13-يناير-2020

الوزير الأوّل الجزائري عبد العزيز جراد يستقبل نظيره التركي (تصوير: فاتح أكتاس/الأناضول)

شهدت الحركة الدبلوماسية في العاصمة الجزائرية، حركة واسعة هذا الأسبوع، حيث استقبل كلٌ من رئيس حكومة الوفاق الوطني الليبي فائز السراج، ووزير الخارجية التركي جاوش أوغلو، إلى جانب لقاءات ثنائية مع كلّ من وزير الخارجية الإيطالي لويجي دي مايو، ووزير الخارجية المصري سامح شكري، حيث كان محور الاجتماعات، هو الوضع في ليبيا وتداعياته على المنطقة، وصولًا إلى استقبال وفدٍ ممثلٍ عن المشير حفتر، قبل ساعات من إعلانه وقف إطلاق النار.

المحور الإيطالي-الجزائري

لقاء الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، يوم الخميس الماضي، مع وزير الخارجية الإيطالي لويجي دي مايو، جاء للتأكيد على ضرورة تكثيف العمل على وقف إطلاق النار، وإيجاد مساعي للحلّ السياسي. 

اقرأ/ي أيضًا: بعد الزيارة التركية للجزائر.. مصر تعيد ضبط بوصلتها على الحلّ السياسي في ليبيا

من جهته، أبرز وزير الخارجية الإيطالي، دور الجزائر إقليميًا، حيث قال إنّ جولته الأخيرة إلى كل من بروكسل والقاهرة وإسطنبول، تهدف إلى اتّفاق فوريٍ حول وقف التصعيد العسكري في ليبيا، وأضاف أنّ الجميع متّفق على وقف إطلاق النار في ليبيا، والعمل سويةً على حلّ النزاع بآليات سياسية.

وزير الخارجية الإيطالي دي مايو، أكّد خلال الاجتماع الأوروبي الاستثنائي المصغّر، أن الخطر على أوروبا، يكمن في تهديدات الإرهاب الدولي، فضلًا عن مخاطر الهجرة السرّية، في إشارة للموقف الفرنسي تجاه ليبيا، حيث دعا دول الاتحاد الأوروبي، إلى رؤيةٍ واحدةٍ ومتماسكة فيما يتعلّق بالسياسيات الخارجية.

السراج يرفض دعوة روما

موازاةً مع ذلك، أشارت وكالة الأنباء الإيطالية "آكي"، إلى انعقاد اجتماع بين رئيس الوزراء الإيطالي جوزيبي كونتي، والجنرال المتقاعد خليفة حفتر، طالبت فيه روما حفتر بوقف التصعيد العسكري في المنطقة. 

وذكرت تقارير إعلامية، أنّ رئيس حكومة الوفاق الوطني، فائز السراج رفض التوجّه إلى روما، بسبب استقبال رئيس الوزراء الايطالي لخليفة حفتر دون إعلامه مسبقًا، ولا يُعرف إن كانت روما حاولت عقد حوارٍ ثنائيٍّ بين الطرفين الليبيين أو لا. وما يُعزّز هذه الشكوك هو تصريح سفير ليبيا لدى الاتحاد الأوروبي حافظ قدور، الذي قال: "لن يكون هناك أيّ حوار أو لقاء مع مجرم الحرب خليفة حفتر".

مصر تدخل الصفّ

في هذا السياق، تزامنت زيارة وزير الخارجية المصري سامح شكري، يوم الخميس الماضي إلى الجزائر، والتي دامت يومًا واحدًا، مع زيارة وزير الخارجية الإيطالي لويجي دي مايو، حيث استقبل رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، ووزير الخارجية الجزائري صبري بوقادوم، الوفد المصري لتناول آخر التطوّرات في ليبيبا.

أثارت مغادرة الوزير المصري الجزائر، دون عقد ندوة صحافية مشتركة مع نظيره بوقادوم شكوكًا لدى المتابعين، حيث كتب الصحافي أمين هدّار على صفحته في الفيسبوك متسائلًا: "أين التقى سامح شكري بنظيره الجزائري؟

وأضاف هدّار، أن اللقاء كان مبرمجًا لكن تمّ إلغاءه في آخر لحظة، بعدما قرّر شكري العودة مباشرة إلى القاهرة. وأفاد أنّ الجانبان كان لهما لقاء غير رسميّ على مأدبة غداء، على حدّ قوله.

تقارب جزائري إيطالي تركي

وبخصوص زيارة وزير الخارجية المصري، سامح شكري إلى الجزائر، أوضح الباحث والخبير في الشؤون الدولية بشير شايب، أنّ هذه الزيارة هي محاولة لمحو الأثر ووضع أثر آخر، "فالتقارب الجزائري التركي حول الملف الليبي، يكون قد أقلق الطرف المصري".

وأضاف شايب، أن مصر استثمرت ما استثمرت من أموال في ليبيا، عبر الاحتضان العسكري والسياسي، والدعم الإعلامي لخليفة حفتر، على حدّ قوله.

وفي تقدير محدّثنا، فإن مصر ترى أن شيئًا ما يطبخ في دبلوماسية في الجهة الأخرى، خاصّة بعد التقارب الروسي- التركي، والدعوة إلى وقف إطلاق النار الفوري، كما أن العودة القوية للدبلوماسية الجزائرية، قد تقلب الموازين، وبالتالي يضيف شايب، أن مصر لا تريد الخروج من الأزمة الليبية بخفي حنين، أو أن يتراجع دورها في المنطقة. 

وشدّد الباحث، أن "القاهرة ما هي إلا رأس حربة في الأزمة الليبية. أزمة تديرها كلّ من الإمارات العربية المتحدة والسعودية لاعتبارات أيديولوجية، حيث يسود الاعتقاد أن جيش حفتر، يُكافح الجماعات الإرهابية، ويقف ضدّ جماعة الإخوان المسلمين، ويُحارب مليشيات متمركزة في مدينة مصراته وغيرها".  

وأشار الخبير الدولي، أن القضية أعقد من هذا الطرح؛ فليبيا هي العمق الاستراتيجي والأمني لمصر، وهي الرئة الاقتصادية للقاهرة، بينما تشكّل ليبيا لدى بعض العواصم البعيدة، مصدرًا للطاقة والثروات الطبيعية أو مشاريع البنى التحية، وصفقات مالية مستقبلًا، على حدّ تعبيره.

ويخلص المتحدّث، أن مصر قادرة على إعادة ترتيب البيت الديبلوماسي، بما يحقّق لها مصالحها الاستراتيجية وأمنها الداخلي. 

الوساطة الجزائرية

وبخصوص التقارب الجزائري –التركي، ومدى تأثيره على الوضع الإقليمي في المنطقة، يرى مراقبون، أن الحديث عن محور جزائري-تركي سابق لأوانه، اعتبارًا من أن هناك تباعدًا في الرؤية بين الجزائر وأنقرة حول الأزمة ليبيا، فتركيا تدرك أن البلد المغاربي والعربي الوحيد، القادر على التنسيق معه إقليميًا هي الجزائر، وبالتالي يُمكن أن تتنازل تركيا عن التدخّل العسكري، أو تتراجع عن حجم هذا التدخّل كما طالبت به الجزائر، في مقابل ذلك، تكتسب أنقرة حليفًا إقليميًا في المنطقة في أيّة تسوية سياسية.

تجدر الإشارة إلى أن الدبلوماسية الجزائرية، تعتمد على تهيئة الظروف للحلّ السلمي، والذهاب إلى اتفاق سياسي يجمع بين الأطراف الليبية، وإرساء مسار المصالحة الوطنية، تحث رعاية وضمانات دولية. 

ويصف البعض أن هذا "اللا موقف" الجزائري، يعكس ضعفًا في الدبلوماسية الجزائرية، بينما يرى متابعون أن الاصطفاف الأيديولوجي، يحمل مخاطر على المدى القريب والمتوسّط. 

التدخّل الخارجي؟

أمّا عن تداعيات المشهد في ليبيا، أوضح الباحث الليبي المختصّ في الشؤون الاستراتيجية، محمود اسماعيل، أن المشهد الدامي هو سيد الموقف في ليبيا، منذ بداية العدوان على العاصمة الليبية طرابلس بتاريخ 4-4-2019، من قبل خليفة حفتر.

أدّى التدخّل العسكري في ليبيا، بحسب إسماعيل، إلى تشريد أكثر من 146 ألف نازح، ومقتل الآلاف، وحرمان الطلاب من الدراسة.  وأضاف أن هذا التدخّل من طرف الإمارات ومصر وفرنسا، قد تم فيه قصف طرابلس ومصراتة في أكثر من 890 غارة، حسب تقرير الأمم المتحدة "لجنة خبراء"، واستجلب حفتر المرتزقة الجنجويد بتنسيق إماراتي، وأيضًا عصابات الفاغنر الروسية، ولا تزال طائرات الإمارات المسيرة، تقصف ليبيا يوميًا، ولعل آخر ضحاياهم كانوا 32 طالبًا من طلبة الكلية العسكرية.

شدّد المتحدّث على أن هذا التدخّل قد استغل الظروف التي مرت بها  الجزائر للاستفراد بليبيا، وأن مصر تُحاول من خلال ذلك التمدّد غربًا وجنوبًا، لتصل إلى حدود الجزائر، وبعض الدول بشكلٍ مباشر موظفة في ذلك خليفة حفتر.

وأشار محمود اسماعيل أن حكومة الوفاق الوطني، وهي "الحكومة الشرعية" حاولت أن تجد متنفسًا من خلال تواصلها مع دول صديقة وشقيقة في مقدّمتها الجزائر، التي كانت دومًا داعمةً لليبيا، وأبرمت اتفاقًا مع تركيا لطلب المساعدة وصدّ العدوان، من عدّة دول على رأسها الجزائر.

 وفى ظل هذا التنافس الموجود، قال محدثنا إن مصر عقدت اجتماعًا ضمّ كلًا من فرنسا والإمارات، وهي الدول التي استثمرت في حفتر كثيرًا، ولا تريد أن تخسر هذا بكل الطرق. ويرى المتحدّث أن اصطفافها كان من أجل الوقوف ضدّ التقارب الإيطالي الجزائري التركي.

الدور الجزائري

من جهته، قال المحلّل في الشأن الدولي، أنه بعد إعلان الرئاسة الجزائرية بأن طرابلس "خط أحمر"، بدا أن التغيرات صارت واضحة وعاجلة، فتوافقت روسيا وتركيا على وقف إطلاق النار، ثم تأكيده في زيارة بوتين إلى تركيا، وإصدار بيان يطلب فيه من الجميع الالتزام بوقف القتال، والتوجّه إلى الحلّ السياسي.

وذكر محمود إسماعيل، أنه وفق هذه التطوّرات المتسارعة، رأت فرنسا ومصر والإمارات، أن الملف ربما شارف على الخروج من تحت قبضتها، وأن وجود الجزائر وتركيا وإيطاليا وروسيا، قد يغير من قواعد اللعبة، حيث تنفس الليبيون الصعداء بانتهاء الحرب، وإيقاف الاعتداء على العاصمة.

تبقى أولوية الديبلوماسية الجزائرية اليوم، هي إعادة بعث الحوار الليبي- الليبي، وجلوس كل الفرقاء الليبيين على طاولة واحدة، كما تدرك الجزائر أن الساحة الليبية قد تحوّلت إلى فضاء لحروب بالوكالة، وهو الرهان الذي يضاعف من رمي الجزائر بكلّ ثقلها الدبلوماسي من أجل فض النزعات المسلحة والخلافات الإقليمية.  

 

اقرأ/ي أيضًا:

الجزائر تفعّل أعلى هيئة أمنية للعب دورٍ أكبر في ليبيا ومالي

دور الجزائر في الأزمة الليبية.. تقليصًا لمساحة فرنسا ومصر والإمارات