20-يونيو-2024
صناديق الزكاة المنتشرة في مساجد الجزائر

صناديق الزكاة المنتشرة في مساجد الجزائر (الصورة: فيسبوك)

تعتزم الحكومة إصدار تشريع جديد خاص بعملية جمع التبرعات بهدف تنظيم هذا العمل الإنساني الذي ما يزال يحتاج إلى جهد اكبر في الجزائر لتطويره لبلوغ المراحل التي حققها في دول أخرى، وحمايته من التجاوزات التي ترتكب زورا باسم نجدة الخير ومساعدتهم، والتي أصبحت تسجل من فترة أخرى.

رغم إقبال الجزائريين بشكل ملحوظ على فعل الخير والتبرعات كلما دعت الحاجة لذلك، إلا أن نتائج التبرعات المالية في الجزائر تبقى محصورة في نطاقات معينة وفق نظرة تقليدية

ورغم إقبال الجزائريين بشكل ملحوظ على فعل الخير والتبرعات كلما دعت الحاجة لذلك، إلا أن نتائج التبرعات المالية في الجزائر تبقى محصورة في نطاقات معينة وفق نظرة تقليدية لا تتماشى مع الأدوار التي أصبحت تلعبها الجمعيات الخيرية في المجتمعات العربية والإسلامية وحتى الغربية.

قيد الإعداد

أعلن وزير الداخلية إبراهيم مراد قبل أيام خلال رده على سؤال كتابي للنائب البرلماني أحمد ربحي أن دائرته الوزارية تعكف على إعداد مشروع قانون تمهيدي يضع أسسا جديدة لجمع التبرعات.

وأوضح مراد أن الأمر رقم 03-77 المؤرخ في 19 فيفري 1977 والمتعلق بجمع التبرعات لا يحدد "كيفيات منح الترخيص بالنسبة لعملية جمع التبرعات على مستوى المساجد أو تحت رعاية اللجان الدينية" فقط، إنما تناول الإجراءات العملية لتنظيم التبرعات من طرف الجمعيات والمنظمات التي ينظم التبرع لفائدتها بصفة عامة.

وأشار مراد إلى تخصيص قرار وزاري مشترك بين وزيري الداخلية والشؤون الدينية لتحديد  كيفيات منح الترخيص بالنسبة لعملية جمع التبرعات على مستوى المساجد أو تحت رعاية اللجان الدينية.

كشف وزير الداخلية عن تخصيص قرار وزاري مشترك بين وزيري الداخلية والشؤون الدينية لتحديد  كيفيات منح الترخيص بالنسبة لعملية جمع التبرعات على مستوى المساجد أو تحت رعاية اللجان الدينية

ويرى الوزير أن مشروع القانون التمهيدي المنتظر سيحدد آليات جمع التبرعات وفق شروط مضبوطة تمكن من المتابعة والمراقبة الدقيقة لهذه العملية.

وليست هذه المرة الأولى التي يطرح فيها ملف إعادة تقنين جمع التبرعات، ففي 2015 لمحت الحكومة إلى سن تشريع جديد يحصر جمع ومنح التبرعات الخيرية عبر قنوات رسمية فقط، ومنع جمعها خارج إطارها الرسمي، لقطع الطريق أمام بعض الأطراف التي تعمل على تحويل هذه الأموال أو استغلالها في غير محلها. وسيكون ذل قانون الجمعيات صريح في مجال جمع التبرعات، خاصة في مادته 29 التي تمكّن الجمعيات من الحصول على عائدات أخرى، زيادة على الموارد المنصوص عليها في المادة 25 من هذا القانون والمتمثلة في اشتراكات أعضائها والعائدات المرتبطة بأنشطتها، والهبات والوصايا والإعانات المحتملة التي قد تقدمها الدولة أو الولاية أو البلدية، إلا أن عملية جمع التبرعات بدأت تأخذ منحى آخر وخارج إطارها الرسمي.

تجاوزات

ويتوقع البرلماني أحمد ربحي أن مراجعة قانون جمع التبرعات لفائدة الجمعيات الذي يعود لسنة 1979 هدفه التقليل من التجاوزات التي تحدث جراء "تطور وسائل النصب و الاحتيال داخل بعض الجمعيات".

وبسبب هذه التجاوزات، أوقفت الحكومة جمع التبرعات خلال التسعينات، بسبب استعمالها من بعض الأطراف لدعم جماعات إرهابية خلال ذلك الوقت، إلا أن مخالفات جمع التبرعات تكررت في أكثر من مرة.

وقال عضو بجمعية سواعد الإحسان الخيرية لـ"الترا جزائر" إن تفادي هذه التجاوزات ممكن بأن تكون الجمعيات وسيطا فقط بين المحسن والمحتاج، وهو ما تحرص عليه  الجمعية التي ينتمي إليها، حيث تحرص على أن يكون أي تبرع عيني مقيدا في أوصال استلام وتسليم، إضافة لاستعدادها لأي رقابة من قبل الجهات المختصة.

غير أن هذا الواقع أثبت أن  الواقع أثبت أن البعض يستعمل الحق الذي يمنحه القانون للجمعيات لاستعماله لأغراض اخرى أو التحايل عليه بجمع التبرعات دون ترخيص، ففي ايلول سبتمبر 2022 أمر قاضي التحقيق لدى الغرفة الأولى لمحكمة سوق أهراس بإيداع شخص رهن الحبس المؤقت بتهمة "جمع الأموال دون رخصة"، مستغلا وضعية بعض الأشخاص المرضى والمتضررين من حوادث مختلفة منها الحرائق التي شهدتها الولاية خلال شهر أغسطس أوت من العام نفسه.

وفي الخامس من  حزيران جوان الجاري، وجه وزير الاتصال محمد لعقاب تعليمات بإيقاف بث البرامج التلفزيونية والإذاعية القائمة على جمع التبرعات، وهذا إلى غاية صدور دفتر الشروط بسبب تلقي مصالحه العديد من الشكاوى حول عمليات ابتزاز واحتيال جراء مثل هذه البرامج.

وجاء قرار وزارة الاتصال على خلفية ما أثير مؤخرا بخصوص تناول قناة النهار الخاصة " موضوعا اجتماعيا كان أحد الأئمة وأحد المواطنين أطرافا فيه، حيث أحدث ردود فعل عبر شبكات التواصل الاجتماعي"، وفق ما جاء في بيان لوزارة الاتصال.

وحسب الوزير محمد لعقاب، فإن بعض البرامج التلفزيونية والإذاعية التي تقوم على جمع التبرعات "كان يتعين عليها الامتثال لأحكام القانون المنظم لهذه العملية, على غرار الأمر رقم 77- 3 المتعلق بجمع التبرعات"

وثمن رئيس جمعية البركة أحمد الإبراهيمي في حديثه مع "الترا جزائر" قرار الوزارة بشأن هذه الحالة، إلا أنه في الوقت  ذاته يرى أنه من الأحسن تجنب معاقبة الجميع بسبب ارتكابه من قبل طرف معين، لأن هذه البرامج ساعدت في فك الغبن عن كثير من العائلات المحتاجة.

مرافقة

إضافة إلى القوانين المنظمة لجمع التبرعات الصادرة في 1997، يسمح قانون  2012 للجمعيات من الحصول على موارد من اشتراكات أعضائها والمداخيل المرتبطة بنشاطاتها الجمعوية وأملاكها والهبات النقدية والعينية والوصايا ومداخيل جمع التبرعات، إضافة إلى الإعانات الحكومية، الأمر الذي يجعل معالجة ملف جمع التبرعات غير مرتبط فقط بإعادة النظر في قانون 1997 فقط، إنما يتطلب مراجعة تشريعية شاملة.

وبالنسبة لرئيس جمعية البركة، فإن الأهم في المراجعة المنتظرة هو أن تجعل من السلطات مرافقا للمجتمع المدني الذي أصبح يلعب دورا أساسيا في المجتمعات الحديثة، لا أن يكون منطلق المراجعة التشريعية رقابي بحت، داعيا في هذا الإطار إلى محاربة بعض التعليمات الشفهية التي تصدر من بعض المسؤولين لتقييد العمل الجمعوي التبرعي.

وبيّن أحمد الإبراهيمي أن جائحة كورنا أثبتت أهمية العمل الخيري والجمعوي، فالمساعدات التي قدمتها مختلف الجمعيات كانت مرافقا ومساعدا للحكومة لتجاوز هذه الأزمة.

ولفت إلى أن الجمعيات الخيرية أصبحت في عدة دول تساهم في بناء مؤسسات مجتمعية ذات أهمية كالمستشفيات والمدارس والجامعات من خلال الحيز الذي يمنح لها عبر مرافقة الحكومة لها  في القيام بخدماتها الخيرية، آملا أن يكون التشريع الجديد المنتظر يحمل هذه المقاربة، بالنظر لأن الرئيس تبون جعل منذ وصوله إلى سدة الحكم المجتمع المدني شريكا أساسيا للحكومة عبر مختلف المستويات سواء الوطنية أو المحلية.