08-يوليو-2022

رجل جزائري يرعى بالخراف (تصوير: رياض قرامدي/أ.ف.ب)

منذ نُعومة أظافره يتنقّل الشاب هشام حدّو، من منطقة مسعد بولاية الجلفة غربي العاصمة الجزائرية رفقة والده عبر الأراضي الشّاسعة للبحث عن المراعي والكلأ، إذ كانت مِهنة والدِه وجدّه تربية المواشي وبيعها في الأسواق الكبرى، غير أنه كبُر ليصبح "موّالًا" أي بائع غنم كبير يرافق قطيعه يوميًا وكأنه من أفراد عائلته، حيث أصبحت له سمعة طيبة بين أقرانه، وصارت تجارته التي ورثها عن والده قبل أكثر من 40 سنة، وتجوب غنمه المدن الدّاخلية ليروِّج لها كسلعة مطلوبة بشكل منقطع النظير، يقصده كثرون ممن يسعون إلى شراء أضاحي العيد.

عرفت أسعار المواشي في الأيام الأخيرة مع اقتراب عيد الأضحى ارتفاعًا غير مسبوق

 اختار السيّد حدّو موقعه بمنطقة زغاية بولاية ميلة شرق الجزائر، إذ استأجر محلًا واسعًا لعرض سلعته من الأغنام والكباش في الضّاحية الشّرقية للمدينة، إضافة إلى بيع قطيع آخر من الأغنام في السّوق البلدي لهذه المنطقة، وكما قال ضرب عصفورين بحجر واحد وقام بتوسعة مهنته بالشّراكة مع أحد أقاربه الذي يرافقه في رِحلة البيع قبل العيد.

تنقّلات طويلة

فضّل هذا الرّاعي كِراء محلّ لبيع خراف الأضاحي في مكان يربط حيّ الخربة وحيّ قصر الماء بأعالي المدينة، ليقترب أكثر من الزّبائن خصوصا وأنّها ليست التّجربة الأولى له في الترحال والتنقّل من منطقة لأخرى شرق البلاد مستخدمًا شاحنته في مناسبة عيد الأضحى، إذ باتت العملية بالنِّسبة له" فترة يقضِيها بين سكّان الولايات الدّاخلية التي يكثر فيها الطّلب على لحوم أغنام مناطِق الجلفة ومسعد وبسكرة وأولاد جلال الجيِّدة والطيِّبة المذاق، كما هي أيضًا في المقابل من ذلك فرصة سانحة للرّبح، على حدّ قوله.

بين أسعار السّوق العمومي الذي ترعاه الحكومة ووزارتا التجارة والفلاحة الجزائرية، وبين ما هو معروض على مستوى الأسواق الشعبية، فضلًا عن الفضاءات قلب المدن، هناك اختلافات تحكمها متطلبات تربية المواشي وتكاليفها طوال السنة، حسب محدّث "الترا جزائر"، معتبراً أن السّعر تحكمه "السّوق بمنطق العرض والطّلب" بل وأحيانًا يتنازل البائع إن كان الفارق بين عرضه وطلب الزبون قليلًا.

عرفت أسعار المواشي في الأيام الأخيرة مع اقتراب عيد الأضحى ارتفاعًا غير مسبوق، إذ تتراوح ما بين 70 ألف دينار جزائري أي ما يعادل 320 يورو تقريبًا إلى 30 ألف دينار جزائري ما يعادل 150 يورو، كما بلغ بعضها أكثر من 500 يورو وهذا حسب النّوعية بين الأغنام والنعاج والكباش.

تملأ العين وتفرِغ الجيب

ورغم هذه الأسعار التي تلهب الجُيوب، ولا يكون في استطاعة الكثيرين على دفع قسطها حتى ولو انخفضت مقارنة مع أسعار نهاية شهر يونيو الماضي، غير أن البعض ينتظر اقتراب العيد أو حتى عشية العيد لتوفير مبلغ شراء الأضحية.

وقال كريم سويكي (49 سنة) وهو أب لأربع أبناء أنه تعود على شراء الأضحية عشية العيد بسبب ظروفه الاجتماعية والاقتصادية، لافتًا في حديث لـ"الترا جزائر" أن الأسعار مرتفعة وليست في متناول " الزّوالي (أي الفقير) " مشيرًا إلى أنّ الكثيرين يفضلون شراء القليل من اللحم، بينما يلجأ البعض للدّيون حتى يفرحون أبناءهم.

العيد وقانون الموسم

في هذه الرّحلة، التي تفطّن لها الكثيرون من مربّو الأغنام في الجزائر، وإيصال "سلعهم –منتوجهم" إلى المدن على فترات متباعدة، يتحول المعنيّون بعرض قِطعانهم من منطقة لأخرى تزامنًا مع اقتراب احتفالات العيد، وذلك لما تسمح لهم الفرصة في تسويقها بأريحية، وعرض الأغنام وأسعارها، وفي المقابل من طلّ ذلك تزدهر معها عمليات كراء الفضاءات من مستودعات وحتّى محلاّت جاهزة لتجارة موسمية.

وبالحديث عن ذلك، يفضّل البعض كراء مدّة شهر كامل بسعر قد يتعدّى الـ 100 ألف دينار جزائري (500 يورو)، بهدف استقطاب الزّبائن والعائلات، خصوصًا في الأحياء السكنية وأصحاب البيوت في العِمارات، الذين بدورهم يفضّلون شراء الأضحية وتركها لدى التاجر إلى غاية عشية العيد بسبب عدم توفر مساحة كافية في العمارة لوضع الأضحية.

هي معضلة تواجه العشرات من الأسر القاطنة في العمارات ذات الخمس والست طوابق وحتى العشر طوابق خصوصًا في المدن الكبرى والعاصمة الجزائرية تحديدًا، غير أنّ البعض وجد ضالته في ذلك بتوضيب مساحة صغيرة جنب العمارات يشترك في تجهيزها السكّان ويضعون خرافهم فيها ويحرسونها خوفًا من السرقات ريثما يحلّ العيد.

ورغم ما تتسبّب فيه الخِراف المربُوطة في تلك الفضاءات السّكنية، إلاّ أن المستفيد الأكبر من هذه الفِكرة هم الأطفال الصّغار، إذ يجدون راحتهم في مداعبة الأغنام واللّعب معها، والافتخار بقرونها وإطعامها أيضًا، فيما جعل منها الشباب ساحة للمنافسة المرتبطة بمناطحة الكباش انتشرت كثيرًا في الأحياء الشعبية مثل باب الوادي والحراش ودرقانة شرق الجزائر والخروب بولاية قسنطينة وعنابة، وغيرها من الأحياء التي جعلت من أضحية العيد فُرجة وبهجة وفرحة الفوز أيضًا يروق لأصحاب الكبش المتفوّق.

بعيدًا عن الأجواء الاحتفالية، وما تصنعه هذه المناسبة من علاقات اجتماعية وعادات مناسباتية، تعتبر رحلة التنقل من مدن جزائرية معروفة بتربية المواشي إلى مدن ساحلية أو مناطق تفتقر للمادة الحيوانية رحلة طويلة، لا يخبرها إلاّ أصحابها من مربّي الماشية ومن لهم علاقة روحية مع الغنم، وجد فيها الكثيرون في البداية هواية ثم شعف ثم تجارة تحكمها قوانين السّوق ثم علاقات اجتماعية تتشكّل مع مرور السنوات، لا تختلف فيها الخراف من حيث منطقة الولادة والمنشأ والرعي، بالقدر الذي تحظى بتكريم رزق سيكون أضحية عيد المسلمين.

مُعاينة الخروف من الواقع إلى المواقع

الملفت للانتباه، تحوّل البيع الخاص بأضاحي العيد في الجزائر من الفضاءات العامة والمحلات المفتوحة والأسواق إلى الفضاء الإلكتروني عبر شبكات التواصل الاجتماعي، إذ تفطن البعض لهذه التجارة التسويقية الإلكترونية، واستخدام وسائل حديثة وبسيطة لعرض منتجهم" الغنم وأسعارها" ونشر فيديوهات قصيرة حولها.

ويرى شفيق قماس ( 52سنة)، أنه استغل هاتفه الخلوي لترويج لبعض الخراف التي بحوزته والاتصال بالزّبائن، لافتًا إلى أن البيع وجه لوجه يكون أفضل إذ يعاين الزبون الخروف الذي اختاره لكن في المقابل فإن التسويق السريع يسهل الكثير من الصعوبات التي يجدها البعض.

التسوق الإلكتروني للأضاحي يحدد نوع وأسعار الأضاحي التي تصعد وتنزل يوميًا بل في كلّ ساعة تماشيًا مع كمية الطّلب

إذا كان التّسويق الإلكتروني لبيع الغنم مع حلول عيد الأضحى يستهدف أساسًا الوصول إلى فئة أكبر من الزبائن وبالتالي زيادة المبيعات والأرباح، فهو أيضًا أداةً من أدوات الترويج والإعلان عن نوع وأسعار الأضاحي التي تصعد وتنزل يوميًا بل في كلّ ساعة تماشيًا مع كمية الطّلب فور انتهاء فترة ما قبل الاحتفالية الدينية.