وسط العاصمة الجزائرية، بين شارعي أحمد حماني وديدوش مراد، ثمة أزقة وشوارع ثانوية، ضيقة ومظلمة، تربط بينها سلالم طالما احتضنت جنباتها مخلفات مرتادي الحانات الليلية، وفرغت في أغلب الأوقات من المارة الذين يتجنبونها.
قامت مجموعة من الشباب الفنانين بتزيين الشوارع الجانبية المهملة في العاصمة الجزائر، برسومات "مستلهَمة من روح الحراك"
كان ذلك فيما مضى نسبيًا، قبل أن يلهم الجو العام للحراك الشعبي، مجموعةً من الشباب لإعادة إحياء هذه الأزقة، كما غيرها من شوارع المدينة، بالألوان.
اقرأ/ي أيضًا: جداريات الغضب.. حاجز أمني يتحول منصةً لرسائل الحراك الشعبي
في شارع ديدوش مراد، التقى "الترا جزائر" بمجموعة من الشباب في ورشة مفتوحة، لتزيين جدران الشارع، محملين بالألوان والأقلام وفرش الرسم.
حراك ما بعد الإحباط
القائد الميداني للورشة هي صبرين راجف، وهي مهندسة معمارية، ويتمثل دورها بين المجموعة في تحديد المهام ووضع خطة العمل والتنسيق. تروي راجف لـ"الترا جزائر"، كيف بدأت الفكرة، فتقول: "كنت أفكر دائمً في صيغة عملية عن كيفية جعل المدينة فضاء مجتمعي متفتح وعصري، يوفر سبل الراحة النفسية والسعادة".
لماذا؟ تعتبر راجف أن المدينة هي "البيت الكبير الذي علينا الاعتناء بأدق تفاصيله من نظافة وترتيب وديكور". لكن نقص الإمكانيات وضعف الإرادة الجماعية، أصاب راجف بالإحباط، ما أجّل مشروعها، غير أنه، بعد حراك 22 شباط/فبراير، تغيّر الأومر.
توضح راجف: "ما حدث أن المجتمع وكأنه تحرر بالكامل من حالة الجمود والوهن والخمول، خاصة بين الشباب الطلبة. في خضم ذلك، وجدت طلبة من جامعة باب الزوار، لديهم خبرة ميدانية، تواصلت معهم لترتيب العمل سويًا".
كانت أول ورشة عملية في شارع ناشد رشيد. عملت المجموعة أولًا على تنظيف الشارع وجدرانه، ثم شرعوا في العمل على وضع مخطوطات الرسومات، والتي مثلت في أغلبها تجسديًا لشعارات الحراك، مع رسائل عن السلام والمحبة.
تؤكد صبرين على أن الحراك كان دافعًا قويًا في عمل مجموعتها، قائلًا: "بث الحراك الروح في مجموعة من القيم والأفكار التي كانت راكدة"، مشيرةً إلى أن "فن الشارع قادر على تجسيد هذه القيم عبر الرسومات والتعابير الشكلية التي تخاطب الجمهور مباشرة في رسائل سياسية واجتماعية وإنسانية".
منبر إبداعي
يوضح نزيم، طالب جامعي وأحد أفراد المجموعة، كيف يمثل فن الشارع مساحة للتعبير الإبداعي ربما تكون أرحب من غيرها، فيقول: "فن الشارع يختلف عن الرسم الجداري الذي يستخدم الفخفخة والرش بالطلاء، والذي يقترب أكثر من طريقة الألتراس، ففن الشارع أقرب من الجرافيتي، وإن كان فضاؤه التعبيري أوسع بموضوعاته الإنسانية والثقافية وحتى الهوياتية".
والحدث الأول الذي يمثل موضوعًا أساسيًا لفن هذه المجموعة هو الحراك الشعبي، لا كحدث زمني، وإنما كحالة ممتدة، إنه، كما يقول نزيم: "مصدر إلهام لحسنا الفني والثقافي".
الاعتراف بفن الشارع
بعد أسبوعين من العمل انهى فنانو الشارع عملهم، وأمسى الشوارع التي عملوا عليها مزارات سياحية، تستقطب المارة والمشدوهين بجمال ما طبعته ألوانهم.
يقول أحد شباب الحي، ويدعى مراد: "في السابق لم يكن هناك من يجرؤ على المرور عبر هذه السلالم الثانوية من الأوساخ والخوف من التحرشات، لكن الآن بات الوضع مختلفًا"، وهي شهادة وافقته عليها طالبة في الجامعة المركزية، قالت: "منذ عامين وأنا أدرس في الجامعة، ولم أمر أبدًا عبر هذه الشوارع الجانبية. الآن باتت هذه السلالم أنيقة وتعطي إحساسًا بالحميمية".
يأمل فنانو الشارع أن يتم الاعتراف بمجالهم الفني من جهة احتضانه وتنظيم فعاليات ومسابقات وطنية تبرز الطاقات الإبداعية فيه
يأمل فنانو الشارع فتح مجال أوسع لفنهم الذي يعتبرونه أداة توعوية قادرة على مخاطبة قطاع كبير من الجمهور بسهولة، كون فن الشارع مرتبط بالهوامش والعمق المجتمعي، لذا يتمنى هؤلاء الشباب الاعتراف بفنهم من جهة احتضانه وتنظيم فعاليات ومسابقات وطنية تبرز الطاقات الإبداعية فيه.
اقرأ/ي أيضًا: