21-أكتوبر-2023
شريف حماني

(تركيب: الترا جزائر)

في السابع من تشرين الأول/أكتوبر الجاري انتشر خبرٌ مفادُه أنّ شريف حماني، أحد عمالقة الأغنية الشعبية القبائلية قد توفي، لكن سرعان ما ورد بيانٌ من العائلة ينفي تلك الأخبار، لكن مساء أمس، لم يكن بوسع العائلة إلّا أن تنشر على الصفحة الرسمية للفنّان: "الدّا شريف رحل".

من غير الممكن أن نتصور الحديث عن الأغنية القبائلية دون الاستشهاد بشريف حماني

فنّان بالفطرة

ولد شريف حماني عام 1956 ببلدية أيت محمود ببني دوالة بتيزي وزو، هناك صقل الفتى "شريف" موهبته في الأغنية القبائلية منذ الصغر، في منطقة تُعتبر آلة "الموندول" فيها ديكورًا منزليًا.

في عام 1974، قدّم شريف حماني أوراق اعتماده كنجم قادم في سماء الأغنية القبائلية من خلال مشاركته في برنامج إذاعي مخصص للمواهب الشابة والمغنيين الهواة على إذاعة الجزائر، وسرعان ما طرق هذا الشاعر المتحمس للموسيقى الأبواب التي تؤدي إلى النجاح. 

كان حماني يرتاد بانتظام المعهد الموسيقي في الجزائر العاصمة، مما أتاح له الفرصة للقاء أكبر الأسماء في الأغنية القبائلية والشعبية، لقد استمد إلهامه من الجماليات التقليدية ووظّف صوته الرخيم إلى الشعر العميق الذي يكتبه لينتخ أغاني محفورة في تاريخ الأغنية الجزائرية.

دافع حماني عن الهوية الأمازيغية وضرورة منحها متسعًا للعيش في الفضاء الجزائري، كما كان مدافعًا أيضًا عن حقوق الإنسان وقيم الديمقراطية ومساهمًا بأغانيه الملتزمة في رفض الإرهاب والفساد.

يقول حماني في إحدى حواراته: " حين أكتب، أفتّش بحذر في موروثنا الأمازيغي، عن الكلمات والأمثال والمعاني، هناك كلمات مهدّدة بالزوال، أحاول قدر الإمكان أن أعيدها للحياة، هكذا نمنح الحياة للغتنا".

وأضاف: "أنا حارس عليها، أضيف لها ولا أنقص منها".
"آ ثالا "
لكل إنسان نقطة تحوّل كبرى في حياته، وبالنسبة لشريف حماني كانت أغنية "آ ثالا" (أيها المنبع) هي النقطة التي لم يكن بعدها كقبلها، فقد خطّت دربه نحو النجومية والسطوع كأبرز مؤديي الأغنية القبائلية في طابعها الشعبي، لقد باتت الأغنية مثل نشيد يردّد أينما حلّ شريف حماني، إنها أول أغنية يطلبها الجمهور منه في حفلاته، هي أغنية للحب، والوطن، والغربة.

"آ ثالا" ليست مجردّ أغنية، بل هي خوضٌ مفصّلٌ في المجتمع الأمازيغي، واختار الفنان "ثالا" والتي تعني المنبع لأنّها كانت قديما الملتقى والمفترق في قرى منطقة القبائل، فكل من يعود إليها يتقصّد "ثالا" وكل من يرحل عنها يتوجّه نحو "ثالا" ليودّع الأهل والأصحاب، ففي تلك الأغنية جمع شريف حماني كل قيم المجتمع في منطقة القبائل، إلى جانب تقديم دروس في الحياة في أقل من سبع دقائق.

لقد كان لحماني بصمة خاصة في تحديث الأغنية الأمازيغية، مشابهة لبصمة ابن مدينته " آث دوالة" معطوب الوناس، ففي أغانيه يلمس المستمع ذلك التقارب بين الشعبي القبائلي والشعبي العاصمي، كما أنّ أغاني شريف حماني مثال عن الأغنية الملتزمة التي طالما تناولت ثلاثية واضحة: الحب، الأم والوطن.

مساهمة شريف حماني في الأغنية القبائلية لا تقدر بثمن، فهو موسيقي وملحن وشاعر ومغني، إضافة إلى ذاك هو مكتبة صوتية، إنّه من غير الممكن أن نتصور الحديث عن الأغنية القبائلية دون الاستشهاد بشريف حماني، صاحب المسيرة التي امتدت لأكثر من أربعين عاما.

لقد وضع حماني بفنّه أصبع الإبداع على الكثير من الجروح الدامية، فكم من عاشق متغرّب غنّى في خلوته رائعة "أورذسقار جيغكم" (لا تظنّي أنني تركتك)، وكم من شخص أرسل عبر أغنية "إنتاس إ يمّا" (قولوا لأمي) رسالة إلى والدته. 

حزنّ كبير
غادر حماني الحياة، ليرحل إلى العالم الذي يملؤه الكثير من أصدقائه ورفاقه من عظماء الأغنية القبائلية، سينظم إلى معطوب الوناس، وسليمان عازم، وخلوي الوناس وشريف خدّام وصالح سعداوي وغيرها من الأسماء التي أنارت سماء الأغنية القبائلية.

وفي نقل لخبر وفاته كتب عملاق الأغنية القبائلية لونيس أيت منقلات: " أشعر بحزن عميق عندما علمت بوفاة صديقي العزيز شريف حماني،إن خسارته هي ألم كبير لنا جميعا، وستترك فراغا كبيرا في عالم الفن القبائلي".
فيما دوّن المطرب فريد فراقي قائلًا: " ستظل صورته محفورة في داخلي إلى الأبد، في هذا الظرف المؤلم، حيث يستحيل علي أن أجد الكلمات للتعبير عن مشاعري، أود أن أقدم تعازي الصادقة لجميع أفراد عائلته وأحبائه والعالم الفني بأكمله الذي ودع للتو رجلاً مخلصًا، فنان فريد ومناضل لا يكل من أجل ثقافتنا".

من جهته، كتب الصحفي الياس نجيمي: "في حنجرة المطرب شريف حماني جلبةٌ وصُداحٌ ذو تأثيرات استثنائية تجعل المتلقّي يعيش حالة شاعرية فيّاضة تحرّكها كلمات مستفيضة وأنغام شجية صاغها موسيقار فذ وشاعر يحاول بجهد استخراج مشاعره الدفينة نتاج المآسي والمرارة التي عاشها على مدار أكثر من نصف قرن من الزمن،  شاهدا على عديد التحوّلات التي شهدها الوطن سياسيا واجتماعيا وأخلاقيًا،  مُطلقا صرخته ناصحا وواعظا ومندّدا بالخداع والفساد والبؤس والانحلال والتفكك والفقر والقهر والمعاناة، مناشدا الضمائر للعيش في سلام والتحلّي بالقيم الإنسانية".