تحيي الجزائر، اليوم الأربعاء الذكرى الـ79 لمجازر 8 ماي/آيار1945 التي اقترفها الاستعمار الفرنسي، في عدد من المدن الجزائرية بشكل مروع وفظيع، مخلفا 45 ألف شهيدا ومداشر وقرى مدمرة عن كاملها.
رفع متظاهرون الراية الوطنية للمرة الأولى في هذه مظاهرات سلمية يوم 8 ماي 1945 والتي تحولت في ظرف وجيز إلى مجزرة دموية تعتبر واحدة من أبشع الجرائم الفرنسية في التاريخ
مجازر الـ8 ماي التي قال بخصوصها رئيس البلاد عبد المجيد تبون في رسالته التي وجهها الثلاثاء، للشعب الجزائري بمناسبة اليوم الوطني للذاكرة أن الاستعمار أقدم على اقترافها بأقصى درجات الحقد والوحشية لإخماد سيرورة مد نضالي وطني متصاعد أدى إلى مظاهرات غاضبة عارمة انتفض خلالها الشعب الجزائري آنذاك معبرا عن تطلّعه إلى الحرية والانعتاق، وكانت إعلانا مدويا عن قرب اندلاع الكفاح الـمسلّح في الفاتح من نوفمبر 1954".
قصة الراية
هذه الجرائم التي لا تسقط بالتقادم ولا بالتآكل كما وصفها الرئيس تبون، تشهد عليها صور ومشاهد مختلفة قاسية وأليمة لآلاف الجزائريين العزّل وهم يسقطون تباعا برصاص المحتل الفرنسي بسطيف وقالمة، أو الذين تم رميهم من على جسر خراطة.
وتشهد على هذه الإبادة الجماعية الراية الوطنية التي رفعها المتظاهرون للمرة الأولى في هذه المظاهرات السلمية التي تحولت في ظرف وجيز إلى مجزرة دموية تعتبر واحدة من أبشع الجرائم الفرنسية في التاريخ، بحيث لا تزال هذه الراية التاريخية محفوظة بمتحف المجاهد بولاية سطيف شرقي الجزائر منذ أن أعيدت إليها سنة 2008، وقد جرى تسليمها بعد الاستقلال من طرف قسمة المجاهدين إلى المتحف الوطني للمجاهد بالجزائر العاصمة بحسب ما ورد في صفحة الأخير على "فيسبوك".
هذه الراية هي العلم الجزائري الحالي نفسه وبألوانه الثلاثة الأبيض والأخضر والأحمر وبهلاله ونجمته، لكن تعد بمثابة شاهد تاريخي على بشاعة المستعمر الفرنسي الذي نكّل وعذّب وقتل آلاف الجزائريين دون رحمة، لا لشيء سوى لأنهك طالبو بالحرية بشعارات مختلفة أبرزها "الجزائر حرة"، وطالبوا بأن تفي فرنسا بوعدها الذي قدمته لهم بعد مشاركتهم في الحرب العالمية الثانية ضد الألمان، وقتها فرنسا وعدتهم بالاستقلال بمجرد الانتصار على ألمانيا، ولكن الاستعمار الفرنسي تنصّل لوعوده، وقابلهم بوحشية لا نظير لها وقتل 45 ألف شهيد في يوم واحد بكل من سطيف وخراطة وقالمة وعين تيموشنت ومناطق أخرى في البلاد.
من حمل راية الـ8 ماي؟
وبحسب ما جاء في صفحة المتحف الوطني للمجاهد ومصادر تاريخية كثيرة فإنّ " راية 8 ماي 1945 حملها ثلاثة أشخاص كانوا يتقصجمون جموع المتظاهرين بحماس كبير، أولهم شراية العيد، ثم حملها لخضر تاعرابيت، وكان الثالث الذي حملها بوزيد سعال الذي كان أول شهداء هذه المجازر الدموية.
وفي الوقت الذي يتقدم فيه الثلاثة مع الحشود هاتفين بالحرية للجزائر وبالاستقلال، أوقفتهم الشرطة الفرنسية وطلب منهم عدم التقدم إلى الأمام، هنا لاحظ شرطي يدعى "لوسيان أوليفري" الراية التي تم خياطتها في سرّية كبيرة لكي لا يكتشف أمرهم الشباب الثلاثة الذين كانوا يحملونها، فأمرهم أن يلقوا بها على الأرض، فقام بوزيد سعال الذي كان يحملها بعصيان أمره وعدم الرضوخ له، فأخذ الراية وركض، لكن الشرطي واجهه بالرصاص، فأطلق رصاصات عليه وأرداه شهيدا. بحسب متحف المجاهد.
وبعد استشهاد سعال بوزيد، بدأت المجزرة بقتل الجزائريين بشكل عشوائي ووحشي من أجل بث الرعب والخوف في قلوب باقي الشعب، لتكون بذلك أبرز مجازر فرنسا الاستعمارية التي ارتكبتها في الجزائر، إلى جانب جرائم أخرى كثيرة وفي مختلف ولايات البلاد.
وفي تصريح سابق لمدير متحف المجاهد سابقا كمال فرية نقلته وكالة الأنباء الجزائرية ذكر أنّه "منذ 1945 ظل ذلك العلم يسافر لكن في أيادي آمنة تدرك جيدا قيمته إلى غاية سنة 2008 تاريخ فتح متحف المجاهد بسطيف"، والنشطاء الذين ساهموا في تأطير مسيرة 8 ماي 1945 التزموا منذ ذلك التاريخ بالحفاظ على تلك الراية الوطنية إلى غاية ما بعد الاستقلال حيث تم تسليمها بوثيقة رسمية تثبت بأن هذا العلم هو نفسه".
مجزرة الـ8 ماي 1945 مأساة خلفت جراء التقتيل العشوائي والإعدامات الجماعية التي استمرت من اليوم إلى نحو أسبوع أكثر من 45.000 جزائري شهيد، إضافة إلى حملات الاعتقالات لبعض شخصيات الناشطة على المستوى السياسي مقل رؤساء "حركة أحباب البيان والحرية" و"جمعية العلماء المسلمين الجزائريين" ومناضلي "حزب الشعب الجزائري"، إلى جانب اعتقال آلاف الأشخاص وإيداعهم السجن. فيما درمت قرى ومنال الجزائريين وممتلكاتهم وقمعتهم بشتى أنواع الأساليب.