وسط تحديات إقليمية ومتوسطية، انعقدت أشغال الطبعة الثامنة لمنتدى الحوار المتوسطي رفيع المستوى (Rome-Med) بالعاصمة الإيطالية روما،ويشكّل الفضاء المتوسطي فرصة للتبادل الآراء واثراء النقاشات بين دول الحوض المتوسط حول الرهانات التي تواجه المنطقة وامتداداتها، علاوة على وضع آليات ورسم استراتيجيات لمواجهة المخاطر والمساهمة في معالجة القضايا العالقة والمطروحة.
تشهد المنطقة المتوسطية تحديات ومخاطر عديدة نتيجة أزمة الطاقة وانعكاسات الحرب الروسية- الأوكرانية
وجاءت مشاركة الجزائر في المنتدى الذي انطلق يوم الجمعة الماضي، بوفد وزاري هام ضمّ كل من وزير الخارجية رمطان لعمامرة، ووزير الطاقة والمناجم، محمد عرقات، ووزير الاقتصاد المعرفة، ياسين المهدي، والمنتدى من تنظيم وزارة الخارجية الإيطالية ومعهد الدراسات السياسة الدولية.
منتدى الحوار المتوسطي
يشار أن المنتدى تم إطلاقه سنة 2005، وبات يعرف بالمركز العالمي للحوارات رفيعة المستوى تضم الدول البحر الأبيض المتوسط ويشارك فيها قادة الدول المنطقة، وجمعيات مدنية ورجال أعمال وأوساط أكاديمية.
وإلى غاية اللحظة تمكن المنتدى من جمع أكثر من 1000 شخصية من قادة العالم ويمتد نشاطه إلى الدول الجوار كالأردن وروسيا والعراق والمملكة العربية السعودية والولايات المتحدة، فضلًا عن هيئات دولية وأوربية على غرار المفوضية السامية للشؤون اللاجئين، الممثل الأممي، وممثل عن الاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية.
ويشرف على المنتدى المعهد الإيطالي للدراسات السياسة الدولية، وهو مؤسّسة فكرية مستقلة وغير حزبية، تقدم أبحاثًا وتقترح خيارات للمسؤولين الحكوميين في مجالات السياسة الدولية والقضايا الأمنية المشتركة وتقدم حلولًا قابلة للتطبيق في مجال النشاطات الاقتصادية، وتأسس المعهد سنة 1934.
في سياق الموضوع، تشهد المنطقة المتوسطية تحديات ومخاطر عديدة، نتيجة أزمة الطاقة وانعكاسات الحرب الروسية- الأوكرانية على العالم والمنطقة خصوصًا، زيادة على توسع ظاهرة الهجرة غير النظامية والتهريب والتوترات السياسية والأمنية في منطقة الساحل وارتداداتها على المنطقة الجنوبية في البحر الأبيض المتوسط، ومن بين المخاطر التي تواجهها منطقة البحر الأبيض المتوسط، على غرار التغييرات المناخية وأزمة الطاقة.
الجفاف والتغيرات المناخية
وتشهد منطقة البحر الأبيض المتوسط ندرة في تساقط الأمطار وتراجع نسبة المياه، نتيجة ارتفاع درجة الحرارة بنسبة 20 في المائة وهو المعدل الأسرع في المتوسط العالمي، وباتت انعكاسات التغييرات المناخية واضحة ومتزايدة، مع اتساع رقعة الحرائق، وتآكل الثروة الغابية، نتيجة ارتفاع درجة الحرارة الموسمية وامتداد الحرارة خارج فصولها، من تداعياتها تراجع نسبة امتلاء السدود والمياه الشروب، ما يقوض مستقبل الأمن المائي والأمن الغذائي.
ويتوقّع خبراء أنه بحلول 2050 سيتضاعف الطلب على المياه، نتيجة الزيادة الديمغرافية في المنطقة المتوسطية، وسيترب عن عدم التوازن في الحاجيات المائية والندرة في المياه، أزمات جيو سياسية وإقليمية، وعلى ضوء ذلك، يعمل المنتدى على دق ناقوس الخطر، والعمل سويًا من أجل التخفيف من الانبعاثات الحرارية والتكيف مع التغييرات المناخية ووضع أهداف سويًا من أجل التمنية المستدامة ووضع استراتيجية مشتركة في إدراة الموارد المائية.
الاستثمار المشترك من أجل توازن تنموي
من جانبه، تعاني دول شمال أفريقيا بشكلٍ كبيرٍ من حالة الركود الاقتصادي، نتيجة تراجع في الاستثمارات الخارجية والأوروبية، تسبب فيها الأزمة الصحية ووباء "كوفيد-19"، إضافة إلى تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية وارتفاع أسعار المواد الاستهلاكية والغذائية الأساسية.
وتزايدت مشاكل دول أفريقيا بسبب ضعف الاستثمارات بين الدول البحر الأبيض المتوسط، ما ترك المجال أمام الدول أخرى على غرار الصين والولايات المتحدة، وهما القوتان اللتان تسعيان إلى النفوذ الإقليمي بدل تقديم قيمة مضافة للمنطقة وتطوير وتحسين مستوى المعيشي للسكان شمال أفريقيا، من نقل للتكنولوجيا والمهارات وتعزير الشراكة الاقتصادية من أجل تنمية مشتركة وقوية.
أزمة الطاقة
وخيمت أزمة الطاقة على أشغال المنتدى، وكشفت أزمة الطاقة الحالية على ضرورة البحث عن مصادر الطاقة النظيفة والمتجددة، ويشكل الاقتصاد الأخضر واحد من الاهتمامات المشتركة بين الدول البحر الأبيض المتوسط، وكشفت الحرب الروسية-الأوكرانية ضرورة البحث عن مصادر الطاقة أخرى والذهاب إلى الانتقال الطاقوي.
الجزائر مصدر للطاقة
وعلاوة على تمويل الغاز الجزائري نحو أوروبا، فقد تعلب الجزائر ودول شمال أفريقيا دورًا أساسيًا في تطوير اقتصاد الهيدروجين الأخضر، نظرا إلى موقعها الجغرافي وإمكانياتها الطاقوية وقد تصبح من الموردين الأساسيين إلى أوروبا.
يشار أن شركة النفط والغاز الجزائرية "سوناطراك" -بالتعاون مع شركة إيني الإيطالية- خطوات تنفيذية للبدء في مشروع تجريبي لإنتاج الهيدروجين الأخضر، كما وقعت الجزائر على اتفاقية شراكة مع ألمانيا بهدف إنتاج الهيدروجين الأخضر المطلوب بشدة، وتصديره عبر خطوط أنابيب الغاز المتجهة نحو أوروبا.
يحتاج الحوار المتوسطي إلى إعادة نمط وأساليب التفكير والتعامل بين الضفة الجنوبية والشمالية
يحتاج الحوار المتوسطي إلى إعادة نمط وأساليب التفكير والتعامل بين الضفة الجنوبية والشمالية، فالمصير مشترك والتحديات متقاسمة، ما يتعين على الجميع إيجاد صيغ للنقاش والحوار لمعالجة الرهانات المشتركة على مستوى الإقليمي والدولي.