28-سبتمبر-2021

في مسجد الورتيلاني بالجزائر العاصمة (فاروق بتيش/ أ.ف.ب)

يحظى الإمام باحترام الجزائريّين وتبجيلهم. ويتجسّد ذلك في باقة الألقاب التّي يطلقونها عليه منها "سيدي الشّيخ"؛ وفي لجوئهم إليه أفراحًا وأحزانًا واستشاراتٍ، فهو يتصدّر مجالسهم إذا حضر بالضّرورة جتّى وإن كان فيها غيره من وجهاء المال والسّياسة والنّسب.

يرى أستاذ الفلسفة إلياس لهري أنّ الحكومة احتكرت الفضاء المسجديّ لخدمة توجّهاتها

وظلّت مهنة الإمامة حرّةً يقوم بها حفظةُ قرآنٍ وطلبةُ علومٍ شرعيّة متطوّعون أو مدفوع لهم من طرف السّكّان، إلى أن بات المسجد مؤطّرًا من طرف وزارة الشّؤون الدّينيّة التّي تأسّست في 27 أيلول/سبتمبر من عام 1962، أي ثلاثة أشهر بعد الاستقلال الوطنيّ، حيث أصبحت الإمامة تابعةً للوظيف العموميّ؛ مع بقاء شطر منها خاضعًا للتّطوّع إلى غاية اليوم.

اقرأ/ي أيضًا: الشؤون الدينية: إمام بوزريعة خالف الخطاب الديني المسجدي

وفاجأت رئاسة الجمهوريّة الأئمّة، قبل أيّام، باختيار يوم 15 أيلول/سبتمبر عيدًا وطنيًّا سنويًّا للإمام. وهو اليوم الذّي رحل فيه أحد عرّابيّ التّصوّف والتّعليم الدّينيّ الحرّ سيدي محمّد بلكبير في منطقة أدرار (1911 - 2000)، في رسالة منها لربط صورة الإمام الجزائريّ بمرجعيّات الهوّيّة الفقهيّة الوطنيّة التّي تقوم على الفقه المالكي والعقيدة الأشعريّة والنّزعة الصّوفيّة. ويقول الباحث محمّد بن زيّان عن هذا الاختيار إنّ تحويل ذكرى وفاة الشّيخ بلكبير إلى يوم وطنيّ للإمام قرار جدير بالتّثمين إذا تجاوز النّمطيّة التّي تجترّ السّرديّة المناقبية المُعطِّلة  للفعاليّة، "الشّيخ بلكبير كان. رمزًا ملهمًا وأحد حرّاس الكينونة الجزائريّة. فما الذّي يضيفه ترسيم عيد وطنيّ للإمام؟".

يجيب محدّث "الترا جزائر" عن سؤاله بالقول إنّ الحكومة رسّمت يومًا وطنيًّا للسّياحة، فما بال مساهمتها في الدّخل الوطنيّ تكاد تكون صفريّة؟ ورسّمت يومًا وطنيًّا للعلم، فما بال تلاميذنا باتوا يستمتعون بغيابات المعلّمين وبحرق كتبهم في نهاية الموسم الدّراسيّ؟ ورسّمت يومًا للشّجرة والتّشجير؛ فما بالنا نحصي سنويًّا حرائقَ باتت تهدّدنا بالتّصحّر؟ حدث ذلك كلّه لأنّ ترسيم هذه الأيّام الوطنيّة لم يكن تتويجًا لقناعاتٍ ورؤًى وبرامجَ وسياساتٍ حكوميّة في الواقع. وعادةً ما تحدث بصفتها تقليدًا لما يحدث في دول أخرى أو دغدغة سياسيّة ظرفيّة لشريحة من الشّرائح.

ويلفت محمّد بن زيان الذّي رصد في كتاباتٍ له سيَر نخبة من أئمة مدينة وهران والجزائر العاصمة الانتباهَ إلى أنّ الاستثمار في الإمام الجزائريّ بتحسين مناخات عمله سيجعله أكثر ارتباطًا بلحظته الشّعبيّة ومساهمةً في علاج ما يسودها من أمراض أخلاقيّة وسلوكيّة؛ "كما أنّ ذلك سيعيد الاعتبار للمرجعيّة الفقهيّة الوطنية التّي باتت تنافسها في عقر دارها مرجعيات دخيلة هي في الأصل خادمة لمصالح سياسيّة تنتمي للدّول التّي وفدت منها". يسأل: "متى يشرع المسجد الأعظم في الإشعاع باسم مرجعيتنا؟ لماذا ورثت الرّئاسة الجديدة للجمهوريّة زهدَ الرئيس بوتفليقة في تعيين مفتٍ للجمهوريّة؟".

من جهته؛ يقول الإمام مسعود بن طلحة إنّه كان سينتشي بالخطوة الرّئاسيّة لو جاءت متزامنة مع قانون يحمي الإمام من الاعتداءات المختلفة؛ "فقد بات الإمام يُذبح في المنبر ويُحرق في الشّارع ويُعنّف في المسجد وتُسَفَّه آراؤه من طرف جماعات ذات مرجعيّة وافدة تلقى التّشجيع من الحكومة نفسها لأغراض سياسيّة مرحليّة".

وكنت سأفرح بترسيم يوم وطنيّ من أجلي؛ يضيف محدّث "الترا جزائر"، لو كان ذلك متبوعًا بإجراءات تعمل على تحسين وضعي. إنّني أتقاضى راتبًا لا يزيد عن الأجر القاعديّ إلّا بقليل! بما يجعلني على مدار العام أعيش على الدَّين، وهو وضع يحتّم عليّ مباشرة أعمال إضافيّة للتكفّل بأسرتي، بما يقلّل من احتكاكي بروّاد المسجد خارج الجمعة.

هنا؛ يقدّم بن طلحة اقتراحًا لوزارة الشّؤون الدّينيّة والأوقاف هو أن تسمح بفتح فضاء تجاريّ في المساجد التّي تتوفّر عادةً على مساحات زائدة، على أن يرجع شطر من عائداتها لإنعاش رواتب الأئمة. يسأل: "ما المانع من أن تمارس مؤسّسة المسجد نشاطًا تجاريًّا وهي التّي تردّد الآية القرآنيّة "وأحلَّ الله البيع"؟ عوضًا عن اقتصارها على الصّدقات الشّعبيّة والمخصّصات الحكوميّة؟".

من جهته، يرى أستاذ الفلسفة إلياس لهري أنّ الحكومة احتكرت الفضاء المسجديّ لخدمة توجّهاتها؛ فهي لا تعرقل عمليّة بناء مسجد جديد، "لكنّها ظلّت تكتفي بدعم معنويّ للأئمة وامتيازات موسميّة عوض إيجاد حلول واقعيّة وجذريّة لجملة المشاكل التّي يتخبّطون فيها. والسّبب في نظري أنّ هذه الشّريحة من المجتمع قليلة الاحتجاج بالنّظر إلى المهمّة التّعبّديّة التّي تمارسها".

وعليه أقترح؛ يقول لهري، تحرير المساجد من الوصاية الحكوميّة ليصبح التكفّل بالإمام مهمّة شعبيّة مثل بناء المسجد نفسه ومثلما كان سائدًا من قبل. لن يجوع الإمام حين يكون مرتبطًا بالشّعب.

ذهبت دعوات تحرير المسجد من التّبعيّة للحكومة أدراج الرّياح لأنّ ذلك سيجعله مستقلًّا في خطابه الذي قد يتعارض مع توجّهاتها

وذهبت دعوات تحرير المسجد من التّبعيّة للحكومة أدراج الرّياح لأنّ ذلك سيجعله مستقلًّا في خطابه الذي قد يتعارض مع توجّهاتها، بما يجعله حسبها مصدرًا للانفلات، خاصّة بعد تجربة بداية تسعنيات القرن العشرين.

 

اقرأ/ي أيضًا:

رسالة إلى الإمام الجزائري رسالة إلى الإمام الجزائري

المجلس الوطني المستقل للأئمة يطالب الرئيس تبون بحماية الأئمة