06-يناير-2023
الدينار

مصرفي يعد الدينار الجزائري (فيسبوك/الترا جزائر)

عكس رياح الركود التي هبت على اقتصاديات بعض الدول العربية، حققت الجزائر استقرارًا اقتصاديًا وماليًا بفضل وجود طفرة في أسعار النفط والغاز، إذ تجاوز احتياط النقد الأجنبي 60 مليار دولار نهاية سنة 2022، أي ما يعادل عام ونصف من الواردات، حسب الإحصاءات الرسمية.

ما هي انعكاسات ارتفاع احتياطي الصرف على تحسن الوضع الاجتماعي والاقتصادي للجزائريين؟

علاوة على ذلك ضخ البنك المركزي برنامج تمويل إضافي لصالح البنوك بقيمة 2100 مليار دينار من أجل توفير السيولة المالية ودعم النشاط الاقتصادي والاستهلاكي، وبلغت فاتورة التحويلات الاجتماعية من 15 إلى 17 مليار دولار، فضلًا عن زيادات في الأجور تتراوح ما بين 4500 دج إلى 8500 دج على فترة ممتدة بين سنتي 2023 و2024.

تدفقات إضافية

في السياق، يرى خبراء أن استمرار التوترات الجيو-إقليمية والجيو-اقتصادية خصوصًا مع استمرار الصراع الروسي- الأوكراني-الغربي وسينعكس على سوق الطاقة ويضاعف من مداخيل الجزائر بالعملة الصعبة، إذ يتعين أن يصل احتياطي الصرف الأجنبي نهاية سنة 2023 إلى 100 مليار دولار، وهو المؤشر الذي سيعزز قيمة الدينار أمام الدولار. فما هي انعكاسات ارتفاع احتياطي الصرف على تحسن الوضع الاجتماعي والاقتصادي للجزائريين؟

تراجع الفقر

في سياق الموضوع، أول بوادر هذا الاستقرار المالي هو تحسن القدرة الشرائية للمواطن الجزائري وتقليل من مظاهر الفقر والحاجة، في حال التحكم في النسبة التضخم، ولقد شهدت الفترة الأخيرة تراجعًا رهيبًا في القدرة الشرائية للمواطن، نتيجة الانعكاسات السلبية للأزمة الصحية على النشاطات الاقتصادية والخدماتية، وارتفاع الأسعار المواد الاستهلاكية بسبب زيادة النسبة التضخم عالميًا ومحليًا،وارتفاع أسعار المواد الغذائية والمواد الأولية في السوق العالمية.

في هذا الشأن، تراوحت الزيادات في الأجور التي أقرتها السلطات الجزائرية بنسبة 47 في المائة، وهي الزيادات الأكبر  منذ آخر تعديل في الأجور سنة 2007 أي بعد 15 سنة، وهي فترة طويلة أثقلت كاهل المواطن البسيط، وقلصت الطبقة المتوسطة في البلاد لحساب الطبقات الفقيرة والهشة.

هدنة اجتماعية

في السياق ذاته، تُشكل زيادات الأجور متنفسًا سياسيًا واجتماعيًا للسلطات الجزائرية وحكومة أيمن عبد الرحمان، ووفق المعطيات فإن الزيادات مست أجور 2.8 مليون عامل، وقرابة مليوني متقاعد، علاوة على منحة البطالة التي ستمس 1.9 مليون بطال، إضافة إلى ترسيم أكثر من 60 ألف أستاذ في قطاع التربية والتعليم، مع فتح المزيد من المناصب المالية في قطاعي الصحة والتعليم العالي والإدارة العمومية.

ونحن على مشارف الانتخابات الرئاسية، تسعى السلطات إلى تحقيق استقرار اجتماعي وتقويض أي احتجاجات نقابية أو عمالية مطلبية، وتحمل هذه الزيادات رغبة السلطات في تحقيق هدنة اجتماعية تمتصّ الاحتجاج السياسي والفئوي الاجتماعي.

البنية التحتية

إلى هنا، يَعُد تحسن المؤشرات المالية تطلع الجزائر إلى دعم وتعزيز البنية التحتية وتثمين الهياكل القاعدية والمنشآت، في هذا الإطار، رسمت الحكومة مشاريع استثمارية ضخمة تتمثل في مشروع قيد التفاهم بين الجزائر والنيجر ونيجيريا لبناء خط غاز عابر للصحراء والمقدر بحوالي 10 مليار دولار، وطريق شمال-جنوب الممتد إلى الساحل الأفريقي عبر ولاية تامنغست، ومشروع طريق تندوف-الزويرات (موريتانيا) الذي يمتد على 773 كلم، كما سيتم إطلاق مشروع إنجاز خط للسكك الحديدية الذي يمتد على مسافة 1000 كلم لنقل خام الحديد من غاز جيبلات بولاية تندوف إلى ولاية بشار.

من جهته، تعمل السلطات على تسريع وتيرة إنجاز مشروع ميناء الحمدانية بشرشال ولاية تيبازة وتوسيع ميناء جن جن بولاية جيجل، علاوة على ذلك ترغب السلطات في تعزير وتقوية الأسطول البحري والجوي، حيث يشار أن الخطوط الجوية الجزائرية باشرت عملية اقتناء 15 طائرة جديدة، وشددت الحكومة على تسريع وتيرة إنجاز مشاريع ست مناطق صناعية كبرى واستغلالها من أجل استقبال مشاريع استثمارية.

الاستدانة الخارجية

من جهته، تسمح الطفرة المالية للجزائر من إبعاد شبح الاستدانة الخارجية والاستعانة بالصندوق النقد الدولي، والذي يفرض برنامج التقشف وتقليص الدعم الاجتماعي، وإعادة الهيكلة الاقتصادية وتبعاته السلبية على الجبهة الاقتصادية وفقدان مناصب العمل.

ويَتعين ارتفاع احتياط الصرف الأجنبي أن العملة الوطنية ستشهد استقرارًا أو قفزة ولو طفيفة في التعاملات المصرفية الرسمية، حيث استقر مؤخرًا الدولار واليورو في حدود 140 دينارًا، وما يعزز هذا المكسب أيضًا تراجع قيمة الدولار واليورو في الأسواق العالمية، الأمر الذي أعطى للدينار قيمة إضافية في مواجهة صدمة التضخم العالمية والمحلية.

الاستثمارات الخارجية

من جانبه، من شأن ارتفاع احتياط النقد الأجنبي هي الانعكاسات الإيجابية مع زيادة ثقة المستثمر الأجنبي في جلب الرؤوس الأموال وضخ المزيد من الاستثمارات الاقتصادية، حيث يوفر مؤشّر احتياط من النقد الأجنبي عامل الأمان والثقة في إمكانية تحقيق الأرباح وتحويل الأرباح إلى الخارج، دون امكانية التعرض إلى مضايقات أو إجراءات بيروقراطية ومصرفية تعقد من تحويل الأرباح.

التدفقات المالية الضخمة التي تشهدها الجزائر، قد تكون "فرصة تاريخية" من أجل التحول من اقتصاد ريعي يعتمد على النفط إلى اقتصاد منتج

وعلى العموم، فإن التدفقات المالية الضخمة التي تشهدها الجزائر، قد تكون "فرصة تاريخية" من أجل التحول من اقتصاد ريعي يعتمد على النفط إلى اقتصاد منتج يعتمد على المعرفة والصناعة التحويلية وتعزيز الهياكل القاعدية والخدماتية، فالبلد في سنة 2017 لجأ إلى التمويل التقليدي وطباعة النقود بعدما استهلكت الحكومات المتعاقبة أكثر من 1500 مليار دولار خلال عقدين  من حكم عبد العزيز بوتفليقة، وقد تُشكل هذه الطفرة المالية مناسبة لأتدارك أخطاء الماضي الكارثية.