21-أبريل-2022
(تصوير: بلال بن سالم)

في مدينة بوفاريك بولاية البليدة (تصوير: بلال بن سالم/تصوير: بلال بن سالم)

تتناقل الألسنة مع دُنوِّ شهر رمضان في الجزائر عبارة "صحّ عواشركم"، حيث يرتبط مفهوم العواشر  محليًا بالمناسبات الدينية الروحية كالصيام والأعياد الدينية، ويُشخص الجزائريون شهر الصوم ويطلقون عليه تسمية "سيدنا رمضان" تعظيمًا لهذا الشهر، وتتهيأ المساجد لاستقبال المصليين لأداء صلاة التراويح، ويَحرص المواطنون على أداء الطقوس والعادات الرمضانية الليلية، وتنشط الجمعيات الخيرية على تقديم الوجبات الغذائية وفتح المطاعم الجماعية، وإفطار المسافرين وعابري السبيل والمحتاجين.

تشهد شوارع الأحياء الشعبية خلال شهر رمضان في الجزائر حركة كثيفة للنشاط التجاري الموازي وباعة الأرصفة

 الألبسة التقليدية والدينية

تنشط تجارة الألبسة التقليدية والأقمصة وأطقم الحجاب للصلاة للنساء والأطفال خلال، ويَعد الزي التقليدي الإسلامي من تفاصيل رمضان في الجزائر التي يتمسّك بها الشباب الجزائري، خاصّة لأداء الصلوات الليلية وزيارة المساجد، إذ يصبح ارتداء هذه الملابس للصائمين أمرًا ضروريًا ومفضلًا في كثير من مناطق الوطن.

هنا، تعد منطقة باب الواد بالعاصمة الجزائرية أبرز الأمكنة المستقطبة للزبائن، إذ يشهد شارع الحرية إقبالًا شعبيًا واسعًا على محلات بيع الأقمصة والحجابات والسجادات والعطور بمختلف الأنواع والأشكال والألوان، هنا، يقول صاحب محل الألبسة ككل سنة يُقبل الجزائري على اختيار تشكيلة من الأقمصة الجديدة في شهر الصيام.

وأضاف محدث "التر جزائر" أن الاقبال لا يقتصر على الألبسة، بل يحرص الجزائري على اقتناء العطور الشرقية والخواتم بمختلف أشكال الأحجار والفصوص وغيرها من اللوازم  التي تميّز شهر رمضان في الجزائر.

أقمصة
تجارة الألبسة التقليدية تعرف رواجًا كبيرًا خلال شهر رمضان في الجزائر

الأسوق الشعبية   

في السياق ذاته، تشهد شوارع الأحياء الشعبية بالجزائر خلال شهر رمضان حركة كثيفة للنشاط التجاري الموازي وباعة الأرصفة، وتتزاحم طاولات باعة السلع المرتبطة بالشهر الفضيل، كالأواني المنزلية والحلويات التقليدية والمشروبات وألبسة الأطفال وخبز الفرن التقليدي "المطلوع".

تتزايد في هذا الشهر حركة السلع والبضائع والتسوق، وقد تتسامح السلطات الإدارية والأمنية مع الأسواق الموازية خلال هذا الشهر في أحيان كثيرة، إذ توفّر هذه الأماكن للمواطن مختلف السلع الغذائية بأسعار معقولة وتتناسب مع الدخل الفردي. ويفضل كثير من الجزائريين التبضع من الأسواق الشعبية نظرًا إلى توفر المواد الأساسية بأسعار منخفضة وتنافسية.

سوق شعبي بالجزائر
جزائريون يفضّلون التبضع من الأسواق الشعبية خلال رمضان في الجزائر  لانخفاض أسعار سلعها

هنا، يقول عمي أحمد في حديث إلى "التر جزائر" إنه "يفضل اقتناء السلع والبضائع من الطاولات المصطفة خارج السوق البلدي"، مبررًا الأمر  بأسعار  باعة الأرصفة وأصحاب الشاحنات المتنقلة العارضة للسلع والطاولات. ويعتبر أنها "أقل ثمنًا من غيرها من الأسواق وبنفس الجودة والنوعية"، على حدّ قوله.

يضفي باعة الأسواق الشعبية حركية ونشاطًا في الأسواق خلال شهر رمضان في الجزائر، وهذا من خلال التنافس ودوي الحناجر والأصوات معلنة التخفيضات في الأسعار وعروض خفض الأثمان، حيث تشهد الطاولات المصطفة على الأرصفة إقبالًا متزايدًا من طرف المستهلكين والفضوليين.

التجارة الموسمية

ومع اقتراب الشهر الكريم، تنشط العديد من المهن والتجارة الموسمية، إذ يتخذها الشباب العاطل عن العمل والعائلات المُعوزة مناسبة للاسترزاق خلال رمضان، وهذا نظرًا لارتفاع النفقات العائلية والميزانية الأسرية، هنا، يُوضح الشاب الفاروق أنه خلال كامل الشهر يبيع الخبز التقليدي "المطلوع"، وورق الديول، اللذان يصنعان في البيت على الطريقة التقليدية من طرف والدته.

ويَعترف فاروق أن هناك أقبالًا كبيرًا على بضاعته، والبعض يُقدم الطلبيات على "المطلوع" يوميًا ومسبقًا، نظرًا لجودة الخبز التقليدي الذي يقدّمه للزبائن وأصبح مشهورًا به خلال شهر رمضان.

في مقابل ذلك، ومع الارتفاع الفاحش لأسعار الخضر والفواكه الطازجة والمجففة، لم يعد يسمح لبعض العائلات الفقيرة والمتوسطة من إعداد أطباق رمضانية كانت تتزين بها الموائد الجزائرية، في هذا الإطار، تعترف أم خديجة وهي سيدة في الخمسينيات، متقاعدة من سلك التعليم، أن الوضع المعيشي بات صعبًا جدًا ومكلفًا من حيث النفقات الأسرية. وأضافت أنها تتقاسم الأعباء العائلية والمنزلية رفقة زوجها، لكن بالكاد توفر كل الحاجيات الضرورية للبيت.

أم خديجة أم لثلاثة أولاد،  من بينهم جامعيان وبنت في الطور الثانوي، تقول إنها وزوجها يحاولان توفير كل المستلزمات البيتية، وتوفير ظروف نجاح الأبناء في الدراسة، غير أن الوضع المادي أصبح مرهقًا حتى في التغذية الأسرية وتكاليف البيت ومصاريف الأبناء.

في مقابل ذلك، أشارت محدثتنا أن عادات شهر رمضان في الجزائر متأصلة لدى العائلة، لذلك تحاول توفير الأطعمة الصحية والتقليدية وإضفاء الطابع الروحي والأخوي، من خلال تقريب ودعوة الأهل، وتبادل الحلويات مع الجيران.

تتسامح السلطات الإدارية والأمنية خلال شهر رمضان في الجزائر مع الأسواق الموازية في أحيان كثيرة

عمومًا، يزيد الانفاق الأسري في رمضان بشكل عالٍ جدًا، وزاد من ذلك تطور النموذج الاستهلاكي لأفراد والعائلات، ويتمسك المواطن الجزائري بالعادات الرمضانية رغم كل الظروف الاقتصادية، إذ ينفق المواطن الجزائري بسخاء على خلاف بقية الأشهر مهما كان راتبه ومستوى دخله، ونجد أن أغلب العائلات تسعى لتوفير عدد من الأطباق  يوميًا وشراء بدلات جديدة للأطفال. وإنفاق ما يفوق ميزانيتها الشهرية تماشيًا مع طقوس شهر رمضان في الجزائر.