26-أغسطس-2019

تبعد بعض المناطق الجنوبيّة عن العاصمة بأكثر من 2000 كيلومتر (فاروق بتيش/ أ.ف.ب)

لقي تخصيص حكومة نور الدّين بدوي جسرًا جوّيًّا لنقل أنصار الفريق الوطنيّ لكرة القدم، خلال دورة مصر لكأس أمم أفريقيا، انتقاداتٍ واسعة في الواقع والمواقع. ومن الزّوايا التّي استندت إليها تلك الانتقادات أنّ تخصيص جسر جوّي لنقل مرضى الجنوب الصّحراويّ المعزول إلى مستشفيات الشّمال أولى بالاهتمام.

تلقّى قطاع واسع من السّكان مبادرة الوزير بروح ساخرة

ويبدو أنّ هذه الرّسالة وصلت إلى الحكومة، فقال وزير الصّحة وإصلاح المستشفيات محمد ميراوي، أثناء زيارة له إلى ولاية أدرار، 1550 كيلومتر إلى الجنوب من الجزائر العاصمة، في تصريح له لوسائل الإعلام، إنّ مصالحه ستتكفّل بنقل الحالات المستعجلة في الجنوب إلى الشّمال، عن طريق طائرات عادية، كما ستخصّص مروحيّات لهذا الغرض.

اقرأ/ي أيضًا: الصحّة العمومية في الجزائر.. مجانّية الموت

تلقّى قطاع واسع من السّكان مبادرة الوزير بروح ساخرة. من زاوية بعد المسافة، حيث تبعد بعض المناطق الجنوبيّة، عن الشريط السّاحليّ بأكثر من 2000 كيلومتر، وقد وجدت المروحيّات، حسبهم، للإسعاف القريب، ومن زاوية اعتماد الحكومة على الحلول التّرقيعيّة والمؤقتة، عوضًا عن اجتثاث المشكلة من أصلها، من خلال إنجاز مؤسّسات صحّية في عين المكان.

يقول النّاشط طارق حاج قويدر لـ"الترا جزائر" إنّ واقع الحال يجعل المواطن في الجنوب يقرأ مثل هذه التّصريحات من باب كونها تهدف إلى الطمأنة المؤقّتة لا غير. يسأل: "إنّنا نتحدّث عن عدد كبير من المدن الجنوبيّة وعدد كبير من المرضى، فكم من مروحية تستطيع أن تستوعبهم؟ وهل ثمّة مروحيات تستطيع أن تقطع مسافة تتوقف فيها الطائرات الكبيرة للتّزوّد بالوقود؟".

ويسرد حاج قويدر نكتة تلخّص، حسبه، الوضع الصّحيّ في مدينة أدرار، وما "أسماها عبثيّة الاقتراح الحكومي" مفادها أنّ حفرة عملاقة طرأت في أحد التجمّعات السّكنية، فباتت تتسبّب في كسور ومشاكل لهم، ويجدون صعوبة بالغة في نقلهم إلى المستشفى البعيد، وقد اجتمع المسؤولون على معالجة الأمر، واقترحوا، عوضًا عن ردم الحفرة، أن ينقلوها بالقرب من المستشفى، تسهيلًا لوصول المواطنين إليه.

في السّياق تساءل أستاذ الجامعة الأفريقيّة في أدرار الصّديق حاج أحمد في تدوينة فيسبوكيّة له: "ما حكاية الطّائرة المروحيّة ونقلها للمرضى من أدرار إلى العاصمة؟ لعمري ما سمعنا بهذا الهذيان المضحك حتّى في أيّام الجاهليّة والحزب الواحد".

وكتب الكاتب عبد الكريم ينّينة، أنّه يجب على وزير تصريف شؤون الصّحة أن يعلم أنّ سكان أدرار قابلوا مقترح نقل المرضى بالهيليكوبتر بسخرية، "وذلك لعدم معقوليته. لأنّ نقل المرضى بالهيلكوبتر في أروبا يتمّ داخل المقاطعة نفسها، وليس لمسافة ألف وخمسمائة وخمسين كيلومتر".

كما يجب على نخبة أدرار، يضيف عبد الكريم ينّينة، أن ترفع مستوى نقدها. وألّا تسقط في الابتذال الفيسبوكيّ. وذلك بطرح البدائل والمقترحات، للضّغط على حكومة تصريف الأعمال؛ "لأنّ الأمر بلغ درجة الكارثة في ما يخصّ الصّحّة في الولاية. وأبسط مقترح ومطلب هو إنشاء مستشفى جامعي بالولاية، التّي تفوق مساحتها مساحة فرنسا وبلجيكا وسويسرا مجتمعة".

يختم: "ولأنّ كلًّا من مدينتي برج باجي مختار وتميمون سوف تتحوّلان إلى ولاية، فالضّرورة والمنطق يفرضان هذا المستشفى الجامعيّ لمواطن مازال يموت في الطريق نحو مستشفًى لا يفيده في شيء سوى في إصدار شهادة يوم وساعة الوفاة".

يعاني سكّان الجنوب الجزائري تخلّفًا في عدّة قطاعات حيوية مثل الصحّة والنقل والتعليم

لم تستطع الحكومات المتعاقبة أن تحلّ مشاكل الجنوب الجزائريّ الممتدّ على ما نسبته 90 في المائة من المساحة العامّة للبلاد. ويزوّد الخزينة العامّة بما نسبته 95 في المائة، من خلال عائدات النّفط،. وبقيت تعتمد حلولًا ترقيعيّة سرعان ما تتلاشى، فتتجدّد معها الاحتجاجات والمطالب، التّي بقي بعضها معلّقًا منذ الاستقلال الوطنيّ قبل ستة عقود.

 

اقرأ/ي أيضًا: 

الصحة.. صداع المواطن الجزائري

لقاحات الأطفال القاتلة تهز قطاع الصحة في الجزائر