18-ديسمبر-2019

أحزاب السلطة أخفقت في تقديم مرشّح للرئاسيات (تصوير: فاروق باتيش/أ.ف.ب)

لم يكن الأمين العام الأسبق لحزب جبهة التحرير الوطني عمار سعداني، يتوقّع قبل أربع سنوات من الآن، أن ينطبق يومًا تشبيه رئيس المخابرات السابق الجنرال توفيق بالغريق، على تشكيلته السياسية التي تغرق اليوم بعد سقوط مشروع الولاية الخامسة للرئيس عبد العزيز بوتفليقة، ما أوصل معه جميع الأحزاب والشخصيات التي كانت تُسانده إلى حضيض العمل السياسي.

خسارات جبهة التحرير الوطني لم تتوقّف عند فقدانها لرئاسة الغرفة السفلى للبرلمان

بدا واضحًا من نتائج رئاسيات 12 كانون الأوّل/ديسمبر الجاري أن خيارات أحزاب بوتفليقة كانت خاطئة إلى أقصى الحدود، ففوز عبد المجيد تبون الذي لم تراهن عليه هذه الأحزاب رغم انتمائه لجبهة التحرير، زاد من حصرها في الزاوية وغرقها في مستنقع اختياراتها غير الموفّقة.

اقرأ/ي أيضًا: المقاطعة تخيّم على أجواء الانتخابات الرئاسية في العاصمة

تخلٍ عن المقدمة

منذ اضطر الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة للتخلّي عن حلم الولاية الخامسة في نيسان/أفريل الماضي، تخلّى أيضًا حزبه جبهة التحرير الوطني عن شعاره "حزبٌ قائد في بلدِ رائد" الذي كان يحرص أمناؤه العامّون المتعاقبون على تكراره.

ظهر ذلك جليًا، لما تخلّى الحزب مضطرًا عن رئاسة المجلس الشعبي الوطني رغم حيازته على العدد الأكبر من النواب لصالح حركة البناء الوطني ذات التمثيل المحدود، والتي فاز ممثلها سليمان شنين بمعظم الأصوات، لعدم ترشيح الحزب العتيد أيّ أحد من أعضائه.

ورطة جبهة التحرير الوطني لم تتوقّف عند خسارة رئاسة الغرفة السفلى للبرلمان، بل ازدادت تفاقمًا لما فشل الحزب في تقديم مرشّح رئاسي من صفوفه، وهو الذي كان يتفاخر دومًا بعدد مناضليه وكفاءاته، وفضّل في الأخير دعم مرشح التجمع الوطني الديمقراطي عز الدين ميهوبي بقرار من الأمين العام بالنيابة علي صديقين الذي لم يستطع حسم هذا القرار إلا في الأيّام الأخيرة التي سبقت الرئاسيات، رغم الرفض العلني من طرف عدة إطارات بالحزب.

ومثلما فشل الرهان على الولاية الخامسة لعبد العزيز بوتفليقة، تكرّر الفشل أيضًا بالرهان على ميهوبي، فتلقى الحزب صفعة جديدة زادت من غرقه في مشاكل صارت تتفاقم يومًا بعد يوم.

يبدو أن اليد التي ستنقذ "الأفلان" من الوضع الذي يعيشه تبقى بعيدة على الأقلّ في الوقت الحالي، في ظلّ غياب قيادة بارزة قادرة على تنظيفه من الدنس الذي لبسه خلال حكم بوتفليقة، حتى ولو سارع إلى مغازلة الرئيس الجديد عبد المجيد تبون.

قبل الأخير

حال التجمّع الوطني الديمقراطي ثاني حزب ارتكز عليه نظام بوتفليقة في نهب مال الجزائريين خلال السنوات العشرين الماضية، لا تختلف كثيرًا عن الحزب العتيد، حيث إن عز الدين ميهوبي الذي راهن عليه جزءٌ من النظام في أن يكون الرئيس الجديد للجزائريين، لم يستطع تحقيق آمالهم رغم محاولة البعض تحريك آلة التزوير لصالحه في عدّة ولايات، والترويج له خلال الحملة الانتخابية أنه المرشح الذي يريده الجيش، حسب ما يتناقله بعض الناشطين.

قبل الترشح للرئاسيات، استطاع ميهوبي المعروف ببعده عن النزاعات وحركات التصحيح داخل الحزب وتفضيله البقاء دائمًا إلى جانب الطرف الغالب، أن يطرح نفسه بديلًا في حزب السلطة بعد إيداع الأمين العام السابق أحمد أويحيى الحبس المؤقت بسجن الحراش، فرغم أنه لم يشارك في الاحتجاجات التي كان يقودها صديق شهاب تحت شعار القضاء على القوى غير الدستورية وتحرير "الأرندي" من سطوة أويحيى، إلا أنه استطاع الفوز بمنصب الأمين العام بالنيابة دون اعتراض أي طرف داخل الحزب.

وفور اقتناص هذا المنصب الذي ما كان ليحلم به ميهوبي لو بقي أويحيى خارج السجن، أعلن وزير الثقافة السابق مشاركته في الانتخابات الرئاسية التي ستنظمها السلطة، وحاول تبييض صورة حزب يُذكر اسم أمينه العام السابق في جميع قضايا الفساد التي تم التحقيق فيها، فباشر حملة انتخابية مسبقة على مواقع التواصل الاجتماعي، حاولت إظهار أن الحزب الذي دعّم الولاية الخامسة لبوتفليقة إلى آخر لحظة يتبنّى مطالب الحراك الشعبي.

ورغم استفادته من هيكلته الحزبية، ودعم بعض المسؤولين الإداريين والمحليين خلال الحملة الانتخابية، التي استطاع فيها أن ينظم تجمعات ناجحة في معظم الولايات، على خلاف منافسيه الأربعة الآخرين، إلا أن حجم الرفض لـ "الأرندي" وكلّ من يمثله جعل ميهوبي يسقط بالضربة القاضية يوم اقتراع 12 كانون الأوّل/ديسمبر، ليحتل المرتبة الرابعة في نتائج الرئاسيات ويكتفي بـ7.28 في المائة من الأصوات المعبّر عنها، ليتّضح أن عدد المقاعد والمجالس التي كان يحصل عليها في الانتخابات التشريعية والمحليّة لم تكن حقيقية، وأن ليد التزوير دور كبيرٌ فيها.

وراء القضبان

لم تغرق أحزاب بوتفليقة سياسيًا فقط، ولكن استغلال الوظيفة والمنصب الذي حرص قياديوها على ممارسته، جعلهم يغرقون أيضًا في قضايا فساد أوصلت العديد منهم إلى السجن.

بالنسبة لجبهة التحرير الوطني، فقد تم إيداع أمينيه العاميين السابقين جمال ولد عباس ومحمد جميعي الحبس، والأمر لا يختلف مع أعضاء من اللجنة المركزية مثل الوزراء عبد المالك سلال والسعيد بركات وعبد الغني زعلان وبوجمعة طلعي، إضافة إلى برلمانيين مثل بهاء الدين طليبة ومسؤولين محليين آخرين.

أما بالنسبة لحزب لتجمّع الوطني الديمقراطي، فقد تمّت إدانة أحمد أويحيى ويوسف يوسفي وعبد السلام بوشوارب بالحبس النافذ في قضايا تركيب السيارات والتمويل الخفي للحملة الانتخابية وتبييض الأموال، في انتظار ما تحمله القضايا القادمة من خفايا.

ويضمّ سجن الحراش اليوم ضمن نزلائه أيضًا رئيسي تجمّع أمل الجزائر والحركة الشعبية عمار غول وعمارة بن يونس، وهما الحزبان اللذان ولدا في عهد بوتفليقة في زمن كانت تراخيص التشكيلات السياسية لا تمنح إلا لمن يعلن ولاءه الكامل للرئيس الذي جثم على صدور الجزائريين لمدّة وصلت 20 سنة.

 رغم الضربات التي تلقتها  أحزاب بوتفليقة تبقى أكثر حظًا من نظيريها في مصر وتونس

الأكيد أن أحزاب بوتفليقة رغم الضربات التي تلقتها إلى غاية ما بعد الرئاسيات ومنذ انطلاق حراك 22 شباط/فيفري الماضي، تبقى أكثر حظًا من نظيريها في مصر وتونس، أين تمّ حلّ الحزب الوطني الديمقراطي والتجمّع الوطني الدستوري بعد الثورة ضدّ نظامي حسني مبارك وزين العابدين بن علي، لكن هذا الإجراء قد يكون مصيرها في حال استمرّت هذه الأحزاب في تكرار أساليبها السابقة والعمل على تلويث الممارسة السياسية والمناصب القيادية في مؤسّسات الدولة.

 

اقرأ/ي أيضًا:

الانتخابات الرئاسية.. ملفّات حارقة وأخرى عالقة

الانتخابات الرئاسية.. فرص وآفاق المقاطعة