21-مارس-2024
(الصورة: فيسبوك)

(الصورة: فيسبوك) مسلسلات رمضانية في الجزائر

تحظى الإنتاجات التلفزيونية الجزائرية الرمضانية هذه السنة بمتابعات مليونية على وسائل التواصل الاجتماعي لتكرس حالة سجلت في السنوات الماضية، صاحبها ارتفاع طفيف في الكم مقارنة بما كان يعرض سابقًا، وهو ما يعكس حسب البعض تحسنا في نوعية المادة الفنية المقدمة للمشاهد الجزائري وحتى المغاربي، فيما يعتقد آخرون أن المنتج الجزائري ما يزال يحتاج إلى جهد أكبر ليأخذ مكانه في قائمة الأطباق المقدمة للمشاهد العربي على الأقل خلال رمضان.

الأكاديمي محمد الأمين بحري: الدراما الجزائرية لم تستفق في موسمها الحالي إلا وهي تنحدر نحو أشكال غريبة من الابتذال

ورغم فارق الإمكانات المادية بين المشرق والمغرب، إلا أن السنوات الأخيرة أثبتت أن الدراما الجزائرية استطاعت بقدراتها البسيطة أن تزيح المسلسلات المستوردة من قائمة الأعمال الفنية الأكثر مشاهدة من قبل المتلقي الجزائري خلال شهر رمضان.

متابعة واسعة

 لأول مرة في التاريخ التلفزيوني الجزائري، يتم إنتاج سبعة مسلسلات درامية في موسم رمضاني واحد، والمتمثل في "حداش حداش" و"البراني" و"الرهان" و"دموع لولية" و"حياة" و"انتقام الزمن" و"ذهب الشوارع"، وذلك دون حساب المسلسلات الكوميدية التي تحظى بمشاهدات عالية كالبطحة ودار الفشوس، وهو ما يعني ارتفاعًا في الكم مقارنة بالسنوات السابقة حتى وإن كان يظل قليلًا مقارنة بما ينتج في دول أخرى، وفي بلد كالجزائر لها تاريخ عريق ونوعي في مجال الإنتاج السينمائي والفني والمسرحي.

وما يزيد من أهمية هذه المسلسلات أنها تحظى اليوم بمتابعة واسعة من قبل الجزائريين جعلت بعضها تحظى بمشاهدات مليونية للحلقة الواحدة، ما يعني أن هذا المنتج الدرامي أصبح  يكتسب جمهورا أعطى الأولوية في قائمة متابعاته للمنتج المحلي، بعدما كانت هذه الأولوية متقاسمة مع مسلسلات عربية إما سورية أو مصرية والتي أصبحت اليوم غائبة عن الشاشة الجزائرية باستثناء  المسلسل السوري "العربجي" الذي يبث على التلفزيون الحكومي.

الدراما الجزائرية

محافظة عجلة الإنتاج الدرامية الجزائرية الرمضانية على دورانها وتسجيلها زيادة كمية طفيفة، فتح النقاش لدى المتابعين حول إن صاحب هذا الكم تحسن في النوع من حيث الإخراج والصورة والحبكة المقدمة.

وهنا يوضح السيناريست والمخرج هشام بن شريف لـ"الترا جزائر" أنه "بالرغم من أنه لا مهربَ من تقييم وضع الإنتاج من حيث النوع، والذي يحدد الخانة التي تندرج بها الصناعة الدرامية الجزائرية مقارنة بالوطن العربي، إلا أنني أرى من وجهة نظري  أنه جلّي بنا خلال هذه الفترة، السنة الماضية التي شهِدت حركة إنتاجية ملحوظة وصولا لهذه السنة التي استمرّت عجلة الإنتاج في ذلك، وإلى سنتين أو ثلاثة مستقبلا عدم الحديث عن النوع، حيث يجب علينا أن ننتظر حتى تصبح لدينا صناعة درامية كمَّية بعدد إنتاجات معقول لبلد مثل الجزائر، من 10 إلى 15 مسلسلا درامي ايتنافسون خلال السباق الرمضاني، حينها سنكون مجبرين على مناقشة «النوع» وتشديد اللهجة مع الصُّناع تُقنيًا وفنيًا".

ورغم ذلك، لا يتردد بن شريف في الدعوة إلى " الإشادة بالتحسُن في مستوى الإنتاج الدرامي الجزائري كعملية تجارية أو من جانب دور المنتجين أنفسهم، فالصناعة الجزائرية الدرامية تخطو خطوات إيجابية تُحسبُ لها، على سبيل المثال عرض بعض الأعمال على قنوات عربية وعلى منصّة شاهِد السعودية، وهذا بحدّ ذاته نجاح".

وأضاف بن شريف أنه " لا يمكننا إغفال المستوى الجيد الذي تتسيد عليه بعض الأعمال، تقنيًا مثل مسلسل حداش حداش للمخرج أسامة قبّي الذي بشكلٍ عام حافظَ على صورته إخراجيًا، مع بعض الركود بريتم الحلقات الأولى مُفتقدًا عنصر التشويق وتسارع الأحداث مقارنة بالسنة الماضية، إلى جانب مسلسل الرهان الذي يقدّم مستوى جيد صورة وإخراجًا، وهذا غالبًا وللأسف يعود لاستعانته بطاقم من خارج الجزائر".

جهد أكبر

رغم نسب المشاهدة العالية والإشادة التي تلقاها المسلسلات الجزائرية هذه السنة والمواسم الفارطة من قبل المشاهدين والمختصين، إلا أن الجميع يتفقون على أنها ما تزال في حاجة إلى تحسينات في عدة جوانب، وفي مقدمتها السيناريو، حيث يرى الكاتب والناقد الأمين بحري أن الدراما الجزائرية دخلت في  "سباقٍ محموم من أجل التراندينغ وحشد المتابعين".

وقال بحري في منشور على فيسبوك إن "الدراما الجزائرية لم تستفق في موسمها الحالي إلا وهي تنحدر نحو أشكال غريبة من الابتذال كان يمكن تفاديها لو فكرت في معيار الجودة وقيمة الفرجة لدى المشاهد وليس الحصول على المناقصة لبيع السلعة في سوق المزايدة. لتضمن حصولها على أعمال الموسم القادم".

وحسب بحري، فإن " أزمة الابتذال تتمثل في المركزية العاصمية، والسقوط في تكرار نفس المواضيع التجارية، وكذا تكرار الوجوه التمثيلية نفسها لنفس الأدوار رغم تغييرها للعمل".

وانتقد بحري في أحد منشورته سيناريو مسلسلي حياة وانتقام الزمن اللذين يعرضهما التلفزيون الحكومي، كونهما يعتمدان على سيناريو نمطي بالرغم  من أنهما يعجان بـ"الأسماء الفنية المكرسة والناجحة وذات الخبرة الواسعة في التمثيل".

وقال بحري "يبدو جليًا من خلال الحلقات التسع الأولى من هاتين السلسلتين، تدني قيمتهما في سلم الاهتمام لدى المتابعين والمشاهدين. حيث لم يكن لهما أي نصيب من التحليل الواسع والاهتمام في وسائل الإعلام أو التواصل أو حتى لدى المشاهدين. وكمتابع بسيط  شاهدت الحلقات التسع من مسلسلي (حياة وانتقام الزمن) فلم تحرك مني ساكناً ولم تجلب لي اهتماماً ولم أر ما يستحق المشاهدة. وسألت محيطي العائلي والمهني والشارع فلم أر حولهما أي اهتمام بخلاف باقي الأعمال التي يتابعها أغلبية المشاهدين ويرصدون هفواتها وتفوقاتها المسجلة".

وأضاف "في اعتقادي يعود أمر تدحرج هذين العملين في ذيل المشاهدة والاهتمام لدى المختصين والمشاهدين، ببساطة إلى خلل بدائي في السيناريو يرتكبه المبتدئون عادة وهو اعتماده على الكليشيهات في بناء المشهد والحدث، وعلى الشخصيات النمطية".

وإن كان المخرج هشام بن شريف لا يرسم صورة قاتمة عن الأعمال الدرامية الجزائرية، مثلما يراها الناقد محمد الامين بحري، إلا أنه يرى أن المسلسلات الجزائرية بحاجة اليوم إلى " صورة برّاقة أكثر ومحتوى مُغاير، تقنيًا وفنيًا، من خلال فتح المجال للكُتاب بتقديم الأوراق ذات النصوص الجديدة التي لا تُسلِط الضوء فقط على تصوير الواقع الجزائري، وُصولًا لأعمال مختلفة، وخيالية، ورومنسية، وحتى الطابوهاتية، التي تلفت نظر المشاهد العربي باختلاف بيئتِه، فالبعض مما يراه ويتذمَّر منه المشاهد الجزائري اليوم ويجعل منه جدلًا مثل قضايا المخدرات قد تجاوزته الدراما العربية بسنوات، يصعب اللحاق به لكنه ليس مستحيلا".

لكنه  رغم ذلك يعتقد أن المسلسلات الجزائرية أصبحت قادرة على المنافسة "مغاربيًا، وأصبح ذلك مُتاحًا فعلًا، فنلاحظ خمسة أعمال درامية اليوم تتنافس بقوة وتحقق أرقامًا عالية، تنجلي تحت سيناريوهات يمكن للمشاهد المغاربي غير الجزائري التعلق بها، إلى حين تمكن المنتجين دفع عجلة الإنتاج إلى الضفة العربية".

استطاعت مسلسلات "البراني" و"الرهان" و"البطحة" و"دموع الولية"، أن تكون ضمن المواضيع الأكثر مشاهدة في تونس والمغرب وليبيا في الأيام الماضية

وتتوافق رؤية بن شريف مع المشاهدات على موقع يوتيوب، حيث استطاعت مسلسلات "البراني" و"الرهان" و"البطحة" و"دموع الولية"، أن تكون ضمن المواضيع الأكثر مشاهدة في تونس والمغرب وليبيا في الأيام الماضية، ما يعني أن الدراما الجزائرية بإمكانها أن تحجز مكانًا بارزًا لدى المشاهد المغاربي رغم الانتقادات التي توجه لها، والتي يمكن تجاوزها في حال ما وضع المنتجون هدف الجودة النوعية في سلم اهتماماتهم في الأعمال القادمة.