عقدة الحب الجزائرية.. حكايةُ مجوهرات معروفة عالميًا ومجهولة محليًا
29 مايو 2024
رغم مرور 18 سنة على عرض مجوهرات عقدة الحب الجزائرية في أحد افلام جيمس بوند، ما تزال هذه الحلي إلى اليوم تتصدر منتجات متجر صوفي هارلي المعروضة عبر منصته الإلكترونية، بالنظر للطلب المتواصل عليها من جنسيات مختلفة، لكن هذا الطلب تختلف درجاته في موطنها الذي انطلقت منه حكايتها، فما هي أسباب جهل جزائريين لقصة أحد أشهر المجوهرات المحلية المعروفة عالميا؟.
كان البحارة يعبرون عن الحب عبر عقدة في حبل قصير أو مجموعة خيوطٍ يلفّونها على أعناقهم أو معصم اليد، وكلما زادت العقد عبرت عن مدى حب البحار لزوجته
وارتبط التراث الجزائري المادي وغير المادي على الدوام بقصص وعاطفة قاومت مختلف التغيرات التي عرفتها البلاد من حضارات واستعمار، لتبقى حية حتى اليوم رغم مرور قرون على بداية فكرتها، وقلادة "عقدة الحب" الجزائرية أحد هذه الموروثات المرتبطة بتراث البلاد، على الرغم من عدم سماع كثير من جزائريي الوقت الحالي بلغزها.
أصل الحكاية
تتفق الروايات المتداولة على أن أصل مجوهرات عقدة الحب الجزائرية صنعت في البداية في شكل قلادة فقط، لتقدم اليوم كأقراط وخواتم وأساور ومختلف الإكسسوارات التي ترتديها المرأة، رغم أنها كانت في بداية الأمر من الإكسسوارات الخاصة بالرجال فقط.
ويرجع أصل هذه المجوهرات إلى القرن 18 خلال الفترة العثمانية، حينما كان للأسطول البحري الجزائري صيت في العالم، وبالخصوص في البحر الأبيض المتوسط، حينما كان البحارة يضطرون للسفر باستمرار وترك زوجاتهم لأشهر خلال خروجهم لـ" الجهاد البحري"، مثلما سماه الباحث الأثري والمرشد السياحي سفيان موساوي في حديثه مع " الترا جزائر"، لذلك كانوا يرتدون قلادة من الخيوط والحبال بها عقدة تعبر عن ارتباطهم بنسائهم وإخلاصهم للمودة والحب الذي يجمعهم.

وخلال تلك الفترة كانت لمهنة البحّار مكانة في المجتمع بالنظر للصيت الذي كان يحظى به الأسطول الجزائري وقتها، لكن كانت الملاحة البحرية في الوقت ذاته مهنة مليئة بالمخاطر على من ينتسب لها وصعبة على أهلهم أيضا، كون البحّار قد لا يعود من رحلته بالنظر للحروب التي كانت تدور بين الدولة العثمانية والصليبيين وقتها والقرصنة التي كانت تحدث بالحوض المتوسطي، الأمر الذي جعل البحارة يهتدون إلى "عقدة الحب" للتعبير عن حبهم لزوجاتهم وخطيباتهم.
وتقول الروايات إن البحّار كان وقتها عرضةً للأسر والغياب عن أهله لسنواتٍ عديدة، ومن ذلك كان الوضع العاطفي للبحارة يستلزم عليهم ابتكار أشياء تجعلهم على ارتباط مع أحبابهم. ومن ذلك اخترع هؤلاء عقدة الحب.
وكان البحارة يعبرون عن هذا الحب عبر عقدة في حبل قصير أو مجموعة خيوطٍ يلفّونها على أعناقهم أو معصم اليد، وكلما زادت العقد عبرت عن مدى حب البحار لزوجته.
ويلفت الباحث الأثري سفيان موساوي إلى أن "عقدة الحب" كانت في خيط أو حبل صغير مشابه للمنديل الذي يرتديه البحارة على رؤوسهم أو في معصم اليد، مضيفا أن التبادلات التجارية ساهمت في نقل هذه الفكرة للمملكات الأخرى في هولندا وإسبانيا وبريطانيا وغيرها، وبالخصوص أن بعض ريّاس الأسطول الجزائري كانوا من أصول أوروبية مثل مراد رايس الذي ولد بهولندا، الأمر الذي أبقى حكايتها معروفة حتى اليوم في الغرب، لذلك تم اعتماد قصتها من قبل مجوهرات صوفي هارلي لندن.

ولفت ظهور جوهرة عقدة الحب في أفلام جيمس بوند Casino Royale وQuantum Of Solace انتباه العالم لها، لما ارتدتها الممثلة Eva Green، حيث كانت جزءاً من شخصيتها، وترمز إلى الحب الأبدي،و الصحة، والسعادة والحظ الطيب.
مجهولة
نفى كثير من النشطين في قطاع المجوهرات الذين استجوبناهم سماعهم بقصة مجوهرات "عقدة الحب الجزائرية"، بل إن البعض كان يعتقد أنها حلي من أصل أجنبي، بالنظر إلى أن إنتاجها المحلي قل إن لم يكن قد ندر.
ويقر وليد الذي يشتغل في مجال الحلي والمجوهرات لأكثر من 20 سنة بمدينة بوفاريك بولاية البليدة أنه يجهل حكاية مجوهرات عقدة الحب الجزائرية، إلا أنه يعرفها شكلا، حيث كانت موضة المجوهرات الأكثر طلبا في الفترة الممتدة من 2007 إلى 2010، إلا أن الطلب عليها قل، ولم تعد موجودة في محله لأنها مستوردة ومرتفعة الثمن، وقد لا تتناسب مع الإمكانات المادية لبعض الجزائريين.
أما الثلاثيني علي الذي يعمل في محل لبيع المجوهرات بحي القصبة العتيق بالعاصمة الجزائر، فيشير في حديثه مع "الترا جزائر" إلى أن الجيل الجديد من أمثاله يجهلون حكاية "عقدة الحب الجزائرية"، فحتى حرفي ورشات الذهب بالقصبة التي قد تكون انطلقت منها قصتها لا يصنعونها اليوم محليا بخلاف فترات الستينات والسبعينات حيث كانت تضاف لها أحيانا قطع من صدفات محار البحر.
وبين علي أن توقف ورشات الذهب المحلي عن صنع هذه المجوهرات بسب أن الآلات المتوفرة لدى أصحابها تقليدية تنتج حلي الذهب بوزن أثقل، ما يجعل ثمنها غاليا ليس في مقدر جميع الجزائريين اقتناءه، على عكس الحلي المستورد الذي يمكن أن يكون خفيف الوزن لتوفرهم على تقنيات حديثة تسمح بصنع مجوهرات بمختلف الأوزان والأحجام.
ويرجع الباحث الأثري والمرشد السياحي سفيان موساوي عدم انتشار حكاية قلادة عقدة الحب الجزائرية كباقي الحلي الجزائري الأخرى مثل خيط الروح والخامسة إلى عدم توفر شواهد مادية كثيرة بشأنها، حيث ما يعرفه بشأن ذلك هو صور لعقدة الحب في بعض البلاطات الخزفية، إضافة إلى عدم وجود كتب على حد علمه تروي هذه القصة.
وأضاف محدّث "الترا جزائر" أن "كل ما يتعلق بها تم نقله شفهيا، على عكس ما هو الأمر بالنسبة لبقية الحلي والألبسة التقليدية كخيط الروح والكراكو والقفطان والزليج مثلا، التي تتوفر بشأنها شواهد مادية ومراجع كثيرة لمؤلفين ورحالة محليين ومستشرقين ذكروها في مؤلفاتهم".
الباحث الأثري سفيان موساوي لـ "الترا جزائر": يعود عدم انتشار حكاية قلادة عقدة الحب الجزائرية كباقي الحلي الجزائري الأخرى مثل خيط الروح والخامسة إلى عدم توفر شواهد مادية كثيرة بشأنها
وأضاف موساوي أن هذا الجهل بقصص التراث الجزائري مرده هو عدم اهتمام السلطات بهذا الجانب في السنوات الماضية بالقدر المطلوب، على عكس ما يتم في الأعوام الأخيرة، حيث التفت الجزائريون لهذا القطاع سواء الحكومة أو المواطنين العاديين.
مطلوبة
في محطة المترو بساحة الشهداء ببلدية القصبة في العاصمة الجزائر، يبيع الشاب الثلاثيني الياس على طاولته في معرض قار مخصص للصناعات والمنتجات التقليدية المحلية مجموعة من الإكسسوارات والحلي المقلدة أو ما يعرف بـ"البلاكيور"، والتي من ضمنها طاقما متكونا من خاتم وقلادة وأساور وأقراط تحتوي على "عقدة الحب الجزائرية"، حيث يقول لـ"الترا جزائر" إن هذا الطاقم الذي يباح بـ2500 دينار (18 دولارا) مطلوب من بعض الجزائريين حتى ولو لا يعرفون قصته وحكايته، مضيفا أن سعر القلادة المقلدة يقدر بـ1200 دينار (9 دولارات).
وأضاف أن هذا الطلب لا يضاهي الطلب الذي يشهده خيط الروح أو الحلي الامازيغية التقليدية، لكن تظل مجوهرات عقدة الحب من الإكسسوارات المطلوبة عند مشاهدتها لجمالها حتى وإن كانوا يجهلون أصلها وحكايتها.
أما الأربعيني مياس الذي تملك عائلته 3 محلات لمجوهرات الذهب بالجزائر الوسطى بالعاصمة، وتصنع مجوهرات في ورشاتها المحلية، فقد أوضح في حديثه مع "الترا جزائر" أن أهم الطلبات المتعلقة بعقدة الحب الجزائرية تكون غاليا من قبل المغتربين الجزائريين في الخارج.

وأضاف أنه قد وصله اليوم طلب من مغترب جزائري في أميركا يطلب صناعة قلادة عقدة الحب الجزائرية، بالنظر لأن صناعتها في موطنها الأصلي تعطيها بالنسبة للمغتربين قيمة أكثر حتى وإن كان بإمكانهم اقتنائها من أي بلد أجنبي، بما أن محلات صوفي هارلي اللندنية ما تزال إلى اليوم تنتج هذه المجوهرات.
يصل سعر قلادة الحب الجزائرية في العالم حسب بعض التقارير حتى 5 ألاف دولار أو أكثر
وأشار مياس إلى أن أقل سعر لقلادة عقدة الحب الجزائرية التي صنعها في ورشتها لا يقل عن 500 ألف دينار ( حوالي 3734 دولارا)، حيث تكون من الذهب الخالص.

ويصل سعر قلادة الحب الجزائرية في العالم حسب بعض التقارير حتى 5 ألاف دولار أو أكثر، والذي يرتبط بوزنها والمواد التي تدخل في صناعتها، وعدد قراريط الذهب المصنوعة منه.
من المؤكد أن فيلم جيمس بوند قد أعاد بعث "عقدة الحب الجزائرية" من جديد بجعلها مجوهرات معروفة ومطلوبة عالميا، إلا أن هذا لا يكفي لوحده لنفض الغبار على خبايا التراث الجزائري الذي يتطلب اهتماما حكوميا متواصلا بتسجيل هذا التراث وطنيا ودوليا في اليونسكو لحمايته من النسيان والسطو.
الكلمات المفتاحية

حوار| نذير بلحاج: نحو 70 بالمائة من العائلات الجزائرية تحجز عطلتها بعد البكالوريا وشرم الشيخ الوِجهة الأولى خارجيًا
كشف رئيس النقابة الوطنية لوكالات السياحة والأسفار نذير بلحاج، عن الانطلاقة الفعلية لموسم الحجوزات الصيفية مع بداية شهر تموز/ جويلية المقبل، أي مباشرة بعد نهاية امتحانات شهادة البكالوريا وإعلان النتائج.

نادي طالب عبد الرحمن يتحول إلى مطعم.. جزء من ذاكرة الثورة الجزائرية بالعاصمة إلى زوال
على مستوى 02 شارع ديدوش مراد وسط العاصمة، بجانب المدخل السلفي للجامعة المركزية، يلفت انتباهك لوحة رخامية تذكارية جاء فيها (بالتصرف)" الإطار الزمني 26 جانفي/ كانون الثاني 1957 على الساعة 17 سا 30 د. الموقع ديدوش مراد.. (شارع مشيلي سابقا) وضعت عبوة ناسفة بمقهى كافتيريا.. العملية خلفت عدة إصابات في صفوف الأوروبيين.. العملية من تنفيذ الفدائية فضيلة عطية".

مراهقون في الجزائر يتهافتون على شراء دمية "لابوبو".. رغبة في التسلية أم تقليد أعمى؟
رغم ما تواجهه الأسرة الجزائرية من تحديات تتعلق بالقدرة الشرائية، برزت في الآونة الأخيرة موجة استهلاكية غريبة تجسّدت في هوس غير مبرر باقتناء دمية تُعرف بـ"لابوبو"، بعد انتشارها العالمي على مواقع التواصل.

خط بحري جديد للمسافرين بين بجاية وميناء فرنسي.. هل تنخفض الأسعار؟
دخل خط بحري جديد حيز الخدمة بين ميناء بجاية وميناء سات الفرنسي، بعد أن أشرفت الشركة الإيطالية "غراندي نافي فيلوتشي" على التدشين الرسمي له اليوم الاثنين، تزامنا مع وصول السفينة "إكسلنت" إلى ميناء بجاية وعلى متنها 257 مسافرا و181 مركبة.

6 أشخاص في قبضة العدالة بشبهة الاعتداء على السيدة المتهمة ظلما بالسحر
عرفت قضية سيدة العلمة المتهمة ظلمًا بممارسة السحر تطورات جديدة، حيث أعلن عن توقيف ستة أشخاص يُشتبه في تورطهم المباشر في حادثة الاعتداء التي تعرّضت لها، بعد تحليل محتوى الفيديوهات المتداولة على مواقع التواصل الاجتماعي، والتي وثّقت لحظة محاصرة السيدة وتوجيه اتهامات علنية لها، من دون أي دليل مادي أو قانوني.

لجنة الدفاع عن بوعلام صنصال تنتقد "تقاعس" مؤسسات الاتحاد الأوروبي في الدفاع عنه
يُكمل الكاتب الجزائري الفرنسي بوعلام صنصال، في 16 جوان الجاري، شهره السابع خلف القضبان في سجن القليعة، حيث أعلنت لجنة دعمه عن خطوة جديدة للضغط من أجل إطلاق سراحه.

تزايد لافت لاستعمال السلاح في تهريب المخدرات.. هل نتجّه لعسكرة الجريمة؟
تأتي العملية التي أعلنت عنها وزارة الدفاع بتوقيف ثلاثة أجانب مسلحين يوم الجمعة 13 حزيران/جوان الجاري في منطقة عين أمناس الحدودية مع ليبيا، في سياق تحول واضح في سلوك الجماعات الإجرامية التي باتت تلجأ لاستعمال العنف المسلح في تنفيذ عملياتها، بعد أن كانت تعتمد لسنوات على شبكات تهريب سرية محدودة الإمكانيات.