21-مايو-2021

توقيف تسعة معلّمين تورطوا في حادثة الاعتداء على معلمّات (فيسبوك/الترا جزائر)

اهتزّ الشّارع الجزائري على وقعِ حادثة مروعة مسَّت تِسعَ معلّمات تعرضن للاعتداء والضرب، حيث أعلن  النائب العام المساعد لدى مجلس قضاء أدرار محمود بولقصيبات في ندوة صحافية، عن توقيف تسعة متهمين، اعترف أربعة منهم بما ارتكبوه، وأكّد تعرّض إحداهن للاعتداء الجنسي حسب الاعترافات، إضافة إلى الاعتداء بالضرب بآلات حادة على البقية،  كما أكد المتحدث أنهم سيمثلون  أمام وكيل الجمهورية المختصّ إقليميًا.

لم تكن هذه الجريمة حادثًا عارضًا أو معزولًا، فقد استمرّت الشكاوى لسنوات من غياب الأمن في المنطقة

تم الاعتداء فجرًا على المعلّمات في عقر سكن وظيفي تابع للمدرسة التي تعملن بها في بلدية برج باجي المختار، بعد سرقة سابقة لبعض أغراضهن في صباح نفس اليوم، حسب شهادات متفرّقة.

اقرأ/ي أيضًا: توقيف 9 متهّمين في حادثة الاعتداء على المعلّمات في برج باجي مختار

 أثار هذا الاعتداء تفاعلًا قويّا بين أوساط المواطنين عموما، وعبر وسائل التواصل الاجتماعي خاصّة، حيث عجّتِ الصفحات والحسابات بمنشورات الاستنكار وحملات التضامن مع المعلمات، كما شهدت اليوم عدة ولايات احتجاجات ووقفات للتنديد من قبل أساتذة وطلبة ومواطنين بهذا الاعتداء المفزع الذي فتح الباب مشرعًا على هذا النوع من الجرائم التي يتم طمسها وتعتيمها رسميًا منذ سنوات، رغم التسليط الإعلامي عليها سابقًا ولمرّات عدّة في الصحافة المكتوبة. 

في الظروف العادية، تنتفض مؤسسّات الدولة في دول العالم بكل أركانها رفقة المواطنين عند المساس بسلامة وكرامة أي فرد من أفراد المجتمع بغض النظر عن جنسه، مستواه المعيشي أو تصنيفه المجتمعي، فما بالك إذا ما تعلق الأمر بمجموعة من المعلمات اللواتي كرّسن حياتهن خدمة للعلم في المناطق النائية، وتطوعن للعمل بعيدا عن بيوتهن من الشمال نحو الجنوب لمئات الكيلومترات حيث المصير المجهول. 

أما في الجزائر، حيث يُجبَر المعلم على خدمة العلم والتعليم في مناطق الظلّ الذي يتسع أكثر فأكثر كل يوم، تحت أسوأ الظروف بلا أدنى خدمة عمومية محترمة، وفي ظلّ استمرار التحقيق وسط إشاعات كثيرة حول مجريات الاعتداء وظروفه، وسط أخبار عن القبض على بعض المعتدين والتعرف عليهم؛ خرج وزير التربية بتصريح مقتضب تمنّى فيه الشفاء العاجل للمعلمات، وأكد على اتخاذ كل "الإجراءات الأمنية اللازمة" مشيدًا "بمكانة الأستاذ المتميزة".

في الواقع، لم تكن هذه الجريمة حادثًا عارضًا أو معزولًا، فقد استمرت الشكاوى لسنوات من غياب الأمن في المنطقة، كما شهدت وقفات كثيرة للأستاذة والعمال بغية المطالبة بتوفير متطلبات العمل والعيش الكريم الذي يساعدهم على ممارسة مهاهم النبيلة تلك، في ظروف أفضل. 

عقب الحادثة، صرح غفور بن سلمان، الأمين العام الوطني لعمال التربية الذي يشغل أيضا منصب رئيس بلدية برج باجي مختار، في حوار له مع جريدة الوطن أنه "سبق وأخطر السلطات المعنية بالوضع غير الآمن داخل المؤسسات التربوية الاثني عشر التي تقع تحت مسؤوليته في المنطقة، وأكد في نفس السياق، أنه "لا يوجد حاليا أشخاص مكلفون بتوفير الحماية والأمن في هذه المؤسّسات".

بعد كل تلك المناشدات والشكاوى، كيف يبقى ذلك الواقع المزري والمفرغ من كل ظروف الحماية والأمن مفروضًا على الضحايا؟ 

أين آلت تلك "المكانة المميزة" الآن بعد هذا الاعتداء الذي عقب أسابيعًا طويلة من الإضراب الذي مس قطاع التعليم وكشف عن عجز فادح في تعامل الحكومات المتعاقبة مع هذا القطاع ومع الأساتذة وموظفي التربية والتلاميذ والطلبة على حدٍّ سواءً، في زمن الجزائر الجديدة التي ما تزال تعرج نحو الفرج البعيد؟! أين ثقافة الاستقالة والاعتراف بالفشل عند مسؤولينا؟

لقد عجزت السلطات المعنية محليًا عن توفير شرطي واحد أو حارس أمن عند بوابات المؤسّسات التربوية، في غياب كل مقومات العيش وظروف السلامة الجسدية والنفسية وانعدام أبسط مرافق الحياة الضرورية بما في ذلك، هاتف أرضي لطلب النجدة عن التعرّض للخطر.

فهل ستشجع كل هذه المخاطر والظروف أي شخص على التفكير بالذهاب للتطوع أو العمل في أماكن لا تحتوي على أدنى ما يحميه وما يضمن له عيشًا كريمًا، وهل ستتحرك السلطات المعنية ممثلة في وزارة التربية والحكومة بعد مغادرة عدد كبير من المعلمين والمعلمات بين البارحة واليوم للمكان مخافة تكرّر الاعتداء في ظل صمت رهيب وعجز عن المعالجة الأمنية؟

من ناحية أخرى، لم تكن الظروف ومآسي العمل والاعتداء الذي يقف عنده المسؤولون في صمت مخيب هي القهر الوحيد الذي سلط على المعلمات، فكونهن نساء أيضا صار خطيئة في مجتمع يضعهن دائمًا في خانة المذنبات، حيث تبقى المرأة حبيسة الخوف وانعدام الأمان حيثما ذهبت وأينما حل بها المصير وكيفا كان أسلوب عيشها، فهي دائما عرضة لخطر التعدي الجسدي والنفسي والاغتصاب والموت حتى في عقر دارها.

مع ذلك، تبقى هذه الجرائم على حدّتها مختبئة خلف حجابٍ من الأسئلة الخبيثة: ما الذي تفعله امرأة لوحدها بعيدا لمئات الكيلومترات عن بيتها؟ لم سافرت وحيدة؟  ما جدوى عملها في حضور الرجل ولم لا تلازم بيتها؟

وفي غمرة ضجيج كل هذه الأسئلة الخانقة، لا أحد ينتبه أبدا إلى ذلك الاعتراف الصريح بأن المحيط خارج أسوار البيت أو داخله يبقى بيئة خطرة، بيئة غير سوية، ولا توفر الأمن والسلامة للمرأة التي هي بالأصل نواة هذا المجتمع الذي صار يعاني كثيرا من التهالك الأخلاقي، وهوالخطر الذي يهدد الرجل والطفل أيضا لكن المرأة تثقلها أكثر النظرات الدونية.

كل أفراد المجتمع يقعون تحت رحمة "اللا أمن" الذي انتشر في الجزائر وزادت حدته مع التغيرات السياسية والاقتصادية الراهنة

كل أفراد المجتمع يقعون تحت رحمة "اللا أمن" الذي انتشر في الجزائر وزادت حدته مع التغيرات السياسية والاقتصادية الراهنة، في ظلّ انتشار غير مسبوق لتلك النظرة الدونية الموجهة نحو المرأة العاملة أو الماكثة في البيت على حدٍّ سواء، بشكلٍ يستدعي الوقوف عنده طويلًا، فالأمر الآن لا يعني المرأة وحدها، لأن النظر إلى نصف المجتمع كونه مخلوقًا قاصرًا غير مكتمل النمو، دائمًا ما يخلق اختلالًا في الوعي المجتمعي الذي يُحمِّلُ الرّجل طاقةً تثقل كاهله بداعي خدمة السّلطة الذكورية، وتفوقها الذي تفرضه المجتمعات الحائرة، في حين يمكنه مقاسمة تلك الطاقة في بيئة آمنة وسوية وفي عيش كريم تضمنه دولة الحريات والقانون مع المرأة.

 

اقرأ/ي أيضًا:

نهال.. قصة اختطاف جديدة تخيف الجزائريين

في العمارة الجزائرية.. حياة مفخخة