19-ديسمبر-2022
رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون (الصورة: Getty)

رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون (الصورة: Getty)

ثلاث سنوات من يوم تثبيت فوزه بالانتخابات الرئاسية التي جرت أطوارها في الـ12 كانون الأول/ديسمبر 2019، لم تكن سوى مهمة "الإرث الثقيل" مثلما يصفها متابعون، كانت على أنقاض حكم الرئيس الراحل عبد العزيز بوتفليقة، والذي أزاحته عن المواصلة في الحكم لعهدة خامسة بعد حراك شعبي، وهو ما يعني أن الوافد الجديد على الحكم باشر الحكم في غاية المحاذير السياسية والقانونية والاجتماعية والاقتصادية، لينتهي عامه الأول من العهدة الأولى بتسيير أزمة صحية كلفت الجزائريين الكثير على غرار دول العالم.

حملت الأعوام الثلاثة من حكم الرئيس الكثير من الجدل السياسي

يمكن جرد وتقديم قراءة عميقة لهذه السنوات الثلاث، في المقام الأول بمعالمها الواضحة سياسيًا واجتماعيًا، ورغم أن التقييم يتضح من خلال مختلف المشاريع التي نفذت خلال هذه الفترة، لكن في السياسة ومنظومة الحكم  يرى العارفون بخبايا السياسة أن أي إنجاز في الدولة مقرون بما سبقه ومرتبط بالرؤية والمخططات.

حزمة مشاكل وثغرات الفساد

في بداية عهدته، تعهد الرئيس عبد المجيد تبون بإيجاد مخارج من شأنها أن تطمئن الشارع الجزائري بعد حراك شعبي استمر صداه لأزيد من 54 أسبوعًا، ولم توقفه الأزمة الصحية لفترة طويلة، غير أن  التهدئة أخذت شقًا سياسيًا وأمنيًا واجتماعيا أيضًا، إذ اعتبر الباحث في النظم السياسة بجامعة الجزائر عبد الباقي رضوان،  أن تهيئة الشارع لعدة قرارات بعد غليان شعبي في معظم الولايات الجزائرية لم يكن يسيرًا، موضحًا أن الشارع وحده لم يكن في مواجهة الرئيس الذي اعتلى كرسي قصر المرادية بالعاصمة الجزائرية، "بل هناك ثغرات وجب سدها وليست هي الأخرى بالسهلة".

وأضاف الأستاذ رضوان: "ثغرات الفساد كانت أعمق بكثير، بل هي صداع مزمن يؤلم رأس المنظومة (الرئاسة والقضاء والعدالة والمحامين والمسؤولين على مختلف مستوياتهم) إضافة إلى تشعب الضالعين في قضايا بالمليارات أنهكت الخزينة العمومية".

رغم تلك الخطوة في مكافحة الفساد وفتح ملفاته، إلا أن الواقع كان يفرض نفسه، فالمواطن يبحث عن استعجال النتائج، والدفع بتحسن ظروفه المعيشية أمام التهاب الأسعار وعدم قدرة العائلات على تلبية حاجياتها فيما وصفه الرئيس بـ"مناطق الظل".

وتصدرت ملفات "مناطق الظل" التي تضم أزيد من ثمانية ملايين جزائري، أولوية الملفات التي دعا الرئيس تبون إلى معالجتها،وإنهاء مختلف المشاكل التي تعانيها، خاصة منها التنموية وتوفير ضرورات الحياة اليومية خاصة ما تعلق منها بتهيئة الطرقات والمشاريع المتعلقة بتوفير الماء الصالح للشرب ومصالح الصحة العمومية وتوزيع السكنات على مستحقيها، ولكن بعيدًا عن الخطابات تُطرح أسئلة كثيرة في هذا السياق، أولها هل نجح الرئيس في مشاريعه التنموية؟

يذكر الكاتب والإعلامي عثمان لحياني بأن " الجزائريين لديهم طموح كبير بأن تحدث معجزة اقتصادية وتتحقق فكرة بلد الرفاهية الاجتماعية"، معلّلًا ذلك بما يعرفه الجميع أن "بلدًا بحجم قارة يملك الكثير من الإمكانيات، يحتاج إلى عقل يدير ويدبر المخططات".

ويعتبر محدث "الترا جزائر"، أن البناء المؤسساتي مهم جدًا في تحريك عجلة الاقتصاد والتنمية، مستبعدًا الحكم على النوايا السياسية والاقتصادية للسلطة، لافتًا إلى أن "إحدى المعضلات السياسية والأساسية التي أعاقت تطور البلد، وأضفت حالة من الغموض على منظومته الاقتصادية والسياسية، هي وجود قوانين مكتوبة ومعلنة، ومنظومة موازية من النظم غير مكتوبة ولا معلنة، غالبًا ما تتفوق الأخيرة في الواقع الجزائري".

وفي سؤال حول كيفية تلافي بعض المشكلات في الساحة، قال إنه من المستعجل حاليًا هو وضع رؤية واضحة المعالم من الناحية السياسية والاقتصادية والاجتماعية، لافتًا إلى أنها تعتمد على حلّ مشاكل متسلسلة، وسد ثغرات لن تهدأ حتى تظهر أخرى، والعملية الأخيرة بدورها لن تفتح المجال لوضع مخططات قصيرة المدى ومتوسطة المدى وطويلة المدى، على حد تعبيره.

قطاعات تنتظر

في هذا السياق، يعتبر الباحث في علم الاجتماع السياسي الأستاذ عمار نويصر، بأنه بغض الظروف التي تسلم فيها الرئيس تبون مقاليد الحكم في البلاد، فإنه لم يتسلم " الهدايا" بل تسلم الحكم مع جملة من الملفات العالقة لسنوات طويلة، وثقيلة بحجم قضايا الفساد في مختلف القطاعات الحساسة، وأموال منهوبة، متعهدًا باستردادها في العديد من المناسبات السياسية والإعلامية.

وأضاف نويصر في تصريح لـ" الترا جزائر" أنه لا يمكن تقييم العهدة في سنتها الثالثة، إلا بوضع عدة نقاط مهمة في منظومة الحكم، دون إهمال زاوية أخرى من أضلاع البلد وهي المجتمع كعنوان كبير والإنسان أو الفرد الجزائري بأكثر عمق، وشرح ذلك بالقول: "لقد عاشت الجزائر منذ بداية العهدة الانتخابية للرئيس تبون عدة اختلالات اجتماعية موسومة بالأزمة الصيحة وتفشي وباء كورونا، وهنا بالذات بزغ   عامل مستجد ولم يسبق للجزائريين أن عاشوه من قبل وأطلّ في حياة يومية غير مسبوقة مع الحجر المنزلي وسياسة الغلق التي اتخذتها الحكومة لتواجه الفيروس، وهو عقلية " الندرة" بمعنى أن الجميع يبحث عن النجاة من الوباء، و"هي عقلية تغذّي نفسها كما تلفت إليها جميع الأبحاث السيكولوجية".

وفي رده على سؤال في هذا المنحى: كيف ذلك؟ قال إن هناك أعباء نفسية على الفرد الجزائري، منها ما تعلق بالسكن والعمل والجري وراء تأمين لقمة العيش وكأن كل ذلك مفقود أو نادر، في المقابل هذا الفرد الجزائري يرى أننا "بلد الأموال المنهوبة والفساد والبترول والغاز وفتح مختلف التحقيقات التي تجري في القضاء بعد نهب المليارات التي لا يمكن أن يستوعبها العقل".

واللافت أن هذه الأعباء النفسية التي بلغت مداها شكلت لدى الجزائريين ما يسمى بـ" ضعف الإدراك لما يسمى بإرث ثقيل منذ أكثر من عشرين سنة"، كما أن تراكمات المشاكل وتشتتها يمكن أن يؤدي إلى أسوأ القرارات أو أسوأ المخططات، وهو ما يعني "أننا سنظل في دائرة مفرغة من المشاكل التي تتغذى على ضعف الرؤية أو انعدامها وتعيد إنتاج ما كنا عليه قبل 2019".

في سياق متصل، فإن الرئيس تبون واجه هذه الثغرات وفي ظرف الأزمة الصحية، فمن جهة وجب أن يعالج الأزمة، وتوقي مخاطرها والنجاة منها بأخف الأضرار والأثمان ومن جهة عليه تلبية مطالب الشعب من تحسين الخدمات والرواتب وفتح المجال للبطالين والاستجابة لمطالب الآلاف من عمال قطاع الصحة والتعليم والبطالين من حملة الشهادات العليا وغيرها من المطالب المتعلقة أساسًا بإيفاء مواعيد تسليم العشرات من الآلاف من السكنات".

مشروع "لمّ الشمل"

سياسيًا، حملت الأعوام الثلاثة الكثير من الجدل السياسي، حول الانتخابات التي تأسست عليها عدة مؤسسات منها انتخابات الدستور وانتخابات البرلمان واستحقاقات المجالس المحلية، وفي المقابل من ذلك مد الرئيس العديد من المرات اليد للم شمل الجزائريين بمناقشة مسألة المساجين في فترة تسعينيات القرن الماضي فضلًا عن البحث عن إجراء عقد سياسي للقاء يضم عدة مكونات الساحة السياسية.

مبادرة "لم الشمل"، كانت في اعتقاد البعض خطوة لتخفيف الضغوط التي تواجهها السلطة، خاصة في ظلّ الانتظارات الكبرى والسقف العالي للطموحات سواءً من المواطن أو الطبقة السياسية، بعد أزمات عرفتها الجزائر منذ 2011، غير أن هناك من وصف المرحلة الأخيرة بأنها محاولة لـ" ترتيب البيت"، خصوصًا في ظلّ الأزمات الصحية والاقتصادية التي تتأثر بها البلاد، وسط تلبية مطالب الشعب من مكونات القطاعات الشغيلة والفئات الهشة أيضًا.

بدا واضحًا توجه الرئيس من خلال تحركاته إلى تكريس الحضور الجزائري دوليًا، من خلال العديد من اللقاءات الثنائية، وتوقيع اتفاقيات اقتصادية مع دول الجوار والدول الأوروبية، وبرز ذلك من خلال الصورة التي أرادت الجزائر ترسيخها باحتضان القمة العربية، والتأكيد على ضرورة التنسيق بين البلدان في مجالات التنمية الاقتصادية وحل المشاكل الثنائية فيما بين بعض الدول.

يعترف كثيرون بأن حصيلة 180 يومًا من الحكم فيها الكثير من الجدل منها أن الرئيس نجح في توحيد مكونات عديدة في الشارع الجزائري وإسكات صوت المعارضة، رغم بعض المحاذير التي تعرفها بعض القضايا والمسائل منها الحريات، حيث عرفت فترة الرئيس تبون سجن كثير من الصحافيين في إطار مهني مثلما حدث مع الصحافي بلقاسم حوام، الذي أودع السجن بسبب مقال نشره حول تصدير التمور، وإن كانت التهم التي توجه للصحافيين الجزائريين في كثير من الأحيان، تكون خارج سياق المهنة لتبرير سجنهم بحجج جزائية، إلا أن قضية حوام كشفت عن قرارت مخالفة للدستور الذي يمنع إقرار عقوبات سالبة للحرية في حق الصحافيين.

وبالرغم من التحاليل والتقييمات، يبقى الحكم على فترة حكم الرئيس سابقًا لأوانه، خصوصًا وأن بعض المخططات لازالت متواصلة حول التنمية وتنفيذ المشاريع المعطلة، وتوزيع السكنات وتعزيز العلاقة بين السلطة المحلية على مستوى البلديات والمواطن، وتفعيل عمليات الرقابة على مستوى أعلى فيما تعلق بالمشاريع المتوقفة أو المعطلة.

الباحث عمار نويصر: هناك أعباء نفسية على الفرد الجزائري، منها ما تعلق بالسكن والعمل والجري وراء تأمين لقمة العيش

ويبدو أن السنة الجديدة من الحكم الرئيس تستدعي وضع مخطط جديد لانتهاز فرصة المداخيل من إنتاج الطاقة، وتوجيه الاستثمار المحلي في شتى القطاعات، وإن كانت الآلة الإعلامية الموالية للسلطة، قد بدأت تشتغل فعلًا منذ نهاية السنة الجارية، للترويج لفكرة العهدة الثانية بالتسويق لما تسميه بإنجازات الرئيس.