر الإسلام ونقطة تفصل بين الجزائريين والمستوطنين الأوروبيين.

 مدينة الحراش

تاريخيًا، عرفت الضاحية الشرقية للعاصمة عدة تسميات، على غرار برج القنطرة المعروف بـ "بلفور" وبرج الأغا أو الأوجاق، وبرج يحيى أو برج الكيفان، إضافة إلى تسميات أخرى مثل برج الحراش وذراع الحراش، تشير الأسماء كلها إلى الموقع الاستراتيجي التي تحظى بها المنطقة التي خُصّصت للرباط والحصانة إبان فترة حكم العثمانة بالجزائر، وأطلقت عليها سلطات الاستعمار الفرنسي اسم البيت المربع " la maison carrée " نظرًا إلى الطابع الهندسي المربع للمدينة وهذا منذ الفترة إيالة الجزائر.

استقرّ اسم مدينة الحراش مباشرة بعد الاستقلال، ويَعد أصل التسمية بحسب بعض المصادر إلى كلمة الأحراش ومفردها "حرش"؛ أي المكان التي تنمو فيه شجيرات متوسطة الطول وأقل من كثافة الغابة، فيما تذهب بعض المصادر أن أصل التسمية تعود إلى "حرش" باللغة العامية والتي تعني "خشن اللمس أو الملمس".

اأقرب التسميات للمعنى، بحسب متابعين، هو الفرضية الأولى أي الأحراش التي تعني الشجيرات، والتي عرفت بها المنطقة نظرًا للمناخ الرطب التي تميزت به الضاحية، وهذا نتيجة تواجد واد الحراش الذي يبلغ 67 كلم، ويَنطلق من جبال من الأطلس البليدي ممتدًا من مدينة المدية إلى مصبّه في البحر الأبيض المتوسط.

القبيلة العوفية

في سياق متصل، عُرفت منطقة الحراش بمقاومة الأهالي للاستعمار الفرنسي، إذ كان سكانها في الصفوف الأولى لصد التوسع الاستعماري نحو الشرق الجزائري، وقدّموا تضحيات جسامٍ بالمنطقة.

 ومن الأهالي الذين قاوموا الاستعمار، قبيلة العوفية التي استقرت في منطقة الحراش منذ القدم وجاور أراضيها الأتراك دون منازعات، إلى غاية الـ 6 من شهر نيسان/أبريل سنة 1932.

مع تقدم القوات الاستيطان الفرنسي تم إبادة قبيلة العوفية بشكلٍ كامل أو ما يعرف تاريخيًا بـمذبحة العوفية التي راح ضحيّتها أكثر 1200 جزائري من أطفال ونساء وشيوخ وشباب، وتُعدّ أول مجزرة وحشية مباشرة بعد العزو الفرنسي سنة 1830 بقيادة "دو روفيڨو".

وجرت الإبادة الجماعية بعد مقاومة قبيلة العوفية، ورفضها مغادرة أراضيها والاعتراض على سياسة تهجير الساكنة.

مقام سيد مبارك

وتتربع الحراش اليوم على مساحة 12 كلم مربع، وشهدت عدة تقسيمات إدارية وتنظيمية، وتضم عديد من الأحياء الشعبية على غرار المحمدية وبومعطي وحي جنان مبروك وحي ديار الجماعة، ومنطقة القنطرة، ومحطة القطار، وحي ديصولي، وحي الجبل، وغيرها من الأحياء الشعبية.

وتعد تسمية سيدي مبارك إلى أصل أقدم العائلات التي استقرّت بمنطقة الحراش، نسبة إلى الوالي الصالح سيد مبارك التي رحلت من منطقة القليعة إلى الحراش.

ارتبطت منطقة الحراش مؤخرًا بتشييد المسجد الأعظم في حي المحمدية، وتُشكل التسمية والبناية عنوانًا لاستئصال والقطيعة مع واحدة من المخلفات الاستعمار الفرنسي

ختامًا، ارتبطت منطقة الحراش مؤخرًا بتشييد المسجد الأعظم في حي المحمدية، وتُشكل التسمية والبناية عنوانًا لاستئصال والقطيعة مع واحدة من المخلفات الاستعمار الفرنسي، حيث أطلق على المنطقة اسم "لافيجري" وهو رئيس أساقفة الجزائر الذي تم تعينه سنة 1897، والذي عمل على مخطط تنصير الأيتام الجزائريين الذين قضت عائلتهم في أزمات الأوبئة والأمراض والمجاعات، وكان الاستعمار الفرنسي من أهم أسباب الكوارث التي مست الجزائريين، أما تغييرها اسمها المحمدّية فهو في إطار سردية الردّ على هذه التسميات الاستعمارية، بما يوحي إلى الرسالة المحمدية.