14-ديسمبر-2020

أمام ساحة البريد المركزي بالجزائر العاصمة (أ.ف.ب)

جاء الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، إلى السلطة في انتخابات جرت في ظروف سياسية غير طبيعية في الـ 12 من كانون الأول/ ديسمبر 2019، نتيجة رفض جزء من الشارع والقوى السياسية حينها لتلك الانتخابات، ووسط تعهّدات من قبله لإعادة تأسيس جزائر جديدة، لكن مخرجات المسار الانتخابي، لم ترتقِ إلى مستوى التطلعات الشعبية والسياسية، ما دفع العديد من القوى السياسية إلى إطلاق دعواتٍ جديدة لحوار وطني شامل، يهدف لصياغة توافقات وطنية توفّر الإطار السياسي للانتقال الديمقراطي الحقيقي.

تتزايد دعوات القوى السياسية إلى إطلاق مبادرات لبدء  حوار وطني يحمي البلاد من تداعيات أزمة محتملة

  سُكون سياسي

في ظلّ هذه الأزمة السياسية والمتعدّدة الأبعاد، بعد الفشل والمقاطعة الشعبية الكبيرة التي شهدها استفتاء تعديل الدستور في الفاتح تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، ثم الأزمة الصحة الطارئة للرئيس تبون المتواجد في رحلة علاج ألمانيا منذ 27 تشرين الأوّل/أكتوبر الماضي، والتداعيات الاقتصادية والاجتماعية الناجمة عن الأزمة الوبائية لفيروس كورونا، تتزايد دعوات القوى السياسية إلى إطلاق دعوات لبدء  حوار وطني يحمي البلاد من تداعيات وخيمة لأزمة محتملة، ويسهم في "إنقاذها وتحقيق مطالب الشعب"، في فسح المجال للحرّيات وتحسين ظروف المعيشة.

 اقرأ/ي أيضًا: بعد غيابها بسبب كورونا.. الدستور يُعيد الأحزاب السياسية إلى الواجهة

هنا، دعا السكرتير الأوّل لجبهة القوى الاشتراكية يوسف أوشيش السّلطة إلى المسارعة بذلك، وقال "من مصلحة البلاد أن يدرك صناع القرار خطورة اللحظة ويعمدوا إلى مباشرة حوار وطني شامل، صادق، مستقلّ وتوافقي في مناخ من التهدئة يرفع كل القيود على جميع الحريات الفردية و الجماعية ويفتح المجالين السياسي والإعلامي مع إطلاق سراح المعتقلين السياسيين ومعتقلي الرأي  وحماية حقوق الإنسان لكي لا يصبح متشابكًا خصوصًا مع الأجندات الدولية المتناطحة وللمطامع الجشعة للقوى النيو-استعمارية التي دأبت على توظيفه كحصان طروادة للوصول إلى مآربها داخل الدول التي تستهدفها".

 

أما رئيس "حركة البناء الوطني" عبد القادر بن قرينة، حثّ في بيان صدر الخميس الماضي على بدء حوار وطني "ومزيدًا من التنسيق بين كافة قوى الشعب الفاعلة، سواءً كانت أحزابًا أو شخصيات وطنية أو نقابات أو جمعيات مجتمع مدني لبلورة مقترحات ومبادرات تقوي الجبهة الداخلية " كما قال، في سياق ما يعتبرها "فرصة لإرساء قواعد بناء "الجزائر الجديدة على قيم النزاهة والشفافية لاستعادة ثقة المواطن من خلال تجسيد مطالب الحراك الشعبي، وعزل رؤوس الفساد " وكذا "حماية الفعل الديمقراطي من فساد التزوير والفساد السياسي وتعزيز استقلالية القضاء، وتجفيف منابع الفساد الإداري والمالي".

من جهته، يعتبر رئيس "حركة مجتمع السلم" عبد الرزاق مقري أنّه لا حل للبلاد سوى بدء حوار وطني لصياغة توافقات مشترك، تقود إلى انتقال ديمقراطي حقيقي، حيث أكد في آخر مؤتمر صحافي عقده أنه "لا حلّ لحفظ البلاد من مخاطر وتهديدات وابتزاز المؤسسات الغربية المنافقة سوى بصناعة ديمقراطية حقّة بأيدينا، وضمان الحريّات لبعضنا البعض وللجميع بأنفسنا في إطار بيان أول نوفمبر الذي غلبهــم وقهرهم في الحرب التحريريــة، ثم عـلى أساس التوافق والتعاون الوطني ضمـن الإرادة الشعبية لنبني وطنا قويًا مزدهرًا سيدًا لا يخضع للابتزاز أبدًا".

تحديات التغيير

في هذا السياق، يعتقد مراقبون أن هناك ثلاثة عوامل دفعت القوى السياسية وأطراف كثيرة إلى إطلاق دعوات جدية لبدء حوار سياسي في الجزائر؛ يتعلق العامل الأول بعدم وجود تغيير سياسي حقيقي خاصّة في مجال الحرّيات، إذ لفت الناشط الحقوقي فريد زكري من ولاية باتنة شرق الجزائر أن "حالة الغلق التي تعرفها الجزائر في جانب الحقوق وحرية التعبير أصبحت مخيفة، خاصة خلال فترة الحراك الشعبي"، موضحًا أن الأمر بات يحتاج إلى إعادة نظر في توجّهات السلطة السياسية في البلاد في هذا المجال.

وواصل المتحدّث في تصريح لـ "الترا جزائر"، أن التوافقات السياسية من شأنها أن تضع "حرية التعبير" في المرتبة الأولى للنقاش، خاصّة في مجال المظاهرات والمسيرات وحرّية الرأي علاوة على حقل تأسيس الأحزاب، مشيرًا إلى أن الأخيرة تبقى مقياس حقيقي لمراقبة مخططات الحكومة، وتنفيذ وعودها.

بينما، يتعلّق العامل الثاني بحسب البعض، بـ "فشل الحكومة في طرح حلول اقتصادية واجتماعية"، خاصّة مع تكبد الجزائر لخسائر كبرى بسبب الأزمة الصحيّة التي أحالت آلاف الجزائريين على البطالة، خاصّة أصحاب المهن اليومية، وتوقف بعض المؤسسات عن العمل، واضطرار بعض القطاعات على التعامل مع " حلول ترقيعية" لأزمة مستجدة وفُجائية.

وعن هذا الإخفاق يعتقد المختص في العلوم الاقتصادية مسعود مناري من جامعة وهران غرب الجزائر، أن الإخفاق في حلّ المشاكل الاقتصادية التي أعلنت عنها الحكومة راجع إلى أسباب جوهرية؛ أهمها تآكل احتياطات الصرف، فضلًا عن أزمة انهيار أسعار النفط في العالم المرتبطة هي الأخرى بوباء كورونا، مضيفًا في تصريح لـ "الترا جزائر" أن الحكومة لم تطرح بدائل أخرى، أو بدائل حقيقية لمثل هذه الأزمة.

وشرح ذلك بالقول إن الأزمة الاقتصادية والتي لها ارتدادات اجتماعية وخيمة، سببها تراكمات السنوات الماضية والتي لم تستعد لها الجزائر في خطط بديلة لأزمة، متسائلًا: "إلى متى تبقى الجزائر تدير ظهرها للإنتاج الخارج عن إطار المحروقات؟ وإلى متّى تعتمد الدولة على الريع البترولي وشراء السلم الاجتماعي بتوزيع غير مدروس للسكن ورفع شعارات "التضامن الاجتماعي بعيدًا عن أطروحات بديلة لخلق الثروة والشغل أيضًا، وتعزيز قطاع الخدمات"، كما قال.

توتّرات في الخارج

ويدخل في هذا السياق عامل ثالث، يخصّ تزايد الضغوط الخارجية والتحديات الاقليمية والتهديدات على الجزائر، نتيجة التوترات في مالي وليبيا والصحراء، وهو ما دفع رئيس أركان الجيش الجزائري الفريق سعيد شنقريحة إلى الدعوة في آخر خطاب له إلى "تضافر جهود الجميع، لتجاوز الأزمة، والخروج ببلادنا إلى بر الأمان، لاسيما وأنها تشهد هذه الأيام، حملات مسعورة من قبل دوائر معادية معروفة، لم يعجبها الخط الوطني الصادق والشجاع، الذي تم تبنيه من قبل السلطات العليا للبلاد". مشيرًا إلى أنه "بغرض إفشال هذه المحاولات الخبيثة، من الأجدر، كما أسلفت، بذل قصارى الجهود الحثيثة الكفيلة بتوحيد الصف الداخلي، من خلال تعبئة الرأي العام الوطني، وتوعيته بالأهداف الخفية لهذه الجهات المعادية، وتجنيد كافة الفاعلين على الساحة الوطنية، من أجل الالتفاف حول قيادة البلاد، وإفشال كافة المخططات الخبيثة".

الوضع في الجزائر بات يفرض على الجزائريين التفكير على الدخول في حوار سياسي حقيقي

الظروف السياسية والاجتماعية والاقتصادية في الجزائر أصبحت ضاغطة جدًّا، باتت تفرض على الجزائريين التفكير على الدخول في حوار سياسي حقيقي، من شأنه أن يساهم في تقريب وجهات النظر بين السلطة والمعرضة ومختلف الأطياف والشخصيات السياسية، خاصّة وأن التجربة أبانت أن خلق فرصة لخطوة نحو الأمام في التغيير أفضل من السكون في مكان واحد أو العودة للوراء وخسارة سنة كاملة من الحراك الشعبي.   

   

 اقرأ/ي أيضًا:

تعديل الدستور في زمن كورونا.. لمَ الاستعجال؟

بن قرينة يهاجم لعرابة ويشكك في الدستور المقبل