27-سبتمبر-2022

في شوارع الجزائر العاصمة (تصوير: بلال بن سالم/أ.ف.ب)

لم يشعر عموم الجزائريين بالموجة الأخيرة لفيروس كورونا، رغم أنها كانت حقيقة واقعة مثلما يؤكد مختصون وعمال في قطاع الصحة؛ والسبب أن كورونا لم يعد قاتلًا، وأصبحت أعراضه تشبه كثيرًا نزلة برد عابرة، لا تكلف حتى عناء التنقل للطبيب في كثير من الأحيان.

رئيس نقابة الصيادلة لـ "الترا جزائر": كل الموجات القادمة ستكون أقل حدة

تشير المعطيات التي يوفرها محرك البحث غوغل، إلى أن الجزائر عرفت في بداية شهر الصيف الماضي ارتفاع عدد حالات الإصابة بفيروس "كوفيد-19"، حيث سجلت في في الفاتح من تموز/جويلية 18 حالة وفي 12 آب/أوت 148 كأقصى عدد حالات إصابة خلال الموجة، ليعود إلى الانخفاض في بداية شهر أيلول/سبتمبر حيث سجلت السلطات 12 حالة في الشهر نفسه، أما عن الوفيات فكانت منعدمة طيلة فترة الموجة ولم تسجل وزارة الصحة أيّة حالة بفيروس كورونا. 

ومن خصائص الموجة الخامسة لفيروس "كوفيد-19" التي دامت شهري تموز/جويلية و آب/أوت في الجزائر، أن أعراضها كانت مشابهة لأعراض الإصابة في الموجات السابقة وهي الحمى وآلام الرأس وآلام المفاصل والحلق والسعال وفقدان حاستي الذوق والشم، بالإضافة ألى الأعراض الهضمية مثل الإسهال والقيء والإحساس بالتعب الشديد. وكان المتحور السائد هو ba5 الذي تميز بسرعة انتشاره وقلة خطورته على الصحة العامة.

ورغم تمكن أغلبية المصابين من التعامل مع الأعراض عبر الاستشفاء الذاتي أو مساعدة طبيب، إلا أن بعض الحالات استدعت نقلها للمستشفى وعدد قليل دخل العناية المركزة وفق ما أظهرته نشرات وزارة الصحة اليومية.

ويقول أطباء يعملون في مصالح الأمراض التنفسية استقصت "الترا جزائر" آراءهم، إن أكثر من عانوا هم كبار السن وأصحاب الأمراض المزمنة من الذين لم يتلقوا اللقاحات المضادة للفيروس، لكن أغلب الحالات مع ذلك جرى التعامل معها بسهولة، ولم تبلغ مدة الاستشفاء لدى البعض أكثر من أسبوع.

وفي الشارع الجزائري، لوحظ في الأشهر الأخيرة رغم بقاء تحذير وزارة الصحة قائمًا، تخل تام لدى الأغلبية عن الإجراءات الوقائية مثل ارتداء الكمامات ووضع المعقمات على الأيادي واحترام مسافات التباعد بين الأشخاص، مع تسجيل عودة التجمعات بمناسبة الأعراس التي تكثر في الصيف، وساهم كل ذلك في انتشار واسع للفيروس، لا يعكس حقيقة الإصابات المعلنة بسبب عدم تقدم المواطنين للقيام بالكشف، لبساطة الأعراض التي أصيبوا بها.

اكتساب مناعة جماعية

ويعزو الدكتور كريم مرغمي، نائب رئيس نقابة الصيادلة الخواص، انخفاض عدد الوفيات إلى اكتساب المواطنين مناعة ضد فيروس "كوفيد - 19"، بعد الموجات القوية السابقة، وأكد  في تصريح  لـ"الترا جزائر "، أن كل الموجات القادمة ستكون أقل حدة وبعدد حالات قليل جدًا من سيلجأ إلى تناول الأدوية.

ولاحظ المسؤول النقابي،  أن الموجة  الأخيرة لفيروس "كوفيد-19" عرفت حركية كبيرة للصيدليات مع انخفاض الضغط على المستشفيات نتيجة خفة الأعراض وتوجه المرضى مباشرة إلى الصيدليات لاقتناء الأدوية والمقويات مثل الفيتامين س وخافض الحرارة ومسكنات آلام الرأس، أما المرضى الذين عانوا من أعراض قوية نوعًا ما فقد اتجهوا مباشرة إلى المستشفيات  لأخذ العلاج. وأبرز أن الصيدلية كان لها دور مباشر وفعال خلال هذه الموجة، كونها كانت في خط التماس المباشر مع المواطنين الذين يستشيرون الصيدلي عادة قبل التوجه نحو الطبيب.

الخبرة التي اكتشبها 

ومع أن الموجة لم تكن قوية، إلا أن الخبرة التي اكتسبها الأطباء في المستشفيات في التعامل مع الفيروس، مكّنت من إنقاذ الكثير من المرضى وتقليل مدة استشفائهم. كما أن تحول الفيروس إلى خطر على الصحة العامة، جعل من السلطات تنتبه إلى توفير الأدوية الضرورية وتفادي حالات النقص التي كانت في السابق.

وفي هذا السياق، ذكر محمد حاج جيلاني الإطار النقابي السابق في قطاع الصحة، أن الموجة الأخيرة للكوفيد، لم تكن بنفس الحدة. وأوضح المتحدث في تصريح لـ "الترا جزائر"،  أن مهنيي الصحة استطاعوا بتجنيدهم وبعد اكتسابهم لأكثر خبرة في التعامل مع هذا الوباء أن يتحكموا في الأوضاع وفي تسيير الأزمة الوبائية، وما ساعد على ذلك، حسبه، هو تحلي المواطنين بالوعي وتطبيقهم نصائح وتوجيهات الأطباء  المتعلقة بطرق الوقاية من هذا الفيروس.

ولا يمك وفق النقابي إنكار بعض النقائص والتي كانت في غالبيتها خارج إرادة مستخدمي الصحّة ولا يمكنهم التحكم فيها، وليس ذلك استثناء على الجزائر، فحتى الدول المتقدمة، حسبه، عاشت الأجواء نفسها رغم الإمكانيات المتوفرة لديهم.

وأضاف حاج جيلاني أن ما صعّب المهمة أحيانًا على مستخدمي الصحة التصرفات الفوضوية لمرافقي مرضى "كوفيد-19" في المستشفيات، والتي كانت أحيانًا عنيفة تجاه عمال الصحة، وهذا كان له أثر سلبي على معنويات مستخدمي الصحة، ولكن هذه التصرفات كانت محدودة ومعزولة، حسبه.

وعمومًا، يشير المتحدث إلى أن "مهنيي الصحة رفعوا التحدي و تصدوا بكل ما أوتوا من جهد في سبيل إنقاذ أرواح مواطنيها، واكتسبوا  الخبرة في التعامل مع الوباء، فهم يستحقون  كل التقدير على ما قدموه من تضحيات  في مكافحة الوباء "كوفيد - 19" والحد من انتشاره والوقاية من أخطاره وكذا في سعيهم من أجل إنقاذ حياة المواطنين والذي يعتبر من صلب مهامهم المهنية النبيلة".

مهنيو الصحة المواطنين لعبوا دورًا جماعيًا في الحد من انتشار وباء كورونا

وعن سبب تراجع الفيروس، يقول محمد حاج جيلاني إنّ  الفضل يعود إلى الجميع سواءً من مهنيي الصحة إلى  الإعلام الذي لعب دورًا كبيرًا في حملات التحسيسية  دون نسيان دور الجمعيات والنشطاء الجمعويين، ورجال الحماية المدنية ، فالكل لعب دورًا هامًا وكان هناك انسجام بين مختلف مكونات المجتمع الذين بتضامنهم جميعًا تم الحد من تفشي الوباء، كما أن المواطنين ساهموا بقدر معتبر من خلال التقيد بالتعليمات المتعلقة بالوقاية خاصة في الموجات السابقة الحادة، من تباعد ووضع الكمامات إلى غير ذلك من وسائل الوقاية، وهي عوامل ساهمت في  القضاء والحد من انتشار الوباء  لكن الحيطة تبقى واجبة حسبه.