27-يناير-2020

الجزائر تتمسّك بالحلّ السلمي وإشراك دول الجوار في الأزمة الليبية (تصوير: بلال بن سالم/ Getty)

لطالما كانت الأحداث السياسية، فاعلًا أساسيًا في الحركة الاقتصادية لدول المغرب الكبير، ولطالما أيضًا قادت الأزمات الأمنية والاقتصادية التي هزّت المنطقة، إلى عقد اتفاقيات تعاون بين هذه الدول، سرعان ما تنتهي هذه الشراكات بتغيّر الأنظمة السياسية ورحيل الحكومات والرؤساء.

لقد بات من المفروض على دول البلدان المغاربية، تجاوز حالة الجمود أمام مخاطر التدافع الاقليمي

بالعودة إلى اتحاد المغرب العربي، الذي جمع خمس دول هي الجزائر والمغرب وتونس وليبيا وموريتانيا، في شبّاط/ فيفري 1989، حيث تم التوقيع على معاهدة تنص على التكامل الاقتصادي بين دول هذه المنطقة، لوجدنا أن العامل السياسي كان دافعًا قويًا لتوّجه هذه الدول نحو عقد مؤتمر الاتحاد المغاربي بمدينة مراكش وقتها.

اقرأ/ي أيضًا: التدخّل الجزائري يعيد ترتيب أوراق الأزمة الليبية

 في هذه السنة، كانت الجزائر تمرّ بعدّة أزمات أمنية واقتصادية، أدّت إلى ظهور أحداث أكتوبر 1989، وبعدها دخلت البلاد في أزمة أمنية دامية، راح ضحيتها أكثر من ربع مليون قتيل. وعاشت المغرب في السنة نفسها، مواجهات دامية أيضًا بسبب قضية الصحراء، واتُهمت ليبيا بتفجير طائرة أميركية بأسكتلندا سنة 1988 من طرف أميركيا وبريطانيا، فيما عرف بقضية لوكربي.

تطرح الأزمة الليبية اليوم عدّة تساؤلات، إن كانت دول المغرب الكبير، ستعود إلى عقد اتفاقات مماثلة، خاصّة وأن التهديدات الأمنية أصبحت تحيط بها من كل الدول الأفريقية الحدودية بما فيها ليبيا، وهل علينا انتظار وقوع أزمات أمنية لنتجّه إلى عقد اتفاقات تعاون وشراكات اقتصادية؟

من جهة أخرى، يطرح تغييب تونس والمغرب عن المشاركة في مؤتمر برلين الدولي حول الأزمة الليبية عدّة تساؤلات أيضًا؛ إذ يظلّ قرار عدم مشاركتهما غامضًا، فإذا نظرنا إلى عمق العلاقات التاريخية والجغرافية بين تونس وليبيا، ومساعي المغرب سابقًا في إنجاح اتفاقات الصخيرات، فقد كان الأولى بهذين البلدين حضور مؤتمر برلين، حيث أن اشتعال الحرب في ليبيا، وتحوّلها إلى حقلٍ للصراعات الدولية بالوكالة، سيكون الخاسر الأوّل هي دول شمال أفريقيا ودول الجوار.

لقد بات من المفروض على دول البلدان المغاربية، تجاوز حالة الجمود أمام مخاطر التدافع الاقليمي والدولي على ليبيا، ومطالبتها بالتحرّك المكثّف، قصد وضع توازنات تضمن مصالحها في المنطقة. 

تبعات ثقيلة 

في هذا السياق، يرى المحلّل السياسي المغربي، والعضو الباحث في المركز الديمقراطي العربي، محمد الزهراوي، في حديث إلى "الترا جزائر"، أن تداعيات الأزمة الليبية على الفضاء المغاربي، تتجسّد من خلال ثلاث مستويات:

يتعلّق المستوى الأوّل، حسبه، بتدويل الملف الليبي، وتحويله إلى صراع دولي بين قوى كبرى مؤثرّة، هذه الارتدادات في الصراع التي ستجعل من الدول العربية والمغاربية حسبه، مجرّد لاعبين ثانويين.

وأضاف الزهراوي، أن المستوى الثاني يتعلّق بالبعد الجيوسياسي؛ حيث أخذ الصراع حول الملفّ الليبي أبعادًا استراتيجية وحيوية، ترتبط بصراع المواقع والمصالح بين محاور إقليمية ودولية؛ إذ أنّ مؤتمر برلين كرّس هذا المنطق، الذي من شأنه أن يساهم في تعقيد الأزمة، وتهميش الدور المغاربي.

أمّا ثالثًا، فيرى المتحدّث، أنّه عوض أن يكون هناك تقارب مغربي جزائري لمواجهة التدخّلات الأجنبية، التي تنذر بتحويل ليبيا إلى سوريا جديدة، بات الملف الليبي محلّ تنافس وصراع بين الطرفين، إذ ظهرت بعض المؤشّرات التي تؤكّد هذا المنحنى، سواءً التحالفات مع بعض القوى البعيدة أو غياب التنسيق.  

وفي تقدير الزهراوي، فإنّ الأزمة الليبية باتت تهدّد الأمن القومي لدول المغرب الكبير، بحكم التدخّلات الأجنبية التي أخذت أشكالًا عسكرية، لذلك، فالتنسيق بين المغرب والجزائر أصبح ضرورة ملحّة، تفرض نفسها أكثر من أي وقت مضى، وخلص المحلّل إلى أنّ عدم جلوس الطرفين إلى طاولة الحوار والتنسيق بخصوص هذا الملفّ، ستكون تكلفته باهضة على شعوب ومستقبل دول المنطقة.

الجغرافيا والحسابات السياسية  

يبرز المحلّل السياسي والإعلامي، نصر الدين بن حديد، في تصريح لـ "الترا جزائر"، أوجه تباين وتقارب مواقف دولة مغاربيّة من الملفّ الليبي، من موقع هذه الدولة الجغرافية مقارنة بالقطر الليبي. وأشار أن الاهتمام التونسي والجزائري، أهمّ بكثير من الاهتمام المغربي وأقلّ منه الاهتمام الموريتاني. 

وأضاف أن هناك اختلافات بين الموقف التونسي ونظيره الجزائري، تمليها عوامل جغرافيّة وتاريخيّة، أسّست لواقع معين.

 وأوضح محدّثنا أن الجنوب الشرقي لتونس، يتنفسّ اقتصاديًا من خلال المبادلات التجاريّة مع غرب ليبيا، لدرجة أنّ غالبيّة المواد الاستهلاكيّة التي يتمّ بيعها في غرب ليبيا مصدرها تونس، كما يتولّى المهرّبون التونسيون، استقدام البضاعة عبر المرافئ الليبية ليتمّ إدخالها إلى تونس، من خلال معابر غير قانونيّة.

إضافة إلى هذا البعد الاقتصادي القائم على عوامل جغرافيّة، كشف بن حديد، عاملًا ديمغرافيّا هامّا جدّا وهو أن الليبيين الذين غادروا بلدهم بعد "ثورة فبراير"، توجّهوا إلى تونس حيث تقيم أعداد كبيرة جدًا منهم، وحوّلوها إلى ساحة خلفيّة للمعارك الدائرة في بلدهم".

في مقابل ذلك، يقول المحلّل السياسي، أن الحدود الجزائرية-الليبية هي عبارة عن منطق صحراويّة شاسعة، ذات كثافة سكّانية منخفضة جدّا، ممّا حدّ من المبادلات التجاريّة وانتقال السكّان.

ويخلص الصحافي الجزائري المقيم في تونس، إلى أن القدرات العسكرية، تتفاوت بين الجيشين التونسي والجزائري، حيث تتخوّف تونس من تصدير الأزمة الليبية إليها، في حال أن هناك تخوّفًا جزائريًا، من اختراقات مجموعات إرهابيّة أكثر من تخوّفها من حدوث هجومٍ تقليدي.

تواطؤ المجتمع الدولي  

جديرٌ بالذكر، أنّه منذ سقوط نظام معمر القذافي، لم ينجح المجتمع الدولي في إعادة الاستقرار في ليبيا، أو إيجاد حلٍّ سياسيٍّ للأزمة الليبية، رغم الاجتماعات الثنائية والمؤتمرات واللقاءات بين الأطراف المتصارعة، حيث اتجهت بعض القوى الإقليمية والدولية إلى تكثيف تواجدها العسكري في المنطقة، بينما بقيت الدول المغاربية تراقب الوضع عن بعد، متحمّلة عبء التوازنات الاستراتيجية القائمة في ليبيا.

يرى مراقبون أن الدول المغاربية متماسكة سياسيًا وإقليميًا، وتملك أدوات ضغط، تمكّنها من خلق توازنات في القوى على الصعيد السياسي والإقليمي والجواري، لتفرض حالة من التسوية السياسية في ليبيا وفق مصالح شعوب المنطقة، وتحافظ على الرهانات الأمنية في الساحل الأفريقي بالكامل، كما أنها قادرة على تجنيب المنطقة مخاطر إضافية تزيد من هشاشة وضعها الداخلي، في مقابل ذلك، أيّ أن التنافس بين الدول المغاربية سيساهم في إضعافها، مقابل تقوية أطراف دولية لا تهمّها سوى ثروات ومقدّرات الشعب الليبي. 

 

اقرأ/ي أيضًا:

الأزمة الليبية.. الجزائر تخرج من حالة الصمت الدبلوماسي

الجزائر تُرسل مساعدات إنسانية "هامّة ومستعجلة" إلى ليبيا