حين يقول عضو في الحكومة الموصوفة بأنّها حكومة أزمة؛ أي أنّها جاءت لتواجه الأزمة وتعمل على إيجاد حلول عقلانيّة وعمليّة ودائمة لتمظهراتها المختلفة؛ إنّه لا يملك العصا السّحريّة لحلّ المشاكل؛ فهو يعترف من حيث يدري أو لا يدري من جلبوه بكونه فاشلًا وسلبيًّا.
ثمّة مواطنون يحملون مشاريعَ ميدانية تطوعيًّا في مجالات كثيرة ولم يقولوا إنّهم لا يملكون العصا السّحريّة
كما يجوز لنا القول إنّه يعترف، بلغة الرّئيس نفسِه، بكونه من وجوه الثّورة المضادّة الهادفة إلى إيصال السّيّد تبّون إلى النّفق المسدود. فحتّى لو كان لا يملك العصا السّحريّة؛ لم يكن ملزمًا بقولها لعلمه أنّ ذلك يثير قلاقلَ وبلابلَ ومشاكلَ وسلاسلَ من الاحتجاجات التّي تنضاف إلى الاحتجاج على الوضع أصلًا.
متى نواجه هذا السّؤال الذّي بات يطرح نفسه بنفسه: ما طبيعة المستشارين الذّين يشتغلون مع الوزراء الجزائريّين؟ إنّهم يتركونهم يقعون في أخطاء ينتبه لها حتّى الأطفال! أقسم إنّ بناتي كثيرًا ما تحدّثن عن أخطاء وهفواتٍ لوزراء ومسؤولين كبار!
علمًا أنّ الوزير الواحد يملك الحقّ في تعيين 16 عشر مستشارًا بما يكلّف الخزينة العامّة ملياري سنتيم سنويًّا. فإذا كانت الحكومة تضمّ 40 عضوًا؛ فنحن نخسر سنويًّا 80 مليار سنتيم على مستشارين لا يعصمون الوزراء حتّى من الأخطاء والهفوات والثّغرات التّي تتخلّل تصريحاتهم، بما يعود بالسّلب على الصّورة العامّة للحكومة والرّئاسة والوطن؛ فثمّة أخطاء تخلق تفاعلًا على مستوى المنابر الإعلاميّة والافتراضيّة يتعدّى صداها إلى المَشاهد الأجنبيّة؛ بات في طليعتها خرجات وزير التّجارة.
هنا نجد أنفسنا أمام سؤال موغل في المنطق: ما الذّي حمل السيد تبون على التمسك بالسيد رزيق، على مدار كلّ التّغييرات الحكوميّة التّي أجراها؛ رغم كلّ الإخفاقات التّي أبداها وكلّ المسخرات التّي تسبّب فيها؟! فحتّى الرّدع الذّي مسّ المضاربين مؤخّرًا لم يبادر به هو، رغم وعوده الصّريحة بذلك، بل بادر به الرّئيس ذاته!
إنّه تمسك يدل على واحد من أمرين؛ وهذا ما يتحدّث به المواطنون في الواقع والمواقع، إما أن الرئيس مقتنع فعلًا بكفاءة الرّجل، وهذا يجعلنا نقف على كارثيّة مفهوم الكفاءة عنده، وإمّا أنّ الوزير يملك نفوذًا يتجاوز نفوذ الرّئيس، والأمران كلاهما يجعلان العقلاء من المؤمنين بالجزائر الجديدة يراجعون حساباتهم!
ثمّة مواطنون في الحقول كلّها يحملون مشاريعَ ميدانية تطوعيًّا (التّضامن. البيئة. الثّقافة. الشّباب.. إلخ)، ولم يقولوا إنّهم لا يملكون العصا السّحريّة؛ رغم أنّ الظّروف كلّها تحاربهم، ولا يملكون مستشارين ولا ميزانيّة قارّة ولا مقرّات ولا كوادر ولا مدراء مركزيّين أو ولائيين ولا الحصانة الحكوميّة. مع ذلك فهم يعطوننا يوميًّا أدلّة على أنّ التّغيير ممكن.
هل يجوز لنا، حين نعاين تمسّك السيد الرئيس بالسيد رزيق وببعض الوزراء والمسؤولين ممّن يشبهونه، وجلبه لأمثاله في قطاعات حسّاسة أخرى، أن نقول إنّ زعيم الثّورة المضادّة للرّئيس تبون الذي خرج من ورطة القمة العربيّة موفَّقًا هو الرّئيس تبّون نفسُه؟
نجد أنفسنا أمام سؤال موغل في المنطق: ما الذّي حمل السيد تبون على التمسك بالسيد رزيق
هذا مستبعد كثيرًا طبعًا. وعليه فإنّ منطق المصلحة الوطنيّة العامّة والمصلحة التّبّونيّة الخاصّة، إذ ليس هناك رئيس يرضى بأنّ يفوِّت الفرص التّاريخيّة على نفسه، يقول إنّ الرئيس سيُقبِل على تغيير حكوميّ حقيقي يقوم على معيار الكفاءة والجدارة وروح المبادرة في الميدان، ليبني على الإنجازات التّي حققّها مؤخرًا، منها عودة الجزائر إلى الواجهة الدّوليّة، بكلّ ما يترتّب عنها من ثمار محمودة، إنجازاتٍ إضافيّةً لن تتحقّق إلّا بفريق حكوميّ فاعل وفعّال ومرضيٍّ عنه شعبيًّا. فهل سيفعلها وهو يستعدّ لاستقبال الذّكرى الثّالثة لوصوله إلى قصر المراديّة؟