31-ديسمبر-2022
جزائريون يتابعون مباريات المونديال (الصورة: الأناضول)

جزائريون يتابعون مباريات المونديال (الصورة: الأناضول)

في الجزائر عندما تسأل الشباب في الشارع عن نهاية سنة 2022 وبداية عام 2023، تكون الأجوبة مختلفة وبأمنيات أغلبها تنصهر حول وضع كل شخص منهم، ولكن قد تكون أهم ملاحظة لدى كثيرين، هي أن قدوم عام جديد أمر عادي وروتيني، فكما مرّت السنة ستمر الأيام والأشهر والسنوات الأخرى.

تردد الشابة أمينة  المثل الشعبي القائل "على قدّْ لْحَافِكْ مَدّ رَجْلِيكْ" أي أنها اقتنعت بأنها لن تحلم أكثر مما تملك

الحكمة من أفواه " التجارب"، هكذا يرد البعض عن سؤال يتعلق بالأفق والمستقبل، والأحلام والطموحات والعمل والحياة اليومية والمعيشة فيكون الجواب:" المعيشة غالية ولكن قَهْوَة وْقاروا خير من السّلطان في داروا" أي المعيشة باهظة الثمن ولكن نحن نعيش بسيجارة وقهوة أفضل بكثير من مسؤول في منصب".

وغيرها من الأمثلة الشعبية التي تزلزل العقل، وتربي الاستسلام، فما هو السبب الذي أخرج هذا الحكمة وكثير سواها، لتصنع من خيال الشباب والجزائريين عموما حقيقة معاشة؟ وكيف سيطرت على يومياتهم؟  وكيف ركّزت بعض الأمثال الشعبية على اتخاذ سلوك الانهزامية؟

صباح بقهوة ثقيلة

من غير الممكن استغناء الشباب في الجزائر عن القهوة بشهادة الكثيرين، مرّة وحلوة، خفيفة وثقيلة، ساخنة وباردة، كما أن ارتشاف القهوة غير مرتبط بوقت محدّد، فهي أصبحت " خطوة بل مشروع" مهم في الحياة اليومية للجزائريين، كما يقول كريم حاجي (26 سنة)، هذا الطالب الجامعي المتخرج حديثا بشهادة ماستر علوم اقتصادية وتسيير يرى أن السرّ في ذلك أن القهوة الجزائرية مرتبطة بسيجارة مهما كان نوعها وثمنها، بل الأولى أي القهوة هي الأيقونة الوحيدة للسيجارة أو رفيقتها دون منازع، ودونها لن يتعدل المزاج في الصباح.

هذه الثنائية الوحيدة في الجزائر التي لا يمكن أن يختلف حولها الشباب، بحسب تصريحه لـ "الترا جزائر"، إذ سيطرت على مشهد الحياة اليومية، بل هي الأغلى من حيث الأهمية عن أي شيء آخر.

فصول قصة "شرب القهوة " طويلة، ومتجذّرة في المخيال الاجتماعي الجزائري، فبإمكانها تعويض العديد من المشروبات وبثمن بخس لا يتعدى الثلاثين دينار أو الأربعين دينار بعدما تم رفع ثمنها في مختلف المقاهي الجزائرية أي أن ثمنها يقلّ ثمنها عن ربع يورو.

يتفنن الكثيرون في وصف شرب القهوة خاصة في الصباح بغية تعديل المزاج ومرور اليوم بأكثر أريحية، وذلك ما يميز تحت مسمّى باللهجة الجزائرية بـ"تقْعَادْ الرَّاسْ" أي تعديل الدماغ بعد الأكل، بعد وجبة الغذاء، وهنا يقول الأستاذ الجامعي عبد الله بن سليمان بأنه لا يمكن أن يتجاوز قهوة ما بعد الغذاء، خاصة بعد وجبة دسمة، موضحا لـ"الترا جزائر" فعوض " تغدى تمدى" فأفضل ارتشاف فنجان قهوة ساخن من أقرب مقهى، معصورة بطريقة جيدة فهي أهم من أي شيء آخر، من أجل ترتيب الأفكار بعد منتصف النهار.

واللاّفت للانتباه، أن القهوة ليست مجرد مشروب يعني في الأمثال الشعبية الاستكانة والاستسلام للواقع، بل هي أيضا الرفيقة الوفية للجميع، أو كما يطلق عليها الجزائريون بمصطلح شائع "الخَلْوِي"، أي أن الشاب عندما يرتشف القهوة مع سيجارة فهي وسيلة للإحساس بحالة استرخاء الدّماغ، كما تتفتح عينيه ومخه وروحه أيضًا لأجل العمل أو البحث عن الرزق، وكأنها أفيون بني داكن بثلاث ملاعق من السكر.

انتظار الأمل ..

تساير الأمثال الشعبية الجزائرية الكثير من الأوضاع الاجتماعية في الجزائر منذ مدة طويلة، إذ تحتفظ الذاكرة  بالكثير من الأمثال والحكم الحياتية التي تتعاطف مع أوضاع سلبية في الجزائر، لكنها من منظور آخر تساعد على بروز بعض الممارسات السلبية، وتُذْكِي نار التخاذل خصوصًا في أوساط الشباب، ومن مثل هذه الأمثال: "كل عَطْلَة فِيهَا خِيرْ"، أي أنه كلما لم تتمكن من إتمام شيء فلا بأس هناك خير وراء ذلك، وهو مثل شعبي ذكرنا به الحاصل على شهادة الدكتوراه وليد بن صافي وهو من ضمن الطلبة العاطلين عن العمل والمناضلين من أجل قضية التوظيف لفائدة الآلاف من حملة شهادة الدكتوراه.

وقال إن حياته الآن معلقة بالحصول على وظيفة، بعدما اجتهد لسنوات لإتمام أطروحته وتخرجه بدرجة مشرف جدا، لافتا لـ" الترا جزائر" أنه يتشبث ببصيص أمل بسيط، أو كما يقول المثل الشعبي:" لي يتمنّى خير ملي يستنّى وَ لِّي يستنىّ خِيرْ مَلِّي يَقْطَعْ لْيَاسْ" أي من يرتبط بالأمل أفضل بكثير من الذي ينهار ويستكين لليأس.

في هذا المثل الشعبي بالذات تنصهر الكثير من الحقائق، خصوصا وأن الآلاف من حملة الشهادات العليا في الجزائر يطالبون بحقهم في الحصول على عمل، واستمروا في تنظيم وقفات احتجاجية منذ أكثر من ثلاث سنوات، أمام وزارة التعليم العالي ولكنهم وحسب تصريحات البعض لـ" الترا جزائر" لم يسأموا ولم يملوا من هذا الموقف النضالي، وهذا العنفوان المطلبي في انتظار التفاتة من المسؤولين على القطاع.

الإصرار ولكن..

"الشّْغَلْ المْلِيحْ يْطَوَّلْ" أي أنّ التماطل في فعل أي شيء يعني أن نهايته ستكون جميلة، رغم أن هذا المثل الشعبي يدفع بالكثيرين إلى التكاسل والتقاعس أيضًا.

كثيرون يتحجّجون بهذه الأمثال الشعبية، ويعتقدون أن الحياة ستمر من 2022 إلى 2023 لأنها حسبهم:" تْرُولِي" أي أن الحياة تمشي كما شاء القدر، فهو حال الكثيرين، بل أكثر البطالين من فئة الشباب من المتخرجين من الجامعات يرون في العام الجديد عبارة عن قاطرة تستمر، ولا شيء في الأفق.

وبالحديث عن أمنيات عام 2023، يرد البعض بمثل شعبي يقول:" كُلّهَا وْسَعْدُو" أي كل شيء وما كتبه له القدر وليس له دخل فيما هو قادم ولا أمنيات، كما ردت أمينة (ماستر حقوق) وهي التي كانت في السابق تحلم وتطمح بأن تجد عملا يليق بشهادتها العليا، قائلة لـ" الترا جزائر" إن الأمر كله بيد القدر وكل واحد وحظه، حسب قولها.

حتى أحلام السنة الجديدة لم تستطع أمينة  تريبها، حيث أصبح حديث البعض متعلقًا بتلك الأمثال الشعبية التي تبرر الفشل، وهنا تردد أمينة ما يقوله المثل الشعبي:" على قدّْ لْحَافِكْ مَدّ رَجْلِيكْ" أي أنها اقتنعت بأنها لن تحلم أكثر مما تملك، وألاّ تطمح إلا بما هو موجود.

حكم مرتبطة بمرور التجارب

تعكس الأمثال الشعبية ثقافة الشعوب وتسافر معهم من جيل إلى آخر وتحتضنها بيوتهم من منطقة إلى أخرى، وتعتبر تلخيص لصور متعددة من مشاعرهم وتصوراتهم اليومية-حسب أستاذة الأدب الشعبي فريدة بنابي (جامعة الجزائر)- مشددة على أن الكثير من الأمثال الشعبية تعكس حادثة محددة وانتشرت على نطاق واسع، أو تعكس أيضا تصور مجموعة من الناس لوضعهم ومعتقداتهم ومظاهر حياتهم اليومية.

 الأمثال الشعبية هي عبارة عن عصارة التجارب، لهذا كثيرًا ما يلجأ لها أي فرد في مجموعة محددة، بل يمارسونها يوميًا وظلت عالقة في أذهانهم وأصبحت عقيدتهم الاجتماعية، كما قالت الأستاذة بنابي، مشيرة إلى أنها ممارسات تعبر عن تجارب الشعوب، بل أكثر من ذلك باعتبارها: "توصيف دقيق لأعماق النفس البشرية، أو التجربة الإنسانية العامة".

تعكس الأمثال الشعبية ثقافة الشعوب وتسافر معهم من جيل إلى آخر وتحتضنها بيوتهم من منطقة إلى أخر

العديد من الأمثال الشعبية تحمل بين طياتها التفاؤل تتجلى من خلال خبرة البشر، وتعبير عن نتائجها وتركز على السلوك الإنساني في ظروف وحالات متغيرة، وليس على مرحلة محددة، ونقل تجارب الآخرين، ويهتم بالعلاقات الاجتماعية المتداخلة، كما تحمل وظائف مختلفة تقوم على الفكرة والموقف، ليترك المجال للغير من المتلقي مفتوحا سواء يتقبّل النصيحة أو التوجيه والعمل بها أو رفضها.