09-ديسمبر-2022

انطلاق عمليات التلقيح ضد الأنفلونزا الموسمية في الجزائر (الصورة: AFP)

في مصلحة الاستعجالات بالمؤسسة الجوارية الاستشفائية العمومية بالعاصمة الجزائرية، ينتظر عشرات من الأطفال والكهول وكبار السن ممن يعانون زكامًا حادًا دورهم، أغلبهم يريدون التلقيح ضد الأنفلونزا الموسمية أو وصفات طبية للحمى والزكام والتهاب اللوزتين. أعراض تزداد ضراوة مع فصل الشتاء والبرد والتغير المناخي من الساخن ثم الدافئ فالبارد جدًا بين عشية وضحاها.

الدكتور آيت حمي: العلاج العشوائي  للأمراض أخطر من الإصابة بالفيروسات 

الأنفلونزا .. هل الأزمة مستمرة؟

لا تهم أرقام الإصابات، المهم هل خرجنا من أزمة كورونا؟ هكذا ردت طبيبة بالمصلحة الطبية، فقد كانت الوحيدة التي كانت ترتدي قناعًا واقيًا، وتلتزم بالشروط الصحية التي اعتادت عليها الأطقم الطبية في الجزائر منذ جائحة الفيروس القاتل، هي الطبيبة نفسها التي أثارت عدة أسئلة جوهرية بخصوص الوباء مستندة بقولها إن كورونا تعود بشراسة إلى عدة بلدان كبرى منها الصين وفرنسا وبريطانيا، فهل الجزائر بعيدة عن ذلك؟ وهل الجزائر أعدت العدة الطبية من كادر استشفائي ومصالح لاستقبال المرضى وخزينة الأدوية والوسائل الضرورية التي تجابه بها الأنفلونزا حتّى؟

أسئلة مشروعة، كما تقول الطبيبة وهيبة كوريفة (طبيبة مقيمة) وهي التي شاهدت زملائها في القطاع الصحي يعانون كثيرًا في أكثر الموجات من كورونا شهدتها الجزائر حدة ويموتون تباعًا، مشددة على أهمية العامل الإنساني في مثل هذه الحالات؛ أو بالأحرى جزء كبير منها يتعلق بالعامل البشري، فالجزائريون تخلوا عن كل أساليب الوقائية منذ رفع الحجر الصحي.

التعايش لا يعني عدم الوقاية

نعم نحن نتعايش مع الفيروس هكذا يقول بعض الأولياء ممن حملوا أبناءهم للعلاج، وهم متأكدون بأن كورونا اختفت أو انتهت تمامًا، على حسب قول إحدى الأمهات، بينما يرى البعض أنه "لا يجب الاستهانة بالوضع الصحي مهما كان".

شرحت الدكتورة كوريفة أن الفيروسات في فصل الشتاء تتعاظم وتقوى لأسباب علمية ومع تغيرات طبيعة الطقس أيضًا، مستطردة في حديث إلى "الترا جزائر" أنه لا يجب أن نلقي اللوم على الجهاز الطبي رغم أننا مسؤولون مسؤولية كاملة على صحة الجزائريين، ولكن وجب الحديث أيضًا عن مسؤولية اجتماعية تتضافر فيها العديد من الأطراف وتتداخل فيها الكثير من المسببات والعوامل، منها الإهمال بمجرد رفع الحجر الصحي والعودة إلى منظومة التعامل اليومي الاجتماعي العادية، رغم أن " النظافة والوعي الصحي أكثر الأشياء التي لا نختلف حولها في كل فترات السنة، ومن موسم لآخر خاصة فصل الشتاء".  

سياسية التعايش مع الفيروسات لا تعني فقط "عدم الخوف" والإبقاء على قوة المعنويات التي بدورها تقوّي مناعة الجسم، إذ هي تعني أيضًا محاولة التعامل أيضا مع مرحلة "بدء التّعافي" كما أسمتها المتحدثة، لأننا سنتعرض لفيروسات أخرى متعلقة بالزكام وتغير درجات الحرارة، خصوصًا في فصل الشتاء وهذا ما يعني ضغطًا كبيرًا على القطاع الصحي عمومًا وعلى الحياة الاجتماعية وتكاليف الصحة التي باتت باهظة.

بداية التعافي.. لكن

بعد اختلال المنظومة الصحية في 2020-2021، بسبب جائحة كورونا التي ضربت أنحاء العالم، تأتي سنة 2022 لبدء التعافي الذي يحصل عموما بشكل بطيء، خصوصا أمام تكلفة الصحة والعلاجات الباهظة، وهي الأعباء التي لم تكن متوقعة أيضًا من طرف الأسر أيضا، خصوصًا مع توقف الآلاف من الوظائف وانتهاء الآلاف من الخدمات التي تكبدتها العائلات، وهي أيضًا ما أثّرت على مجموعة القطاعات الأخرى، منها: الجانب الاقتصادي والتجاري ثم التربوي والنقل، والنفسي أيضًا.

يشير الخبراء إلى أن كورونا باتت فيروسا يمكن التعايش معه، ولكن هناك معطيات أخرى وجب الالتفات إليها، خصوصًا وأن الجزائر أحصت إلى غاية السادس من ديسمبر /كانون الأول الجاري ما يعادل 271 ألف إصابة بكورونا منذ بدء الوباء وما يقدر بـ 6881 حالة وفاة، وهي حصيلة يمكن أن ترتفع أكثر مع استمرار الإهمال أو ما يعتبره الأطباء عودة حلقات الوباء في سلسلة فيروسات أخرى، واستمرار انتقال العدوى.

الخروج من الأزمة الوبائية بات "مشتتا" فهل انتهت كورونا مع تسجيل العشرات من حالات الأنفلونزا الحادة؟ وهل وضعت الجزائر تدابير جديدة لمواجهة مختلف الإصابات بأنفلونزا في موسم الشتاء؟

موسم الفيروسات

في غياب أو تضاؤل حالات المسجلة من كورونا في الجزائر، من الطبيعي أن تنتعش فيروسات في فصل البرودة، التي بدورها تنمو في المناخ الذي يلائمه، مثلما يشير الأخصائي في الأمراض التنفسية فريد آيت حمي إلى أن الأنفلونزا الموسمية غير خطيرة، ومن أعراضها: الصداع والتعب وسيلان الأنف وآلام في المفاصل والحمى، داعيًا إلى أهمية التلقيح الخاص بالأنفلونزا الموسمية بالنسبة للمصابين بأمراض مزمنة ومن لديهم مناعة منخفضة.

ونظرًا لخصوصية الفيروسات، فإنها تتعرض للاختلاف الجيني غير المستقر للفيروس من مرحلة لأخرى، إذ اعترف الدكتور آيت حمي بأن الأنفلونزا هذه المرة جاءت بطريقة معقدة بعد المرور بتجربة كورونا لأزيد من عامين، لافتًا في تصريح لـ" الترا جزائر" أن الأخطر من الفيروس هو " العلاج العشوائي للمرض"، مشيرًا إلى أن الكثيرين يتداوون من الفيروس الموسمي إما بأعشاب طبية دون اللجوء إلى استشارة طبية، تخفف عنهم المرض وتمنع عنهم مضاعفات الأدوية.

وفي هذا الإطار، قال إنه من واجب المرضى التوجه إلى المختصين للعلاج، وأولًا عملية تشخيص نوع الفيروسات، ونوعية الأدوية من المضادات الحيوية المناسبة لكل حالة من الحالات، أما فوضى العلاج فهي ما تزيده شراسة أو الإصابة لعدة مرات.

وأردف المتحدث، قائلًا إنّ أعراض الأنفلونزا الحالية تشبه إلى حد كبير أعراض كورونا وخاصة التعب الشديد وآلام المفاصل والحمى.

من ناحية أخرى، وجب الإشارة إلى أن مختصين في الجزائر أكدوا في تصريحات للإعلام المحلي أن فيروس الأنفلونزا تصيب الجهاز الهضمي، إذ سبق لرئيس مصلحة الطب الشرعي بمستشفى مصطفى باشا البروفيسور رشيد بلحاج، تصريحه أن الفيروس الموسمي يصيب الجهاز التنفسي والمعدة، وذلك لأنه "ينتقل عبر الهواء والأيدي وهو ما يزيد من الإصابة بالحمى واقيء والإسهال".

وأوضح بلحاج الذي يشغل منصب مدير الأنشطة الطبية وشبه الطبية بالمؤسسة الصحية العمومية في تصريح للإذاعة الجزائرية، أن الأنفلونزا هذه المرة " الأشرس منذ خمس سنوات، مشددًا على ضرورة " الالتزام بالإجراءات الوقائية".

البروفيسور رشيد بلحاج: الأنفلونزا هذه المرة هي الأشرس منذ خمس سنوات

كما حذر البروفيسور فئة المتقدمين في السن من الأنفلونزا، داعيًا إلى أهمية التلقيح الذي ستبدأ فاعليته بعد ثلاثة أسابيع من تلقي اللقاح المضاد للأنفلونزا الموسمية.