14-يونيو-2022
(الصورة: Getty)

(الصورة: Getty)

تحوّلت مقاومة البكتيريا للمضادات الحيوية إلى أحد أكبر المخاطر التي تحدّق بالصحة العالمية، لأنها تُلحِق الضرر بأيّ شخص مهما كان سنّه أو مكان إقامته، وهي ظاهرة طبيّة آخذة في الارتفاع إلى مستويات خطيرة بأنحاء العالم كافة، وخاصة في بلدان العالم الثالث التي لا تطبق مبادئ البروتوكولات الصحية في مجال علاج العدوى البكتيرية، كما أن الأطباء غالبًا ما يبالغون في وصف المضادات الحيوية، بالإضافة إلى أن المرضى يفرطون في استعمالها بشكلٍ عشوائي.

خبير الفيروسات ملهاق: الاستعمال العشوائي والمفرط للمضادات الحيوية بدون وصفة طبية يقضي على البكتيريا النافعة الموجودة في جسم الانسان

الجزائر ليست في منأى عن هذا الخطر، لذلك فهي تولي أهمية كبيرة لمعالجة هذه الظاهرة، فهي تحيي  اليوم الوطني لمكافحة مقاومة المضادات الحيوية في الـ 22 تشرين الثاني/نوفمبر من كل سنة، في إطار الأسبوع العالمي للتوعية بشأن المضادات الحيوية الذي أقرته منظمة الصحة العالمية من 18 الى 24 تشرين الثاني/ نوفمبر من كل عام.

كما تداوم الجزائر على إحياءه منذ أن منح الطابع المؤسساتي سنة 2017، وتلتزم كذلك بالمشاركة في النظام العالمي لمراقبة مقاومة
مضادات الميكروبات عبر الشبكة الجزائرية لمراقبة مقاومة البكتيريا للمضادات الحيوية مع معهد باستور الجزائر،  وتساهم في مراقبة
ومتابعة مقاومة مضادات الميكروبات عند الحيوانات من خلال النظام الذي وضعته وزارة الفلاحة.

وبلغة طبية بسيطة، يمكن شرح مقاومة البكتيريا للمضادات الحيوية على أنها ظاهرة طبيعية، تقوم خلالها البكتيريا بتغيير نفسها استجابة لاستعمال تلك الأدوية وهروبا منها ولكن بوتيرة بطيئة لا تؤثر في فعالية الدواء.

لكن الإشكال يكمن في إساءة استعمال المرضى للأدوية وتناولها بطريقة عشوائية بعيدًا عن البروتوكول الصحي الخاص بها مما يجعل البكتيريا قادرة فعلا على مقاومتها، لذلك بات علاج العدوى البكتيرية أصعب بعد أن أصبحت المضادات الحيوية التي درجت العادة على استعمالها لعلاجها أقل نجاعة بسبب مقاومة البكتيريا المسببة للمرض.

إسقاطات على الواقع الجزائري تزيد مقاومة البكتيريا للمضادات الحيوية في الأوساط الطبية التي تستعمل بكثرة هذه الأدوية. وتقول طبيبة أسنان بعيادة في مدينة سطيف شرقي الجزائر، إن طبيب الأسنان قد يتسبب في هذه الظاهرة بطريقة غير مباشرة، إذا أخطأ في تحديد الجرعة الملائمة، خصوصًا لما يتعلق الأمر بالأطفال، إذ يعتمد في وصف المضاد الحيوي على السن بدل الوزن، مما يسبب خللًا في الجرعة وبالتالي يعطي فرصة للبكتريا لتطوير نفسها ومقاومة الدواء.

وتضيف الطبيبة أن ما يحدث في بعض المرات، هو وصف مضادات حيوية دون فحص دقيق للسن والتحقق من وجود الخراج فعلًا.
اللافت أن السلطات الصحية الجزائرية زادت من تحذيراتها بخصوص مقاومة البكتيريا للمضادات الحيوية، خلال فترة جائحة كورونا التي استمرت نحو سنتين ونصف.

وقالت طبيبة مختصة في الأمراض الصدرية بولاية البليدة المحاذية للعاصمة لـ "الترا جزائر" في هذا الشأن، أن مرض كوفيد-19 سرّع بشكل لافت من مقاومة البكتيريا للمضادات الحيوية، لأن الإقبال على المضادات أصبح كبيرًا جدًا من قبل المرضى لمجرد أعراض بسيطة تشابه أعراض فيروس كورونا، كما أن الأطباء أنفسهم أمام مباغتة المرض وعدم وجود علاج دوائي فعال له، لجؤوا إلى وصف المضادات الحيوية بطريقة مبالغ فيها لتجنب المضاعفات المحتملة للفيروس.

أما على مستوى الصيدليات حيث تباع المضادات الحيوية بلا حسيب أورقيب، فإن السبب الأساسي لمقاومة مضادات الحيوية هو العلاج الذاتي، وتناول المضادات الحيوية بدون وصفة أو استشارة طبية.

وأوضحت صيدلانية في حديث مع "الترا جزائر" أن المرضى لا يحترمون الجرعة المحددة للدواء ولا المدة اللازمة للعلاج، وغالبًا ما يتوقف المريض عن الدواء باختفاء أعراض الالتهاب قبل انتهاء المدة الموصى بها، وهو خطأ شائع عند المرضى رغم تأكيد الأطباء على أن المضاد الحيوي يجب الاستمرار في تناوله على الأقل لأسبوع حتى ولو شعر المريض بالتحسن.

مخاطر الاستعمال العشوائي في حديث لـ "الترا جزائر" حول مخاطر الاستعمال العشوائي والمفرط للمضادات الحيوية، قال الدكتور محمد ملهاق الباحث في علم الفيروسات، إنّ استعمال هذه الأدوية، بدون وصفة طبية يؤدي إلى القضاء على البكتيريا النافعة الموجودة في جسم الانسان خاصة ذات المفعول الواسع، والتي لها دور مهمٌ جدًا في المناعة حتى أن بعض العلماء وصفوها حسبه، بالجهاز المناعي الأول، وهذا ما يؤدي للانتشار الواسع للبكتيريا الضارة، وكما يسمح لها بالتحور مما يكسبها مقاومة عالية للمضادات الحيوية.

وأضاف الدكتور أنه بعد اكتشاف مقاومة المضادات الحيوية، تطورت البكتيريا إلى ثلاثة أصناف، فهناك البكتيريا المقاومة، وهناك بكتيريا بحساسية متوسطة وهناك البكتيريا الحساسة للمضادات الحيوية خاصة مضادات الحيوية الجيل الجديد.

أما بخصوص استعمال مضادات حيوية بكتيرية لمعالجة أمراض فيروسية، أكد الباحث أن هذا ليس خطأ في التشخيص أو العلاج، وإنما هو بروتوكول علاجي معمول به لتفادي الالتهابات البكتيرية المحتملة نتيجة ضعف الجهاز المناعي بعد العدوى الفيروسية.
التعامل مع مقاومة المضادات الحيوية وبحسب منظمة الصحة العالمية، تؤدي مقاومة المضادات الحيوية إلى تمديد فترة الرقود في المستشفى وارتفاع التكاليف الطبية وزيادة معدل الوفيات.

وإن لم يتم التعجيل في اتخاذ الإجراءات، فإننا مقدمون على عصر ما بعد المضادات الحيوية الذي يمكن أن تصبح فيه عدوى الالتهابات الشائعة والإصابات الطفيفة قاتلة مرة أخرى. لذلك المسألة لا تتعلّق بصحة الفرد فقط، بل هي قضية عالمية يجب استيعابها وشرح مخاطرها والانطلاق في التحسيس بها ابتداء من سن مبكرة.
لذلك، توصي منظمة الصحة العالمية باتخاذ خطوات على جميع مستويات المجتمع للحد من تأثير المقاومة وتقييد نطاق انتشارها، وأهمها هو تغيير طريقة وصف المضادات الحيوية واستعمالها، حيث لا يسمح للصيدلاني بصرف الدواء إلا بوصفة من الطبيب، بالجرعات المحددة، بالإضافة إلى عدم المشاركة أبداً في المضادات الحيوية المتبقية أو في استعمالها.

من الضروري، وفق المختصين، وضع خطة عمل وطنية متينة بشأن معالجة مقاومة المضادات الحيوية

أما على المستوى الوطني فإنه من الضروري، وفق المختصين، وضع خطة عمل وطنية متينة بشأن معالجة مقاومة المضادات الحيوية، وتحسين ترصد عدوى الالتهابات الناجمة عن مقاومة المضادات الحيوية، متبوعة بتعزيز السياسات والبرامج وتطبيق تدابير الوقاية من عدوى الالتهابات ومكافحتها وإتاحة المعلومات عن آثار مقاومة المضادات الحيوية.