09-سبتمبر-2019

الجامعات الجزائرية في ذيل ترتيب "تايمز هاير إيدوكايشن" 2019 (ستيفانو مونتيسي/ Getty)

"لحدّ اللحظة لم أندم أنّني ودّعت مقاعد الدراسة، في الثانية عشر من العمر، وأصبحت أطارد لقمة العيش من أجل إخوتي الأربعة، لم أرضَ برؤية أمي تشتغل في بيوت الناس، وعودتها مهدودة الجسد في كلّ مرّة بعد يوم شاق".

 أثارت تصريحات وزير الشؤون الدينية جدلًا واسعًا، بسبب تذكيره في أحد خطاباته الجزائريين بمجّانية التعليم

 يتحدّث الشاب وليد (22 سنة)، عن وضعه ووضع أسرته بعد فقدانه لوالده، وتخلّي أقاربهم عنهم، يفتخر أنّه اليوم صار "رجل البيت"، أمّا حُلمه بمواصلة الدراسة فهو يراه في شقيقته الصغرى إيمان، فقد أصبح عائل الأسرة، ويوفّر لأخوته ثمن الأدوات المدرسية والمأكل والملبس، ورغم مجّانية التعليم، إلا أنّ ذلك لا يجعله يفكّر في الالتحاق بالمدرسة. بحسب حديثه إلى "الترا جزائر".

اقرأ/ي أيضًا: التعليم في الجزائر.. "تضحيات" الآباء شهاداتٌ يحصدها الأبناء

الدستور ومجّانية التعليم

يسود اعتقاد في كثير من الأسر الجزائرية، أنّ التعليم يحفظ كرامة حامل الشهادة الجامعية، ويغيّر وضعه الاجتماعي نحو الأفضل، رغم الأرقام التي تُشير إلى ارتفاع نسب البطالة بين حملة الشهادات العليا، وقلّة مناصب الشغل المتوفّرة لهم، والرواتب الهزيلة التي يتلقّاها حتّى خرّيجو الجامعات، في القطاعين العمومي والخاص. فماذا لو كان التعليم مدفوعًا كما في كثير من دول العالم؟

صبيحة الاستقلال، وفي العام 1962، كان الالتحاق بالمدرسة حلمًا بعيد المنال، حيث استيقظ الجزائريون بعد حرب دامية مع الاستعمار الفرنسي، على بنية تحتية غير مؤهّلة لمباشرة التعليم والتعلم، بسبب نقص المؤطّرين، وتفشي الأميّة بشكل واسع، فاتخذت الدولة قرارًا سياديًا ودستوريًا ينصُّ على مجّانية التعليم لكلّ الجزائريين.

أطفال جزائريون يسيرون حفاةً نحو قاعة الدرس، يتوقون لملامسة الأوراق والأقلام ومباشرة أولى دورسهم في المدرسة، هي الصور الأولى التي تحتفظ بها صفحات التاريخ الجزائري عشيّة الاستقلال، فكان التعليم إجباريًا ومتاحًا لجميع فئات المجتمع على اختلاف مستوياتهم، ولكن مع مرور الوقت تغيّرت الظروف والمعطيات؛ وظهرت المدارس الخاصّة وحصص الدعم، وأصبح التعليم يُطلب بالمال أيضًا، وتضاءلت حظوظ التلاميذ في التعليم على يد أساتذة أكفّاء.

تؤكّد النقابة الوطنية لعمال التربية أنّ "مجانية التعليم حقّ دستوري لكل الجزائريين غنيهم وفقيرهم"، وتُضيف في ديباجتها التنظيمية، أنه بـ"فضل مجانية التعليم أنجبت الجزائر اليوم الأطبّاء والمهندسين والأساتذة والمحامين والقضاة والعمال في شتى القطاعات".

من جهته، يعتقد النقابي عبد القادر نجادي، بأنه لكل جزائري الحقّ في مجانية التعليم، فضلًا عن المنح الدراسية والجامعية والإيواء، سواءً عملًا بالنظام الداخلي أو نصف الداخلي، لافتًا في تصريح لـ"الترا جزائر"، أنّ الحكومة الجزائرية تصرف ثلث ميزانيتها على التعليم، في مقابل ذلك، يرى نجادي، أنّ مصاريف الدراسة في عديد الدول باهظة الثمن، ولا يُمكن لمواطن لديه خمسة أو ستّة أبناء متمدرسين أن يتحمّلها.

يعتقد المتحدّث، أن مجّانية التعليم وإجباريته إلى غاية سنّ الـ 16، من مكتسبات الدولة الجزائرية منذ الاستقلال، داعيًا إلى المحافظة عليه لضمان حقوق الفئات الهشّة والعائلات الفقيرة، على حدّ قوله.

مخابر تجريبية

مؤخّرًا، أثارت تصريحات وزير الشؤون الدينية يوسف بلمهدي جدلًا واسعًا، بسبب تذكيره في أحد خطاباته الجزائريين بمجّانية التعليم، وقال في تصريح لوسائل إعلامية "الجزائر هي الدولة الوحيدة التي يتمدرس أبناؤها مجانًا".

حمل هذا التصريح، بعض الناشطين والنقابيين إلى جملة من الانتقادات، صبّت في مجملها حول أنّ كثيرًا من دول العالم تضمن مجانية التعليم أيضًا، ولكنها في مقابل ذلك، تقدّم خدمات تكوين عالية ومرافقة أكاديمية للطلبة، هنا، يعتبر عبد المجيد غريب الأستاذ في مادّة اللغة العربية، في حديث إلى "الترا جزائر"، أنّ إشكالية التعليم في الجزائر، "هي تمييع التعليم العمومي، بسبب عدم نقل الخبرات للجيل الجديد من المعلّمين والأستاذة".

وأكد غريّب، الذي مارس مهنة التدريس في قطاع التربية لمدّة تفوق 20 سنة كاملة، بأنه لا يُمكن أن نغفل جانبًا مهمًا، يتعلّق بـضعف المخرجات التعليمية في السنوات الأخيرة، لافتًا إلى فشل إصلاحات قطاع التربية وسوء وقصور التخطيط والبرمجة، وضعف التكوين وسوء التسيير، معتبرًا أنّ التعليم لم يعد قاطرة التحديث، بل صار مخبرًا لتجريب المشاريع الفاشلة والمشبوهة. على حدّ تعبيره.

هياكل إسمنتية

"هل يكفي بناء المدارس لتحسين مستوى التعليم؟ سؤال لا بدّ أن يُطرح اليوم، نظرًا إلى حجم الهياكل التربوية، والأرقام التي تتغنّى بها الحكومة في تقاريرها السنوية، لكنّ التعليم لا يُبنى بالإسمنت فقط" يقول الأستاذ في التعليم الثانوي عزّ الدين زحوف في حديث إلى"الترا جزائر".

 يُرجع المتحدّث، فشل قطاع التربية خلال السنوات الأخيرة، إلى فشل منظومة مجتمعية كاملة، مضيفًا أن المدارس "صارت كالسجون، هياكل بلا روح ولا جماليات".

يطرح زحّوف، جملة من النقائص التي تفتقر إليها المدرسة الجزائرية، قائلًا: "الكثير ممن يشغل منصب حاجب بالمدرسة، لا يصلح لتلك الوظيفة. الطاولات والكراسي تعذّب التلاميذ أثناء الجلوس، وهذا إن وجدت بسبب الاكتظاظ، فضلًا عن وزن المحفظة التي تسبب لهم متاعب صحيّة كانحناء الظهر، بينما يشتكي الآلاف من نقص النقل المدرسي في المدن الداخلية، علاوة على نقص فادح في المدافئ شتاءً، والمكيّفات صيفًا".

القطاع الخاّص أيضًا

المدرسة الجزائرية بحسب نور الدين مشري، الأستاذ في قطاع التعليم، أنجبت إطارات وكوادر في كل المجالات، سواءً داخل البلاد أو خارجها، غير أن المخرجات السلبية لقطاع التربية في السنوات الأخيرة، تدفع بالكثير من القراءات، منها ضرورة إعادة هيكلة تنظيم ومأسسة النظام التعليمي المجاني. على حدّ تعبيره.

 يُدافع مشري عن مجّانية التعليم في الجزائر، بحكم اشتغاله مدرّسًا في القطاع الخاص، حيث يعتبر أنّه (القطاع الخاص) ليس أحسن حالًا من المدارس العمومية، مشيرًا في حديث إلى "الترا جزائر"، أنّ المدارس الخاصّة في البلاد، بحاجة إلى رقابة وتقنيين، بعد تحوّلها إلى سجّلات تجارية، يضيف المتحدّث.

في السياق نفسه، يؤكّد نور الدين مشري، أنّ بعض المدارس الخاصّة، تتعمّد تضخيم معدّلات التلاميذ إرضاءً للزبائن، وحفاظًا على سمعة المؤسّسة، وضمان أكبر عدد من المتمدرسين، مشيرًا إلى أنّ بعض العائلات الجزائرية تدفع بأبنائها إلى المدارس الخاصّة، كنوع من "البريستيج" والتمظهر، أو لأنّها تمثّل بالنسبة إليهم "حضانة" بعد الدوام بالنسبة للوالدين العاملين، على حدّ تعبيره.

الجزائر في ذيل الترتيب

"الواقع يفرض فتح نقاشٍ واسعٍ على قطاع التعليم في الجزائر؛ فمجّانيته بحسب كثيرين لا يعني أن تسوده الرداءة، ودفع المال للتعلّم لا يعني أنّنا سنُخرّج عباقرة وعلماء، خصوصًا إن كانت معايير القطاع كميّة، تعتمد على إحصائيات عدد التلاميذ والطلبة والهياكل التربوية"، كان هذا التعليق، صادرًا عن الصحافي حاتم غندير في تدوينة فيسبوكية على صفحته.

ما فائدة التباهي بمئات المدارس وجامعاتنا تتذيّل الترتيب عالميًا؟، ما فائدة أن تُخرّج لنا جحافل العاطلين عن العمل؟

 يتساءل غندير، "ما فائدة التباهي بمئات المدارس وجامعاتنا تتذيّل الترتيب عالميًا، ما فائدة أن تُخرّج لنا جحافل العاطلين عن العمل؟، هل هذا هو الانجاز ؟" ويُلفت القائل، إلى أنّ مجانية التعليم معقولة في كل الدول النامية، لكنّها ليست مجدية اليوم، في خضم الثورة التكنولوجية والاقتصادية في العالم، ويعتقد المتحدّث أنّ الاستثمار في قطاع التعليم، يُمكنه أن يقضي على البطالة ويفتح الأبواب للاستثمارات في شتّى المجالات، على حدّ قوله.

 

اقرأ/ي أيضًا:

"المتوسط".. السنوات الأصعب عند التلميذ الجزائري

الإنكليزية بدل الفرنسية... باريس تشنّ هجومًا معاكسًا