26-مارس-2024
(الصورة: فيسبوك)

لا يعلم كثيرون أنه درس مادة الفيزياء حتى صار أستاذًا لها، لكن قدره الفني بدأ مبكرًا في المراحل التعليمية، ضمن النشاطات اللاّ صفية، لذلك يفاخر بكونه منتوجًا صرفًا للمدرسة الجزائرية التي كانت تولي عناية فائقة بالأنشطة المسرحية والموسيقية، خارج الدوام الرسمي، مساء كل إثنين وخميس، ما بين سبعينيات القرن الماضي ونهاية التسعينيات.

مبروك فروجي لـ "الترا جزائر": المطالعة ساعدتني على تجسيد زيغود يوسف في فيلم بن مهيدي

صقل مواهبه التمثيلية في دار الشباب بحي شيخي حيث ترعرع، فأسس رفقة رفاقه فرقة مسرح هاوية وأخرى موسيقية في فن الغيوان تتقن العزف على البونجو و التومبا و البندير، حيث كان يرى ألاّ فرق بين التجربة الغيوانية بلغتها الشعبية المحكية و النصوص الركحية.

مبروك فروجي واحد من الممثلين الجزائريين متعددي الاختصاص، يجمع بين التجربة التمثيلية والدراسة الأكاديمية، إذ يحوز شهادة ماستر في علم الاجتماع الحضري، وينوي الحصول على شهادة الدكتوراه في علم الاجتماع الثقافي كي يكون قريبًا من النبع الذي تغذى منه على مدار أربعة عقود كاملة.

مبروك فروجي

مع باسم ياخور

انتقل من المسرح الجامعي نحو المسرح المحترف عبر المسرح الجهوي بباتنة، فبرز في مسرحية " الأرانب" التي أخرجها سمير أوجيت، العام 1994، يتذكر سنوات الميلاد الركحي فيقول في حديث إلى "الترا جزائر" إن النص يتناول قصة مجموعة من نزلاء مستشفى مجانين، ألقت بهم أياد غليظة داخله لأسباب سياسية بحكم انتقادهم لشؤون تسيير البلاد".

ثم تمدد فنيًا بنحو أعمال تلفزيونية، نهاية التسعينيات، في مسلسل "وين الهربة وين" رفقة حكيم دكار، فاشتغل مع محمد حازورلي وعلي عيساوي من محطة قسنطينة، و لأنه ثبت مكانته، فقد عاد ليظهر مع جميلة عرّاس في دوّار الشاوية، 2005 سنة  قبل أن يسطع في الفيلم الجزائري السوري، عندما تتمرد الأخلاق، 2006، فيضيف: "كان لي الشرف أن أمثل رفقة الفنان السوري الكبير باسم ياخور الذي صار نجما لافتًا في الدراما السورية و العربية، و بحق كانت تجربة ثرية، أكسبتني دفعة معنوية باتجاه الطريق الصحيح".

مبروك فروجي

فتح المسرح لمبروك طريق التلفزيون، و طبيعي أن يجد نفسه لخصائص متعلقة بالبروفايل و الملامح في السينما، و عن تلك التجربة يشرح: "مثلت دور الثوري الكبير الحاج لخضر في فيلم مصطفى بن بولعيد للمخرج القدير أحمد راشدي، العام 2007، كنت أرغب في تقمص شخصية الحاج لخضر، و لأني أعرفه و أعرف أقاربه فقد عبّرت عن شخصيته العفوية، عبر قصص جمعتها عنه، فقد كان يتولى حل مشاكل المواطنين البسطاء، الذين يتواعد معهم بعد صلاة الصبح في المسجد العتيق، لينقلهم للعاصمة بسيارته هوندا أكور، ثم يعود بهم مساءً و قد تكفل بانشغالهم دون أن يتلقى سنتيمًا نظير الخدمة، علاوة على أنه كان يدفع الغداء و العشاء من جيبه".

التعمق في تفاصيل الشخصيات الثورية، سيفتح له طريق المضي في عدة أفلام تاريخية، على غرار كريم بلقاسم والعقيد لطفي، والبئر، وصليحة ولد قابلية، شقيقة الوزير السابق دحو ولد قابلية أحد أعضاء جهاز "المالغ"، وأسد مستاوة 1916، ودزاير شايب رفيقة باجي مختار، ومايو، ثم فيلم العربي بن مهيدي المفرج عنه مؤخرا، وللزخم الثوري الكبير كان سؤال يفرض نفسه حول التخصص الثوري فيجيب ضاحكا: "ببساطة ذلك مرتبط بأني أملك وجها ثوريا، يصلح لهذه الأعمال ولتجربتي الركحية الطويلة والتحكم في اللغة المحكية العفوية. لا تنسى أني سليل المدرسة الغيوانية".

فجأة يتذكر محدثنا أعمالًا أخرى شارك بها من قبل فيضيف مستدركًا لـ "الترا جزائر": أنه ظهر أيضًا رفقة إيزابيل عجاني في فيلم "الأخوات الثلاث" وكذلك مع الكوميدي العالمي ذي الأصول الجزائرية إسماعين في فيلم زواج حلال من اخراج المرحوم عبد الحميد زموري، على حدّ قوله.

مبروك فروجي

غول الرقابة

بالعودة للفيلم الأخير العربي بن مهيدي، يشدد مبروك فروجي على أمر غاية في الأهمية، فيقول: "عندما شاهدت الفيلم الذي مثلناه كنت أشاهد القصة داخل القصة بمعنى، بعد ثمانية سنوات من الأخذ والرد، رأيت الفيلم فأدركت تغير ملامحي مقارنة بالفترة التي أديت فيها دور البطل زيغود يوسف، بعض زملائي هرموا من أجل هذه اللحظة التاريخية حيث تقدم بهم العمر كثيرًا".

يصمت ويستطرد: "في الجزائر ثمة نوع سائد من الرقابة المتغلغلة في الثقافة الذهنية للأفراد بداعي الخوف من زعزعة المسلمات، لكن هذا لا يمنع بما أن الثورة نجحت، وأبطال الجزائر هم أبطال، أن تكون لنا رؤية سينمائية وفنية للأحداث، فالمجاهدون هم بشر وليسوا ملائكة، وعرضهم بطريقة إنسانية يعطيهم قيمة أكبر لأنهم شخصيات تاريخية حقيقة تفاعلت بصدق مع الثورة لأنهم كانوا صادقين في القضية الوطنية".

مبروك فروجي

لا ينسى فروجي أن يشيد بالمخرج بشير درايس لأنه أراح الممثلين، فيقول:" ركز على مؤتمر الصومام لأنه كان حدثا مفصليا في الثورة، كما ركز على الجانب السياسي لا العسكري، وفتح موضوعا جدليا في حاجة لاستنطاق موضوعي. أما طريقة العمل فكانت رائعة، اتصل بي درايس بالهاتف ليقول لي: "مبروك حضّر نفسك فأنت هو زيغود يوسف وأقفل الخط، لقد حدس تطابق الشخصية مع ملامحي وشخصيتي، ثم وفر لي السيناريو والسيرة الشخصية للبطل، فتعمقت في تجسيدها عبر المطالعة".

هذا ما مكنه من التقمص الفعلي إن ملمحيًا أو شخصيًا فيوضح: " يتميز زيغود يوسف بخصلة نادرة في زمننا الوفاء للرفاق، حيث أنه رفض انعقاد المؤتمر دون حضور بن بولعيد، وظل متمسكا برأيه لأنه لا أحد كان يعلم باستشهاد سي مصطفى خلال انعقاد المؤتمر، شخصيا يتيح لي أداء دور الشخصيات معرفة عظمة هؤلاء الرجال السابقين لعصرهم، بلا شك هم عباقرة بكل المقاييس".

يبتسم ويعقب "نفس التلاحم مع الدور حدث لي في فيلم صليحة، أديت جور باموح وهو البطل الثاني في الفيلم، لقد حدث توافق بين المخرج بادي وشقيق البطلة دحو ولد قابلية، فقد تم منحي الدور، وأمّا عندما عرض الفيلم فقد هنأني الوزير السابق وثلة من مجاهدي معسكر الذين قالوا لي لقد رأينا باموح حيًّا أمامنا".

تحرير السينما

تعرف المشاهدون خلال شهر رمضان على أربعة أدوار مختلفة لمبروك فروجي، بعضها مركبة في حاجة لإدراك فني كبير، لذا لم يفوت الفرصة ليقول: " أنا محظوظ هذه الأيام المباركة، أذ أني حاضر في عدة أعمال تعرض على الشاشة، هي السويقة، و بوسلاح ومسلسل 11/11، و الرهان، إن هذا التنوع مفيد لي لأكتشف نفسي و لأعرض نفسي على المشاهدين عبر شخصيات مختلفة، و طبعًا أتلقى إشادة من الرفاق و المخرجين و النقاد، لكن صدقني سررت جدا بآراء تلامذتي الذين أدرسهم الفيزياء و هذا حقا رزق شخصي أفتخر به".

عن رأيه في المسلسلات الرمضانية يقول " ثمة مواهب كبيرة وتطور كبير في التقنيات السينمائية والتصويرية، كذلك هناك اهتمام كبير من السلطات العليا في السنوات الثلاثة الأخيرة بقطاع السينما وفقا لرؤية الجزائر الجديدة، وهذه كلمة حق فهناك إرادة علينا أن تستغلها، عبر تحرير قطاع السينما باتجاه المؤسسات الخاصة، مع الإبقاء على عمل الرقابة المقبولة صيانة للخطوط الحمر، لنعيد وهج الجزائر السينمائي.

فبلدنا شرف السينما العربية عبر فيلم وقائع سنين الجمر للقدير الأخضر حامينا، بجائزة السعفة الذهبية لمهرجان كان 1975، لذلك لابد من تحرير السينما من حيث الإنتاج و التسويق و الذهاب نحو مفهوم "البوكس أوفيس" عبر بعث نشاط القاعات السينمائية والتقييم بعدد التذاكر المباعة.

ثم مسترجعًا فكرة ما يقول "لكن لا ينبغي للإنتاج الدرامي أن يقتصر على شهر رمضان، يجب أن يستمر طوال العام، ومن باب النكتة لا أحبذ أن يتحول الممثل الجزائري إلى حلوى زلابية لا تستهلك بشراهة سوى في شهر رمضان"، وبشيء من الدعابة يضيف: "علينا أن نخرج من حلقة سينما دراما الزلابية على غرار أفلام السباغيتي الإيطالية".

مبروك فروجي

حلم نوميدي

يختصر مبروك فروجي الذي مثل أكثر من 15 فيلمًا متنوعًا، أحلامه الفردية والجماعية كما يلي: "حلمي الشخصي الأكبر أن أجسد دور شخصية نوميدية مثل يوغرطة أو ماسينيسا أو مسيبسا، يتطلب الأمر بناء ديكور لائق بمدن سينمائية ستفتح باب السينما صوب العالمية، وسيتيح ذلك قدوم مخرجين كبار ولإخراج افلامهم هنا.

أما الحلم الجماعي المتفق مع رؤيتي الفردية فسيمكننا من الخروج من نطاق الأفلام الثورية باتجاه أفلام تاريخية للحقب القديمة مثل حرب الثلاثمائة عام و الفترة العثمانية و البحرية الجزائرية، كما يمكن ذلك من بعث منصة شاهد الموازية لمنصة نتفليكس للتعريف بثقافتنا التاريخية سينمائيًا عبر القوة الناعمة للشاشة، دون أن ننسى بأن للسينما دور في تحرير العقول من الانغلاق المدمر" و تدعيما لما يقول يضيف: " تتوفر بلادنا على عامل طبيعي مهم هو توفر الضوء الغزير، بشهادة مدراء إيطاليين وفرنسيين وأمريكيين و أنجليز، نحن نملك شمس ساطعة مريحة للتصوير، حتى في أوقات الانتصاف الصعبة المسماة "الزينيت" كما أن تنوع ملامح السكان المنتمين للبحر المتوسط و اتساع الجغرافيا باتجاه الهضاب و الصحراء، يوفر ممثلين يلتهمون الكاميرا كما يقال".

يبدو مبروك فروجي وحشًا تمثيليًا لا يتوقف عن العمل، هذا ما يحرمه من الظهور التلفزيوني مفندًا أن يكون ضحية تجاهل القنوات له، فامتلاء رزنامته بالأعمال الفنية والتزامه بالتدريس يفوتان عليه الظهور الكثيف في بلاطوهات القنوات، ليكشف في ختام الجلسة عن مشروعين قادمين.

مبروك فروجي لـ "الترا جزائر": أنا بصدد التصوير في فيلم عنوانه الزعيم، يروي قصة حقيقية لمعوق هو نجل ثوري، سيتضح في نهاية المطاف اضطلاعه بأدوار بطولية رغم قصوره العضوي

يواصل: "أنا بصدد التصوير في فيلم عنوانه (الزعيم) يروي قصة حقيقية لمعوق هو نجل ثوري، سيتضح في نهاية المطاف اضطلاعه بأدوار بطولية رغم قصوره العضوي ودون علم والده الذي كان رفيقا للبطل باجي مختار. وهناك عمل مع مخرج فرنسي عرض عليّ دورا في فيلم معاصر، سنكشف عنه بعد التوقيع على العقد في القريب العاجل".