لم تتأخّر رموز ثورية وتاريخية، ناضلت في صفوف حزب جبهة التحرير الوطني في الجزائر، عن المشاركة في مظاهرات الحراك الشعبي، ودعم مطالب الجيل الجديد من الشباب، وهو ما عزّز المرجعية التاريخية للمسيرات الشعبية، رغم أن الحزب محسوب على السلطة، ويشّكلُ كثير من منتميه الواجهة الحكومية والبرلمانية في الجزائر، إلى جانب كلّ هذا، لم تتوان القيادة الحالية للحزب، عن تزكية الرئيس السابق بوتفليقة في كل العهدات الماضية وتقديمه في صورة المنقذ الوحيد. وهو ما جعل ذكر جبهة التحرير، مرتبطًا بالفساد وتدهور الأوضاع في البلاد.
السلطة استولت مجدّدًا على حزب جبهة التحرير سنة 1996 بعد تنفيذ"المؤامرة العلمية"
التاريخ للجزائريين
يفرّق الحراك الشعبي في الجزائر، بين حزب جبهة التحرير الوطني الذي تأسّس رسميًا العام 1964، وبين جبهة التحرير الثورية التي قادت الثورة التحريرية في الجزائر( 1954-1962)، ويتجسّد ذلك في استقبال رموز الحزب التاريخيين في المسيرات الشعبية منذ انطلاقها في الـ 22 فيفري/ شبّاط الماضي، إذ حظيت بعض الأسماء المنتمية لحزب "الأفلان" كما يُعرف في الأوساط الإعلامية، بالترحيب والاحتفاء في الشارع.
تقدّمت الأسماء الثورية كذا مرّة، الصفوف الأولى من الجموع الغفيرة في الحراك، مثل المجاهدة جميلة بوحيرد والمجاهدة لويزة إيغيل أحريز، وشقيقة الشهيد العربي بن مهيدي ظريفة بن مهيدي، والمجاهد لخضر بورقعة وغيرهم، إذ تعتبر هذه الرموز "امتدادًا حقيقيًا للثورة التحريرية، وقد كانوا أوّل من شجّع الشباب على مساعيهم وعلى نشاطهم الثوري، ودفعهم للإصرار على مطالب التغيير".
اقرأ/ي أيضًا: الأحزاب الإسلامية والحراك.. هل تراجعت شعبيتها؟
مشاهد تاريخية عرفها الحراك الشعبي، بوجود هؤلاء الثوريين من قدماء جبهة التحرير، ما عزّز موقف الحراك الداعي إلى تحرير جبهة التحرير من الاستغلال السياسي، ومن إطاره كحزب سياسي إلى جبهة وطنية ملك تاريخي مشترك، كما قال الناشط السياسي محمد لطرش في حديث إلى ـ" الترا الجزائر".
الحراك الشعبي أعاد جدل المرجعية التاريخية للسلطة إلى الواجهة، بحسب محمد لطرش، حيث أثيرت مشكلة تاريخية تقليدية تتعلّق بحزب جهة التحرير الوطني، إذ يعترض الحراك الشعبي على أيّ حوار مع قيادات الحزب العتيد، ويرفض وجود قادته الحاليين في المسيرات الشعبية، ويوجّه لهم الاتهامات بضلوعهم في مختلف أزمات الجزائر، فضلًا عن كونهم مكونًا من وجوه الفساد الذي استشرى في الجزائر، بسبب استغلالهم للحزب وجعله سجلًّا تجاريًا لدى النظام السياسي، وخصوصًا في فترة حكم الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة" بحسب المتحدّث.
الجبهة للجميع
السؤال الذي يطرح بإلحاح اليوم، هل المرجعية التاريخية ملكٌ جماعي مشترك لكل الجزائريين، أم أنها ستظلّ محتكرة من قبل حزب سياسي يزعم قادته الحاليون، أنّه امتداد للثورة التحريرية، ويمارسون تحت مظلّته كل أنواع الاستبداد والسيطرة واحتكار المناصب وإقصاء الآخرين.
تاريخيًا، "ليست هي المرّة الأولى التي يظهر فيها مطلب استعادة جبهة التحرير الوطني كقاسم تاريخي مشترك بين الجزائريين، إذ ظهر هذا المطلب في انتفاضة ومظاهرات 5 أكتوبر/ تشرين الأوّل 1988، وما تلتها من احتجاجات وعنف، أفرزت بعدها الأحداث، تعددية سياسية وإعلامية"، يقول الباحث في العلوم السياسية والعلاقات الدولية نور الدين بلواد لـ" ألترا جزائر".
يضيف المتحدّث، أنّ الحزب نجح عبر حكمة المناضل الثوري عبد الحميد مهري، الذي أعاد جبهة التحرير الوطني إلى حضن الشعب، وأعلن عن قطيعة سياسية مع السلطة على حدّ قوله.
إستعادة حزب جبهة التحرير من السلطة، ساعد على إرجاء مطلب حلّ "الأفلان" وإحالة الحزب إلى المتحف كما كان يقال وقتها، لكن السلطة نجحت عام 1996 في الاستيلاء على الحزب مجدّدًا، عبر ما سمّي تاريخيًا بـ"المؤامرة العلمية"، حيث عاد الحزب محملًا بمرجعيته التاريخية إلى أحضان السلطة وبقي على هذه الحال إلى غاية اليوم.
مطلب متجدد
منذ انطلاق الحراك الشعبي، حدث صِدام على القيمة التاريخية للجبهة، وأصبحت محلّ صراع بين الحراك الشعبي الذي تعزّز موقفه بانضمام الرموز التاريخية ومنظمة المجاهدين ( قدماء المحاربين)، وبين حزب جبهة التحرير الوطني وقيادته الحالية التي تزعم احتكار المرجعية الثورية وتصرّ على أنها تمثلّ الامتداد الطبيعي للثورة.
في هذا السياق، أعلنت منظمة المجاهدين في بيان لها في نهاية جوان/ يونيو الماضي، أن الحزب أصبح عنوانًا للفساد ودعت فيه الجزائريين إلى"التمييز بين جبهة التحرير الوطني التي قادت الشعب الجزائري إلى التحرير وتحقيق النصر على الاستعمار، والحزب الذي أصبح اليوم عنوانًا لكل مظاهر الفساد، ممّا جعل الجماهير تطالب برحيله، وهو ما يؤكّد أن الحزب تمّ استغلاله كمطية للتداول على الحكم طوال نصف قرن".
كما طالبت منظمة المجاهدين، بـ "تحرير جبهة التحرير الوطني، "وإنزالها المكانة التي تستحقها، ومنع توظيفها من أي جهة كانت باعتبارها تراثًا تاريخيًا مشتركًا لكل أبناء الشعب المخلصين"، كما أصدرت المنظمة على لسان رئيسها بالنيابة محند واعمر بالحاج، بيانًا جدّدت فيه مطلب سحب جبهة التحرير الوطني من قادته الحاليين، الذين مازالوا يعبثون بهذا الرصيد التاريخي للشعب الجزائري، بحسب البيان.
هذه المواقف استفزّت قيادة حزب جبهة التحرير الوطني، التي ردّت الثلاثاء الماضي، ببيان حادٍ ضدّ مواقف وبيانات منظمة قدماء المحاربين، وجاء في بيان "الأفلان"، أن الحزب عازم على التصدّي لكل محاولات النيل منه، "واستهداف تاريخه الوطني الزاخر، وإسهاماته الفعالة في بناء الدولة الوطنية، والدفاع عن المؤسّسات، وهم مستعدون لمواجهة كل من تسوّل له نفسه التعدي على الحزب".
نقاش في غير وقته
تعتبر هذه التصريحات، أوّل مواجهة سياسية بين حزب جبهة التحرير الوطني وبين منظمة قدماء المحاربين، فيما يتعلق بالمرجعية الثورية، على الرغم منظمة المجاهدين، كانت ضمن خمسة منظمات وطنية كبرى استولى عليها الحزب سنة 1988، إضافة إلى اتحاد الفلاحين، واتحاد الشبيبة الجزائريين واتحاد النساء واتحاد العمال.
الجراك الشعبي حسم النقاش حول مشاركة رموز حزب جبهة التحرير الحاليين في الحوار الوطني
رغم تصاعد الجدل حول مسألة المرجعية التاريخية لحزب جبهة التحرير، وتوظيفها في النشاط السياسي، إلا أن هذا الجدل لا يمثّل أولوية سياسية في الوقت الحالي، بعدما حسم الحراك الشعبي النقاش حول مشاركة رموزه الحاليين في الحوار الوطني، لكن يُتوقّع أن يكون الحديث عن "الأفلان" في صلب النقاشات المتعلّقة بصياغة الدستور الجزائري المقبل، خاصّة وأنّ غالبية البرلمان، مشكّل من المنتمين للحزب العتيد.
اقرأ/ي أيضًا: