طالعت بكثير من الاهتمام، صرخات التّلاميذ عقب إعلان نتائج الباكالوريا لدورة أيلول/سبتمبر 2020، توقّفت برهة حول أسباب ذلك الغضب الشبابي المصحوب برفض كثيرين لتلك النّتائج من جهة، وتركيز الإعلام التقليدي والافتراضي على النّاجحين بمعدّلات مرتفعة من جهة أخرى، وإهمال المتأخّرين عن النجاح لأن عدم نيل الباكالوريا هو تأخّر عن موعد فرحة وليس فشلًا.
في ذلك الزمن الجميل كانت الفرحة عبارة عن مناسبة احتفالية تشمل العائلة والجيران وردّ دين الوالدين
عند الرّجوع للوراء لفترة السّنوات العِجاف المنعدمة من وسائل التكنولوجيا المتطوّرة كما هو الحل اليوم، حيث لا وجود لهاتف جوّال ولا لمواقع التّواصل الاجتماعي، ولا انتظار رسالة نصّية عبر متعاملي الهاتف النقال في الجزائر، وإطلاع التلاميذ بنتيجة الامتحان مباشرة بعد نشرها عبر الموقع الإلكتروني الخاص بالديوان الوطني للامتحانات والمسابقات.
اقرأ/ي أيضًا: 55.30 % نسبة نجاح في البكالوريا وإعلان النتائج غدًا
حتّى فرحة الفوز والتهاني المليئة بالكثير من الدّموع تغيّرت وَصْفتها، في ذلك الزمن الجميل كانت الفرحة عبارة عن مناسبة احتفالية تشمل العائلة والجيران وردّ دين الوالدين، وقتها كانت النتائج تعلّق في الفناء الخارجي للثانويات وعبر الإذاعة وفي الجرائد الحكومية خاصّة، بينما اليوم صارت الكثير من التمظهرات الاجتماعية بعيدة عن "فرحة زْمان".
لازالت صرخات التلاميذ الناجحين والرّاسبين على حدّ سواء تتعالى بسبب نتائج لم ترضهم جميعًا، رغم أن الوزارة قرّرت خفض معدل النجاح إلى تسعة من عشرين بسبب الوضع الصحّي الوبائي الناجم عن انتشار فيروس كورونا، ورغم كل ّ الحجج المقدّمة من وزارة التربية حيال تلك الاحتجاجات، المصاحبة لبعض من القسوة التي أبدتها تلك الوثائق المتعلّقة بعلامة الصفر الخاصة أساسًا بمادة الشريعة الإسلامية، علاوة على رفض البعض من الناجحين لتلك العلامات التي لا تعبّر عن جهدهم يوم الامتحانات؛ لكن لحد كتابة هذه الأسطر لا حياة لمن تنادي.
باكالوريا العام الحالي تُثير أسئلة كثيرة، تنتظر إجابات من المشرفين على الامتحان والمؤطّرين لفصوله، ولمن بيدهم مصير آلاف التلاميذ كلّ سنة، منها ما يُنصِف المفتّش والأستاذ والتّلميذ، فظلم النّتائج أشدّ وقعًا عل قلوب أبناء المنظومة التربوية جميعًا من الإجابات الظاهرة والمخفية.
كيف يتم اختيار الأستاذة والمفتشين لإعداد أسئلة امتحانات الباكالوريا؟ هل يتمّ عبر الكفاءة أم بالولاءات؟ كم عدد المفتشين والأستاذة الذين تمّ احتجازهم لأسابيع لإعداد أسئلة الباكالوريا؟ وما هي الفترة الزمنية المكلفة لهذه العملية المصيرية؟ ماهي الصيغة المتفق عليها لإعداد الأسئلة؟ هل يراعى فيها مستوى التلاميذ الجيد والمتوسط والضعيف؟ وكيف يتمّ وضع سلم التنقيط؟ كيف يتم تدقيق المواضيع لغويا لتلافي الأخطاء؟ كم عدد المعدّات الخاصة لتجهيز وطبع الأسئلة؟
ماهي الكمية اللازمة من الورق يتم تخصيصها للباكالوريا؟ كم مسؤولًا تمّ تجنيده لمراقبة نقل الأسئلة من مراكز التجميع نحو مراكز الامتحان؟ كم عدد أعوان الرقابة والتنسيق على مستوى مراكز اجراء الامتحان؟ كم من ورقة تمّ تصحيحها في مراكز التصحيح الخاصة بامتحانات الباكالوريا؟ ما هو المبلغ المالي المخصّص لكل هذا الدعم اللوجستيكي لإجراء الباكالوريا؟ ماهي الامكانيات التي توفرها الوزارة لتمكينهم من تصحيح وتدقيق العلامات؟ كيف يتمّ تحفيز الأستاذة في مراكز التصحيح؟كيف يتم تشفير العلامات في نظام الإعلام الآلي؟
لم يبق سوى سبعة أشهر قادمة في حال ما إذا زالت كل مؤشّرات الأزمة الصحيّة
من خلال هذه الأسئلة كلّها، وكثير سِواها يمكن طرحها اليوم وغدًا لتفكيك شفرات الظّلم الذي يشعر به التلاميذ وهم يتلمّسون أحلامهم قد ضاعت من بين أيديهم، وتبخرت على أيدي أجوبة لن يتلقّوها، سواءً لِمن نجح ولن يمكّنه المعدل المتحصّل عليه في اختيار تخصّص جامعي، أو بالنّسبة لمن خابت اجتهاداتهم في الحصول على معدّل مرضٍ لشغفهم، أو بالنسبة لتلاميذ تكسّرت أمنيتهم مع تأخر نجاحهم لعام آخر، لم يبق عليه سوى سبعة أشهر قادمة، في حال ما إذا زالت كل مؤشّرات الأزمة الصحيّة التي أظهرت لنا كم هو صعب أن تؤجل امتحانًا مصيريًا، وتعطي للسياسة أولوية في ظلّ انتظارات اجتماعية واقتصادية غرقت في وحلها الأسر الجزائرية لأزيد من عام وستة أشهر.
اقرأ/ي أيضًا:
انقطاع الإنترنت في الجزائر.. مصداقية البكالوريا تضرب الاقتصاد